عندما بدأ الإعلام
المصري يصنع من
السودان وأهراماته الأصغر حجما على كثرتها مادة لإطلاق النكات على البرامج الحوارية المسائية في الآونة الأخيرة، لم يكن ذلك أمرا مسليا للسودانيين.
الأمر ذاته ينطبق على تجار السلع الأولية الذين رأوا توترا متناميا بين الجارتين أذكاه التراشق الإعلامي في الآونة الأخيرة وأدى إلى زيادة القيود التجارية التي أصبحت تسبب ارتباكا لأنشطتهم التجارية.
وقال إعلامي مصري في وصفه لأهرامات مروي السودانية العتيقة: "قالك دي
الأهرامات.. محدش يضحك.. دي جبنة مثلثات".
كانت تلك التعليقات مدفوعة بقرار السودان فرض حظر شامل على السلع الزراعية المصرية الشهر الماضي مما عزز القيود التي كان قد فرضها بداية في أيلول/ سبتمبر لحظر الفواكه والخضروات والأسماك المصرية بفعل مخاوف صحية.
اقرأ أيضا: التأشيرة المسبقة تشعل التوتر مجددا بين مصر والسودان
وقال المدير التنفيذي للمجلس التصديري للحاصلات الزراعية هاني حسين، إن "السودان لم يقدم بعد أي تفسير لما يعيب السلع المصرية بالفعل بعد مرور سبعة أشهر على فرض قيود على الواردات في المرة الأولى".
وأضاف: "نريد مواصلة العمل مع السودان لأنه سوق مهم للغاية، لكننا ننتظر لمعرفة ما هي القضية".
وأكد تجار أن "الحرب الكلامية في وسائل الإعلام جعلت الموقف أسوأ فجأة بينما يتزايد عدم وضوح التوجيهات بشأن ما هي السلع التي يمكن بيعها عبر الحدود وعدم وجود حل في الأفق".
وقال تاجر لديه نشاط في السودان: "إنها فوضى كبيرة.. الشاحنات تنتظر خارج السودان محملة بالسلع المصرية من دون إمكانية لدخولها".
واعتبر محللون أن "القيود التجارية سياسية إلى حد كبير وتتعلق بمجموعة من الشكاوى السودانية، بداية من الأراضي المتنازع عليها في جنوب مصر وصولا إلى رفض مصر إسقاط متطلبات مشددة للحصول على تأشيرة تفرضها على المواطنين السودانيين في الوقت الذي تمنح فيه الإقامة لبعض رموز المعارضة".
وأشار الخبير في الشؤون الأفريقية عطية عيسوي إلى أنه "عندما يكون هناك توتر، يستخدم السودان بطبيعة الحال أي أدوات يملكها لإحداث ضغط".
ويجد السودان، الذي تضرر اقتصاده جراء انفصال الجنوب في 2011، نفسه في مواجهة مع جارة أكثر ثراء ونفوذا. ويقل تعداد سكان السودان قليلا عن نصف المصريين البالغ عددهم 92 مليون نسمة وقد اعتمدت الخرطوم على مصر كأكبر مصدر لواردات الكثير من السلع الغذائية.
وقال مدير بوزارة التعاون الدولي السودانية أحمد حام إن "بلاده استوردت سلعا بنحو 591 مليون دولار من مصر في 2016، معظمها كانت سلعا غذائية مثل الخضر والفواكه والبسكويت".
وارتفعت الصادرات الزراعية المصرية منذ أن حررت سعر الصرف في تشرين الثاني/ نوفمبر بما سمح لها بتخفيض قيمة العملة المحلية إلى نحو النصف وهو ما جعل ما تنتجه من سلع جاذبة في الأسواق العالمية وبأثر فوري.
النيران المتبادلة
الإجراءات التي اتخذها السودان في الآونة الأخيرة قد يرتد أثرها على رجال الأعمال السودانيين، إذ كشف بابكر آدم والي، وهو مستورد سوداني، أن "شحنته من البسكويت والحلوى المصرية البالغة قيمتها 12 مليون جنيه سوداني (1.8 مليون دولار) عالقة منذ العاشر من آذار/ مارس".
وقال والي: "أدفع 30 ألف جنيه سوداني يوميا للشاحنات التي تحمل تلك البضائع داخل السودان، وقد حصلت على قروض مصرفية بضمان هذه البضائع. إذا لم تدخل قبل تاريخ انتهاء الصلاحية، سأواجه أزمة مالية".
الشركات الأكبر حجما هي الأخرى وقعت في مرمى النيران، ومن بينها شركة صافولا السعودية التي ستضطر لتغيير وجهة الكثير من إنتاجها من السكر في مصر والذي يباع عادة للسودان بحسب مصدر في الشركة.
وتستورد صافولا السكر الخام البرازيلي وتكرره في مصر لتصدره بعد ذلك لوجهات أخرى، مما يعني أن السكر المحظور حتى ليس مصريا.
وقال المصدر إن "التوجيهات ليست واضحة على الإطلاق، ومن ثم ففي اللحظة الحالية يمكن أن ندرس تغطية عقودنا السودانية من مصنعنا في السعودية".
وتوجه وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى الخرطوم الأسبوع الماضي في زيارة نادرة لتلطيف العلاقات بين البلدين.
وقالت مصادر مقربة من الزيارة إن "قضية التجارة كانت على رأس جدول الأعمال لكن تعليقات شكري ونظيره السوداني لم تتطرق البتة لحل".
وجدد وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور المخاوف من أن الحملة التي يشنها الإعلام المصري على السودان "تجاوزت المعقول والمتعارف عليه وتجاوزت النقد إلى الإساءة للشعب السوداني".