انتشرت في الأيام القليلة الماضية، عقب المباراة الأخيرة التي جمعت الناديين الإسبانيين المشهورين، برشلونة وريال مدريد، صور تداولها كثير من الناشطين على "الفيسبوك" على نطاق واسع، تشبّه نجم برشلونة، ليونيل ميسي، بالأسد الذي ألهب ساحات الملاعب، وأتعب منافسيه، وقذف في قلوبهم الرّعب، وجعل المدافعين وحرّاس المرمى يتصبّبون عرقا وتتشقّق قلوبهم فرقا، عندما يبدأ هجومه في ساحاتهم، وينطلق كاللّيث (!) ليهدّ حصونهم ويتركهم من خلفه بين جاث على ركبتيه ونادب حظّه وباك على ضياع حلمه!.
صور مختارة لهذا اللاعب وهو في فورة حماسه إلى جانب كلّ منها صورة أسد كاسر مكشّر عن أنيابه.. ربّما يبدو لبعض المهوّنين أنّها لا تعدو أن تكون مجرّد صور تعبّر عن إعجاب بعض الشّباب بهذا اللاعب الأسطورة الذي كتب اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ الكرة المستديرة، ويستحقّ التّشجيع، بغضّ النّظر عن أخلاقه وآرائه وخياراته التي كثيرا ما تكون في الاتّجاه المعاكس لآمال الأمّة وآلامها، خاصّة منها قضية فلسطين، التي اتّخذ منها هذا اللاعب موقفا مناقضا لموقف أكثر من مليار ونصف المليار مسلم، بل ومخالفا لموقف أحرار هذا العالم على تباين أديانهم وتوجّهاتهم الفكرية..
لقد أبدى ميسي تأييده للكيان الصّهيونيّ الغاصب، وزار "إسرائيل" والتقى كبار المسؤولين، ووقف عند ما يسمّى "حائط المبكى"، ووضع القلنسوة اليهودية على رأسه والنّجمة السّداسية على صدره! وهو الموقف الذي كان يفترض أن ينزل بأيّ لاعب عالميّ من العلياء إلى الغبراء، ويجعل المهووسين بهذا اللاعب من شباب الأمّة يدركون أنّ كرة القدم لم تعد عند كثير من الأمم مجرّد لعبة، وإنّما أصبحت وسيلة لغايات ومآرب كثيرة ومتعدّدة.. لا يهمّنا بعد هذا الموقف الصّريح والواضح الذي أبداه ميسي في انحيازه لألدّ أعداء المسلمين، أن نبحث في صحّة ما نسبته إليه بعض المواقع بأنّه قال: "لا يشرّفني تشجيع العرب والمسلمين لي"!.
محاولة بعض المهتمّين بالشّأن الكروي التّهوين من تعلّق كثير من شباب الأمّة باللاّعب ميسي، هي محاولة للقفز على واقع مُرّ ما عادت حيثياته تخفى على أحد؛ فلا أحد يمكنه أن ينكر أنّ هذا اللاعب أصبح –مع بعض اللاّعبين الآخرين- قدوة لكثير من شبابنا، في تسريحة وصبغة شعره، وفي شكل لحيته، وفي الوشم المرسوم على ذراعه، وبلغ الأمر ببعض هؤلاء الشّباب إلى الموالاة والمعاداة لأجله ولأجل فريقه الذي يلعب لصالحه، وما أخبار المعارك الطاحنة التي شهدتها بعض المقاهي والنّوادي وحتى بعض الأحياء الجامعية عقب المباراة الأخيرة، عنّا ببعيد، في وقت شهد العالم كيف تصافح لاعبو فريقي كلّ من "برشلونة" و"ريال مدريد" بعد انتهاء المباراة، وعاد كلّ فريق إلى مدينته وهو يفكّر فيما هو آت.
إنّه لأمر مؤسف غاية الأسف، أن تصبح مغامرات ميسي مع الكرة المستديرة، في منزلة الغزوات التي تستحقّ أن تخفق لها القلوب وتهتف لها الحناجر، وتصبح انتصاراته على منافسيه في ميادين الكرة بطولات يستحقّ أن يقلّد لأجلها لقبَ الأسد؛ هذا اللّقب الذي كان المسلمون في أزمنة مضت، يطلقونه على القادة الفاتحين والمجاهدين الذين يحقّقون الانتصارات في ميادين الوغى وعلى طريق التّمكين لدين الله ربّ العالمين.
إنّنا أمام منحدر سحيق، ونحن نرى كيف تربّعت الكرة المستديرة على اهتمامات شبابنا، إلى الحدّ الذي جعلهم ما عادوا يقبلون أيّ حديث أو كلام يذكّرهم بأنّ هذه البطولات التي لا تنتهي، لن تقدّم لهم شيئا في واقعهم، وأنّ اللاعبين الذين يحصدون الألقاب ويملؤون الأرصدة، لن يقدّموا لهم ولو تحية عابرة على عكوفهم المتواصل والمستمرّ على تشجيعهم، فضلا عن أن يقبل شبابنا حديثا يتعلّق بأوقاتهم التي يهدرونها في متابعة هذه المباريات وتحليلها ومناقشة نتائجها، مع ما يتبع ذلك من خصومات تصل في كثير من الأحيان إلى شحن القلوب وإضرام العداوات!.. والأدهى من هذا والأمرّ حين يملأ نجوم الكرة من الغربيين عيون شبابنا ويتربّعون على قلوبهم ويستحوذون على مساحات اهتمامهم، ليُنسوهم قدواتهم من ضراغم هذه الأمّة وسادتها من الصحابة المرضيين والقادة الفاتحين والعلماء العاملين، وتصبحَ بطولات كرة القدم أهمّ عندهم من بطولات أسود الشّرى الذين يقارعون الأعداء المحتلّين في هذا الزّمان ويسجّلون أروع المواقف في الثّبات والتّضحية.
لقد أضحى لزاما على إخواننا الأئمّة، أن يهتمّوا أكثر بهذا الموضوع، وينزلوا إلى واقع الشّباب، ليس ليحرّموا عليهم متابعة مباريات كرة القدم، ولكن ليعلّموهم كيف يرتّبون أولوياتهم، وكيف يعودون بالكرة إلى حجمها الحقيقيّ ومكانها الطبيعيّ.
الشروق الجزائرية