منذ أن أمسكت الأزمة المالية بتلابيب
الاقتصاد العالمي أواخر عام 2008، فإن أحد أبرز الحلول التي تبنتها الدول الرأسمالية عالية التطور مثل
الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية، تمثلت في خفض أسعار
الفائدة.
وكان الهدف الرئيسي من تلك الخطوة خفض سعر
الإقراض للمستثمرين بهدف تشجيعهم على مزيد من الاقتراض من المصارف والمؤسسات المالية للاستثمار في مشاريع مختلفة، على أمل أن يسهم ذلك في خفض معدلات البطالة وزيادة معدلات التوظيف، ومن ثم توسيع نطاق الاستهلاك ومساعدة الاقتصاد الدولي على استعادة توازنه المفقود.
وبغض النظر عن تقييم تلك الخطوة بعد عقد من تطبيقها، لكن فكرة الإبقاء على بيئة اقتراض رخيصة لنحو عشرة أعوام تقريبا يمثل تحديا كبيرا للمؤسسات المالية الدولية، بشكل أثر على النماذج التقليدية لكيفية ممارسة أعمال الادخار والإقراض المعتادة.
فبعد نحو عشر سنوات من أسعار الفائدة المنخفضة يبدو الاقتصاد العالمي في طريقه لإعادة النظر في تلك السياسة، إذ تصاعدت التحذيرات من قبل كثير من الخبراء المصرفيين والاقتصاديين المشهود لهم بالكفاءة في فهم آلية عمل النظام الاقتصادي العالمي، بضرورة استعداد المستثمرين لمرحلة جديدة تشهد ارتفاعا في تكلفة الإقراض.
وتبدو ملامح المرحلة الجديدة أكثر وضوحا في سياسات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مقارنة بأي بنك مركزي آخر.
وقالت الدكتورة لويزا باركلي أستاذة الاقتصاد الدولي لا تعارض رفع أسعار الفائدة لكنها تدعو إلى التريث والتمهل خشية ردود فعل عنيفة من الأسواق تؤدي إلى انتكاسة اقتصادية.
وأضافت وفقاً لصحيفة "الاقتصادية"، "لابد أن نسير في اتجاه التغيير تدريجيا وبحذر، فالأسواق لم تتماثل للشفاء بعد بشكل تام، ويمكن أن تكون ردود الفعل سواء من حيث الاتجاه أو القوة أو الحجم غير متوقعة".
وتحذر أيضا من أن أسواق المال أو أسواق المنتجات قد تصاب بحالة من الارتباك، إذا سارت كبرى البنوك المركزية في العالم في اتجاهات مختلفة بل متضاربة.
وتضيف، "إذا سار كل من المجلس الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا والبنك المركزي الكندي في اتجاه رفع الفائدة، بينما واصل المصرف المركزي الأوروبي والبنك المركزي الياباني سياسة أسعار الفائدة المنخفضة، فإننا سنكون في مواجهة مشكلة حقيقية، لأن الرسالة التي ستصل للأسواق والمستثمرين الدوليين متناقضة، وستكشف عن غياب رؤية عالمية موحدة بشأن السياسات المالية الدولية الواجب إتباعها للخروج من الوضع الاقتصادي القلق في الوقت الحالي، وضمان تحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة".
وتوقعت أن ترتبك الأسواق بشكل واضح نتيجة هذا التخبط وستكون في الغالب قراءة رأس المال الدولي للوضع سلبية ومحبطة.
وعلى الرغم من أن التوجه الراهن بإنهاء عصر "الاقتراض الرخيص" ينال دعم وتأييد عدد من المؤسسات الاقتصادية الرائدة وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي، إلا أن هذا لا ينفي أن التيار المعارض لتلك الفكرة لا يزال يتمتع بقوة ويهيمن على مراكز صنع القرار في عدد من كبرى المؤسسات الدولية.
ويأتي ماريو دراجي، محافظ المصرف المركزي الأوروبي، في مقدمة قوة الرفض الدولية التي تعادي تغيير السياسات المالية العالمية، حيث يرى أن الوقت لم يحن بعد وبشكل تام لعكس الدفة والسير في الاتجاه المعاكس.
وفي الواقع، فإن محافظ البنك المركزي الأوروبي يبدو حذرا من المضي قدما وتبني النهج الأمريكي برفع أسعار الفائدة لأسباب موضعية، فمعدلات التضخم الأوروبية لا تزال منخفضة، ما يؤشر على تواصل الركود الاقتصادي، كما أن الأجور والاستثمارات لا تزال ضعيفة وغير قادرة على الانطلاق والتحليق عاليا.
ورغم أن الوضع في اليابان يتشابه إلى حد ما مع النموذج الأوروبي، إلا أنه أفضل فيما يتعلق بارتفاع أرباح الشركات اليابانية مقارنة بنظيرتها في القارة الأوروبية، مع هذا لم يدفعها ارتفاع الأرباح إلى زيادة معدلاتها الاستثمارية، وهو ما يعكس رؤية سلبية لا تزال سائدة لدى مجالس كبرى الشركات اليابانية بشأن المستقبل الاقتصادي، ويبدو محافظ البنك المركزي الياباني هاروهيكوكورودا أكثر مرونة واستعدادا للنظر في تغيير سياسات الفائدة في اليابان مقارنة بمحافظ المصرف المركزي الأوروبي.
بيد أن الدعوة الراهنة لرفع تكلفة الإقراض عالميا، على أمل أن يسهم ذلك في إنعاش الاقتصاد الدولي عبر رفع معدلات الربحية البنكية، يتطلب الأخذ في الاعتبار قضية المديونة العالمية في الحسبان، حيث إنه بلغ الدين العالمي نحو 217 تريليون دولار ليصل إلى نحو 327 في المائة من إجمالي الناتج الدولي.