ملفات وتقارير

ماذا يعني "تطبيق الشريعة" في المجتمعات المسلمة؟

يحظى شعار "تطبيق الشريعة" بتأييد كبير في المجتمعات المسلمة- تويتر
يحظى شعار "تطبيق الشريعة" بتأييد كبير في المجتمعات المسلمة، وتتبنى أوساط عديدة من الإسلاميين مواقف بضرورة تطبيق الشريعة في السياسة والحكم.. إلا أن الاحتفاء العاطفي بهذا الشعار لا يرافقه تحديد المفهوم، وضبط آلياته التنفيذية، وتحويله إلى واقع معاش، بحسب مراقبين.
 
تحرير المفهوم
 
ورأى أستاذ الشريعة بالجامعة الإسلامية في غزة، تيسير إبراهيم، أن مصطلح "تطبيق الشريعة" يجب أن يسبقه تحرير مصطلح "الشريعة" ذاته، لافتا إلى أن "الشريعة هي مجموع ما جاء به النبي محمد من عقائد وفقهيات عملية".
 
وقال لـ"عربي21" إن "غياب المفهوم الشمولي للشريعة؛ جعل الجانب العقابي منها يتضخم في عقول فريق من المسلمين، وهو ما أوجد تشوها واضحا في النظر إلى الشريعة".
 
وأضاف إبراهيم أن "عدم إدراك غايات الرسالة الكبرى التي تتمثل في إقامة القسط والعدل، وغايات الرحمة والأخلاق؛ أنتج خللا كبيرا في فهم المراد من رسالة الدين في الحياة".
 
وانتقد التركيز على إقامة الحدود، معللا انتقاده بأن "الجانب الفقهي من الشريعة موزع على سبعة أبواب كبيرة، وجانب الحدود يقع ضمن باب العقوبات التي تمثل نسبة صغيرة جدا من الشريعة، وفوق هذا فإن للشريعة فلسفة خاصة في ما يتعلق بالعقوبات، وخاصة الحدود؛ تتمثل في عدم التشوف لإقامتها، ووضع شروط خاصة للتطبيق تكاد تكون صعبة جدا أحيانا".
 
وأوضح إبراهيم أن غياب الحقائق الكبرى لصالح حقائق صغرى في الدين؛ أنتج خللا كبيرا في فهم رسالة الدين في الحياة، مستشهدا بمفردة "السنة"، التي هي "ليست مجرد سلوكيات فردية، بل إن الرشد في الحكم، وحق الأمة في اختيار الحاكم، ومحاسبته بما يحقق العدل بين الناس؛ يأتي ضمن مدلول السنة، وذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي)".
 
إقامة العدل
 
من جهته؛ قال الكاتب والباحث في القضايا الإسلامية، أحمد الرمح، إن العدل هو جوهر الإسلام وغايته، وإن "مخالفة نص ما لتحقيق العدل؛ أقرب إلى روح الدين من إيقاع الظلم بذريعة الالتزام بالنص".
 
وانتقد الرمح استغلال مصطلح "تطبيق الشريعة" في ما وصفه بـ"تمرير مشروع سياسي لا علاقة للدين به".
 
وقال لـ"عربي21" إن "الدعوة إلى تطبيق الشريعة يُراد منها تطبيق العقوبات وحسب، بينما يتم تجاهل الآيات التي تحقق أمن المجتمع وسلامته، ويتم إغفال أن الشريعة جاءت من أجل تطبيقها في مجتمع يؤمن بها أولا".

واتهم الرمح من يصرون على تطبيق الحدود بأنهم يريدون "إبراز الوجه العقابي للإسلام وإخفاء الوجه التسامحي له"، لافتا إلى أن "آيات الأحكام لا تتجاوز نسبتها في القرآن واحدا بالمئة من مجمل الرسالة القرآنية، وهي تتضمن العبادات والمعاملات والأخلاقيات، وليس العقوبات فقط".
  
ورأى أن "الخلل يقع في منظومة التفكير التي وضعت معوقات أمام الإبداع بشتى أنواعه، وذلك عبر البحث عن نص ديني لكل فعل مدني، وزندقة كل فكر مجتهد، وتغليب ثقافة الموت على ثقافة الحياة، والاستهانة بالفقه السياسي مقابل التشدد في الفقه العبادي، وتنصيب التراث حاكما على صحة اجتهاداتنا".

وقال الرمح إن "المقاربة الصائبة هي أن نقترب من عصرنا ومفاهيمه وأدواته؛ ونخرج من مساكنة التاريخ أو الاستلاب للغرب، فالتقليد هو إعلان غير مباشر للفشل في الإبداع، كما أن شرعية أي تيار في قيادة المجتمع ليست الشرعية التاريخية، وإنما شرعية الإنجاز، وهي مرهونة بحل مشكلات المجتمع، والأخذ بيده نحو تنمية تؤسس للعدالة الاجتماعية".
 
المصلحة في تطبيق الشريعة

من جانبه؛ رأى عميد كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية في غزة، ماهر السوسي، أن "تطبيق الشريعة هو طوق النجاة للبشرية؛ في ضوء فشل القوانين الوضعية بتحقيق الأمن والاستقرار ومصالح الناس".

واستدل السوسي على فشل القوانين الوضعية؛ بحجم الجرائم التي تقترف في العالم، وقال لـ"عربي21" إن "الحروب، وسفك الدماء، وتفشي الظلم، واستعباد القوي للضعيف، والاستيلاء على ثروات الشعوب الفقيرة؛ تؤشر على فشل منظومة الأخلاق التي يدعيها الغرب، وفشل القوانين الوضعية في تحقيق العدل والمصلحة".

واستنكر "الازدواجية" التي يتعامل بها منتقدو تطبيق الشريعة "الذين يثورون على إقامة حد القصاص على قاتل ارتكب جريمة، بينما يلزمون الصمت إزاء قتل آلاف الأبرياء بأسلحة الدول الغربية دون جرم ارتكبوه".

وبيّن السوسي الحكمة من إقامة الحدود بأن "هذه الحدود تحقق الردع العام لعموم الناس، والردع الخاص للجاني"، مضيفا أن "كل أعراف العالم تجمع على أن العقوبة يجب أن تتناسب طرديا مع الضرر الذي تسببه الجريمة".