تسود حالة من الترقب بين
المصريين لما ستؤول إليه الأمور بجزيرة الوراق الواقعة في نهر النيل في محافظة الجيزة؛ تحسبا لاستعمال النظام العسكري القوة بحق الأهالي المعترضين على هدم منازلهم.
وشهدت الجزيرة، الأحد، اشتباكات عنيفة بين قوات لأمن الانقلاب والأهالي، استخدم فيها الأمن قنابل الغاز والخرطوش والرصاص الحي؛ ضد الأهالي الذين حاولوا منع إزالة 64 بيتا بالجزيرة بحجة أنها بنيت بشكل مخالف على أراض مملوكة للدولة، ما أودى بحياة المواطن سيد الطفشان، وإصابة العشرات من الأهالي والأمن، فيما اعتقل عشرات من المدنيين.
وما زالت قوات الأمن تحاصر الوراق، كما فرضت عليها عزلة بمنع خروج الأهالي ومنع العبارات النهرية، التي تعد الشريان الرئيسي للجزيرة، إلى جانب قطع التيار الكهربائي عن الأهالي.
من مبارك للسيسي
والوراق أكبر جزيرة مصرية بنهر النيل، حيث تبلغ مساحتها 1470 فدانا، ويقطن فيها نحو 60 ألف نسمة.
وتعود أزمة الجزيرة لعصر مبارك، حينما أصدر قرارا عام 1998 باعتبارها محمية طبيعية، والعمل على إخلاء سكانها، وسط حديث عن بيعها لرجال أعمال. لكن في عام 2002؛ حكم القضاء الإداري لصالح الأهالي بملكية الجزيرة.
وتوجهت أنظار رجال أعمال نظام حسني مبارك، مجددا، نحو الجزيرة، بحجة تطويرها وجعلها مركزيا سياحيا، إلا أن قيام ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، أنقذ الجزيرة من البيع، وحمى الأهالي من التهجير الذي ينتظرهم في عهد الانقلاب.
وأخذت المواجهة بين أهالي الوراق ونظام الانقلاب شكلا آخر، بعيدا عن أروقة القضاء ودهاليز الحكومة، حيث انتقل الأمر ليد الأمن بتحريض شخصي من قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، لإخلاء الجزيرة، بحجة القضاء على التعديات على أراضي الدولة.
ففي 15 كانون الأول/ ديسمبر 2016، وأثناء متابعة السيسي للعمل بطريق "روض الفرج - الضبعة"، الذي يمر من الجزيرة، أمر قائد الانقلاب؛ رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، كامل الوزيري، بمنع الأهالي من البناء بالجزيرة، منتقدا ما يتم إنشاؤه من مبان "عشوائية" فيها.
وفي أيار/ مايو الماضي، أطلق السيسي حملة لإزالة "التعديات" على أراضي الدولة، إلا أنه أعلن في حزيران/ يونيو، عن نيته إخلاء الوراق بشكل خاص، طالبا من حكومته تنفيذ الأمر.
ويقول سكان الجزيرة إن السلطات تسعى لإزالة منازلهم لبناء مشروع سياحي، ويتحدث ناشطون عن سعي إماراتي للبناء على الجزيرة، فيما نشرت شركة RSP بـ"دبي"، الثلاثاء، تصميما كانت أعدته لتطوير الوراق.
وتتجه سلطات الانقلاب إلى توجيه التهم المعدة سلفا للأهالي بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، حيث زعم عضو مجلس النواب عن دائرة الوراق، أحمد يوسف، في مداخلة هاتفية لبرنامج "هنا العاصمة"، أن الإخوان يحرضون الأهالي ضد الدولة، مدعيا أن الشرطة لم تبدأ بالاشتباك مع الأهالي.
وأعلن الإعلامي المصري عماد البحيري عن مخاوفه من اقتحام الأمن للجزيرة وارتكاب مجزرة جديدة.
وقال البحيري عبر صفحته في "فيسبوك": "السيسي لا يملك إلا عصا الخوف، ويعلم أنها في اللحظة التي ستنكسر فيها ستكسر رقبته؛ لذا ستبقى اختياراته محاطة بالقوة فقط لأنه ألغى أي مكان للمناورة السياسية"، متوقعا أن "يقتحم الوراق بقوات أكثر وبعنف أشد مع تعتيم إعلامي"، وأنه "لن يسمح أن تنتقل عدوى استعادة الرجولة بين المصريين مرة أخرى".
مجزرة جديدة
من جانبه، أكد مدير المنظمة السويسرية لحقوق الإنسان، علاء عبد المنصف؛ أن "ممارسات النظام السابقة، تقول إننا أمام مجزرة جديدة ستحدث للأسف الشديد؛ من قبل قوات الأمن ضد أهالي جزيرة الوراق".
وفي حديثه لـ"
عربي21"، لم يستبعد عبد المنصف أن "تقع مناوشات قمعية خلال الساعات والأيام القادمة"، موضحا أن "بعض بوادرها ظهرت عندما قام النظام بقطع الكهرباء الأحد، عن الجزيرة، وصباح الاثنين، تم غلق ست معديات (عبارات)، خاصة بانتقال الأهالي خارج الجزيرة، ثم فتحها"، مضيفا: "وبالتالي النظام مقدم بكل قمع وبطش على هذه الإجراءات التعسفية".
وحول إمكانية استغلال الفيديوهات التي يحرض فيها السيسي على إخلاء الجزيرة، أكد الحقوقي المصري أن هذه "التسجيلات تثبت تعمد النظام لهذا القمع، وتحمل السيسي مسؤولية إعطاء أوامر القمع"، موضحا أنه "سند للضغط على النظام، لا يرتقي إلى مقاضاته دوليا، لكنه دليل قوي أمام المقاضاة المحلية بمجلس الدولة لإلغاء أي قرار تصدره السلطة"، وفق تقديره.
قمة العبثية والبطش
وتوقع الكاتب والمحلل إبراهيم فايد؛ أن ينتهج النظام سياسة العنف، مؤكدا أنها "لغته الوحيدة حاليا، لا سيّما أن أهالي الوراق خرجوا عن بكرة أبيهم رفضا لهدم منازلهم، وبالتالي لن تجد الدولة بداً لإقناعهم عن العدول عن تلك المساكن سوى بهدمها".
وأضاف فايد لـ"
عربي21": "أعتقد أنه ستتم الاستعانة بالإعلام ليبُث سموم نفاقه على الشعب ويعلن الأهالي عصابات ومتعدين على أرض الدولة وخارجين عن القانون ومارقين وممولين ومؤخوَنين ومستدعشين؛ ليمثل ذلك ذريعة أو غطاء جماهيريا للفتك بهم".
وأكد فايد، وهو المتحدث الإعلامي للمجلس القومي للعمال والفلاحين، "حقيقة أن تلك الأرض ملك للدولة وتم التعدي عليها منذ عشرات السنين، ثم انتقلت من شخص لآخر بعقود تنازل موثقة بالشهر العقاري"، مشيرا إلى أن "جريمة التعدي على أملاك الدولة لا تسقط بالتقادم".
واعتبر فايد أن "الأزمة الحقيقية تكمن في كيفية إدارة الدولة للأمر وانتهاجها لمبدأ العنف فقط لا غير؛ كوسيلة لحل المشكلات كعادة الحكومة والنظام الحاليين"، وفق قوله.
وقال: "كان من الأجدى أن توفر الدولة مساكن بديلة للأهالي، مثلما فعلت مع سكان عشوائيات المقطم وغيرهم ممن انتقلوا لحى الأسمرات، لكن أن يستيقظ المواطنون على قوات إنفاذ قانون تود هدم منازلهم؛ إنها لقمة العبثية والبطش والقمع واللاإنسانية بحجة تطبيق القانون"، بحسب تعبيره.