دعت صحيفة "الغارديان" في افتتاحيتها إلى التوقف المباشر عن الاعتداءات المتزايدة في مدينة
الموصل على المشتبه بانتمائهم لتنظيم الدولة وعائلاتهم، وتقديم المشتبه بهم لقضاء عادل يحاول التوصل إلى الحقيقة، والتحقيق عما إذا كانوا أجبروا على العمل مع
تنظيم الدولة أم لا.
وتقول الافتتاحية، التي ترجمتها "
عربي21"، إن "تزايد الأدلة على وقوع اعتداءات مقيتة ضد المشتبه بانتمائهم لتنظيم الدولة، تزامن مع الإعلان عن تحرير الموصل من قبضة التنظيم، ومن تلك الأدلة شريط فيديو يظهر كيف ألقى جنود عراقيون مقاتلا مجردا من سلاحه من بناية عالية، بالإضافة إلى روايات عن اعتداءات طالت ليس المشتبه بهم فقط، بل عائلاتهم أيضا، وفيديوهات سابقة أظهرت وحدة قوات خاصة تقوم بتعذيب وإعدام مدنيين".
وتنقل الصحيفة عن متحدث باسم رئيس الوزراء
العراقي حيدر العبادي، قوله الأسبوع الماضي، بأن الحكومة ستعلن عن اتخاذ إجراءات ضد أولئك الجنود، لكن ليس بعد؛ "لأن ذلك سيفسد أجواء الانتصار".
وتشير الافتتاحية إلى أن "هذه القصص والمشاهد تبدو مرعبة لمن يشاهدها على بعد آلاف الأميال، وستبقى في الذاكرة أطول من صور الجنود العراقيين الذين يرقصون احتفالا بالنصر، وبالرغم من الترحيب بالانتصار العسكري، لكن يبقى هذا نجاحا جزئيا، فقد تكون الدولة الإسلامية، التي أعلنها أبو بكر البغدادي في الموصل انتهت، ووصلت المعركة لاستعادة عاصمتها
الرقة إلى مراحل متقدمة، لكن الصراع لم ينته بعد، فلا يزال التنظيم يسيطر على مساحات كبيرة، والأهم من ذلك هو ثبوت نظرية أن التنظيم سيلجأ إلى قواعده عندما يخسر الأرض، والدليل على ذلك شن الهجمات في المدن التي خسرها التنظيم، بالإضافة إلى أن المقاتلين الأجانب سيشكلون خطرا عند عودتهم إلى دولهم".
وتفيد الصحيفة بأن "هناك مجموعة رهيبة من التحديات ستحدد نتيجتها مستقبل العراق، وتتراوح هذه ما بين الجيوسياسية (كيف تؤمن بلدا عندما تكون المنطقة في ذلك المستوى من الاضطرابات، وفي وقت تتدخل فيه العديد من الدول)، إلى النفسية، حيث (يقول الخبراء بأن أطفال الموصل يعانون من الضغط العصبي القاتل، وتطاردهم أشباح كوابيس اليقظة، بالإضافة إلى عدم تمكنهم من اللعب، أو التعبير عن مشاعرهم)، ونزح عن الموصل وحدها حوالي مليون شخص، وتحملوا حكم تنظيم الدولة الدموي والحرب للتخلص منه، التي كلفت أرواحا كثيرة، فمدينتهم مدمرة، وتكلفة إعادة البنية التحتية فقط تقدر بأكثر من مليار دولار، ومع ذلك فإن خطة الأمم المتحدة للدعم الإنساني للعراق لم تحصل سوى على نصف التمويل، وحكومة لا تستطيع توفير أدنى متطلبات مواطنيها، فإنها لا تستطيع الحصول على ولائهم".
وتشدد الافتتاحية على أن "الحكومة العراقية لن تستطيع الحصول على ولاء مواطنيها في وقت تستمر فيه دورة الانتقام، وإن كانت رغبة الانتقام لدى الناس الذين خسروا أحبة لهم على يد تنظيم الدولة أمرا يمكن فهمه إنسانيا، كما يمكن تفهم شعور من تعرض للأذى من تنظيم الدولة بأن أعضاءه لا يستحقون العرض على محاكم، لكن المحاكم العادلة ضرورية، والاعتداءات تصرف خاطئ وتأتي بنتائج عكسية؛ لأنها ستولد متطرفي الجيل القادم كما ولدت هذا الجيل، فمنذ غزو العراق عام 2003 دأبت قوات الحكومة
والمليشيات على ارتكاب الاعتداءات على المدنيين -السنة غالبا- دون أن يقف أحد في وجهها، وشكلت تلك الاعتداءات الأرضية الخصبة لنشوء تنظيم الدولة".
وتلفت الصحيفة إلى تحذير القائد الأعلى للقوات الأمريكية في العراق بأن "على بغداد القيام بشيء ما بطريقة مختلفة تماما"؛ لمنع قيام تنظيم الدولة 2، فالبلد بحاجة لحل سياسي، يوفر الأمن للسنة، ويقنعهم بأنهم جزء من مستقبل العراق.
وتستدرك الصحيفة بأنه "مع أن العبادي أثبت أنه مستوعب (للسنة) مقارنة بسلفه نوري المالكي، إلا أنه أيضا ضعيف، ومجموعات المقاتلين التي توحدت لمحاربة تنظيم الدولة (وبينهم الأكراد والسنة الذين تدعمهم تركيا والمليشيات الشيعية التي تدعمها إيران)، لا يجمعها أي شيء آخر".
وتؤكد الافتتاحية أهمية وقف الاعتداءات مباشرة، مع أن بعض من في الساحة يبرر بأن تلك الاعتداءات
تقع جزئيا بسبب عدم الثقة بالمحاكم لتتعامل مع أعضاء تنظيم الدولة، مستدركة بأن "محاكمتهم ومعاقبتهم ستساعدان على إعادة تلك الثقة، ويجب على تلك المحاكم الأخذ بعين الاعتبار إن كان تورطهم مع تنظيم الدولة بسبب ضغط مورس عليهم، مع أن القليل متفائل في هذا المجال".
وتختم "الغارديان" افتتاحيتها بتأكيد "ضرورة محاكمة من يعتدي على من يشتبه بانتمائهم لتنظيم الدولة وعائلاتهم، بالإضافة إلى محاكمة أعضاء تنظيم الدولة؛ لأن مقاتلي المليشيات والجنود يعتقدون في الوقت الحاضر أن بإمكانهم القيام بأي أعمال دون الخشية من المساءلة، والمشاهد التي يتم نشرها تدل على استعدادهم لأن يتم تصويرهم وهم يعذبون المعتقلين، وعلى وجوههم ابتسامة، وحتى لو تمت محاكمة عدد قليل منهم، فإن ذلك سيساعد على كبح تلك التجاوزات القاتلة، وهذا ليس فقط لمصلحة العراق، وإنما لمصلحة كل الدول التي قد تجد نفسها تحارب تنظيم الدولة 2 في العراق أو في بلادهم".