نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا أعده كل من بن هبارد وإريك شميدت، حول خسارة
تنظيم الدولة معقله الأهم في
الموصل، بعد ثلاثة أعوام من السيطرة عليه.
ويقول الكاتبان إن الجهاديين محاصرون ومفككون، لكنهم لم ينتهوا بعد، ونقلا عن محللين قولهم إن التنظيم عاد لتبني أساليبه الأولى، وهي حروب التمرد وليس بناء دولة كما أعلن مؤسس التنظيم أبو بكر البغدادي، مشيرين إلى أن التنظيم يبدأ مرحلة جديدة من حياته، حيث تحول إلى حركة تمرد قادرة على إلهام الجهاديين حول العالم.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن حسن حسن من مركز "التحرير" في واشنطن، قوله إن خسارة التنظيم مناطقه تعد "ضربة لمشروع بناء الدولة، فلم تعد الخلافة موجودة، وسيتقلص الدعم والتجنيد، إلا أن تنظيم الدولة يعد اليوم منظمة دولية، ويحتفظ بقدرات على النمو".
وتشير الصحيفة إلى تفوق تنظيم الدولة على الجماعات الأخرى، مثل تنظيم القاعدة، حيث سمحت تجربة التنظيم في بناء إدارة المدن والمؤسسات لتحقيق مصداقية بين الجهاديين في العالم، لافتة إلى أنه مع بدء تراجع سيطرته على المناطق، فإن كادره من الفنيين والدعائيين والناشطين سيستثمرون في تجربة الجماعة، ويطبقونها على العمليات في المستقبل.
ويقول الكاتبان إن "التنظيم لم يخسر بعد بالكامل، فلديه سيطرة على الحويجة وتلعفر ومناطق أخرى في الأنبار، أما في
سوريا فتقلص وجوده في
الرقة، التي تتعرض لهجوم الآن، ولا يزال يقاتل في مدينة دير الزور، التي يسيطر على معظمها".
ويلفت التقرير إلى أن هناك الكثير من قادة التنظيم الذين كانوا في الرقة ممن انتقلوا إلى بلدة الميادين، التي تبعد 110 أميال عن جنوب شرق الرقة، حيث يقول مسؤولون أمريكيون إن القادة نقلوا معهم أفضل الخبرات والمسؤولين عن التجنيد والتمويل، وتم نقل بعض القادة من الرقة إلى البلدات التي لا تزال تحت سيطرتهم، وتمتد من دير الزور إلى البوكمال، مشيرا إلى أن قوات العمليات الخاصة الأمريكية تقوم باستهداف هذه المناطق، إلا أن الحرب على ما يطلق عليها عاصمة الخلافة قد تستمر لأشهر.
وتقول الصحيفة إن العملية على الرقة والموصل هي بداية لفصل آخر في تاريخ التنظيم، الذي يعود بجذوره إلى الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وأعاد ترتيب نفسه من جديد عام 2011، حيث منحت الحرب الأهلية له فرصا عدة، وقام بإرسال الناشطين لبناء قواعد جديدة له، بما في ذلك في مدينة الرقة، التي أصبحت عاصمة التنظيم الإدارية، ومنها انطلق التنظيم نحو
العراق، حيث انطلق منها عام 2014 لاحتلال الموصل، حيث أكد البغدادي أن جنود تنظيم الدولة ليسوا متمردين فقط، بل هم بناة للدولة التي أطلق عليها اسم الخلافة.
ويورد الكاتبان نقلا عن مسؤولين أمريكيين، قولهم إن حرب الثلاث سنوات التي شنت على التنظيم، أدت إلى مقتل حوالي 60 ألف مقاتل، بمن فيهم قادة بارزون وكوادر من صف الوسط.
ويذكر التقرير أن الجنرال مايكل ناغاتا، من قيادة العمليات الخاصة الأمريكية، يعترف بأن التنظيم احتفظ بقدرات جذب وتجنيد وتخطيط لعمليات قادمة، حيث قال الجنرال ناغاتا إن "الضرر الذي أصاب التنظيم لم يجرده من قدراته، التي شاهدنا بعضا منها في الهجمات الدولية التي شنها في الآونة الأخيرة"، لافتا إلى أن التنظيم استطاع شن حوالي 1500 عملية في 16 مدينة في سوريا والعراق بعدما تم تحريرها من سلطته، بحسب دراسة نشرتها أكاديمية "ويست بوينت" العريقة.
وتفيد الصحيفة بأن التنظيم استطاع بناء فروع له في ليبيا ومصر ونيجيريا واليمن وأفغانستان والفلبين، مشيرة إلى أنه يقال إن هناك ما بين 250 إلى 300 من الناشطين وصلوا إلى أوروبا، وهم جاهزون للقيام بعمليات إرهابية في مدنها.
ويبين الكاتبان أن الحكومات الأوروبية تخشى أكثر ما تخشاه من أيديولوجية التنظيم التي لا تزال تلهم الشباب، حيث توصلت دراسة أجراها مركز التطرف في جامعة جورج واشنطن ومركز مواجهة التطرف، قاما فيها بتحليل 51 هجوما في أوروبا وشمال أمريكا من حزيران/ يونيو 2014 إلى حزيران/ يونيو 2017، إلى أن نسبة 18% من المهاجمين كانت لهم علاقة أو قاتلوا في كل من العراق وسوريا، فمعظم هؤلاء اختاروا القيام بها من عند أنفسهم.
ويشير التقرير إلى مشكلة إعادة بناء المجتمعات التي دمرتها الحرب ضد التنظيم، ولم تبد الولايات المتحدة اهتماما بغير قتال الجهاديين، لافتا إلى انه ما لم تتم مساعدة هذه المجتمعات فإن احتمالات بداية حروب جديدة لا تزال قائمة.
وتوضح الصحيفة أن قوات سوريا الديمقراطية، التي صعدت على الساحة بدعم من الولايات المتحدة، تظل في مركز النزاعات القادمة، خاصة أنها تلقت الدعم الأمريكي على حساب القوى المحلية، ورغم المعارضة التركية، التي ترى في المكون الأساسي فيها تهديدا، وهو قوات حماية الشعب الكردية، التي تعدها أنقرة فرعا لحزب العمال الكردستاني "بي كا كا".
وينقل الكاتبان عن المحلل نوح بونسي، من جماعة الأزمات الدولية في بروكسل، قوله: "هناك توتر في السياسة الأمريكية، فمن أجل تجنب التزامات بناء الأمم فإنه يجب أن تمنع إمكانية عودة الجهاديين في المستقبل".
ويجد التقرير أن الساحة في العراق جاهزة لحرب قادمة بين الأكراد والحكومة العراقية حول الاستفتاء وتقرير مصير الأكراد، ومدينة كركوك النفطية، مشيرا إلى أن القتال ضد التنظيم أدى إلى نشوء قطاع من المليشيات الشيعية التي دعمتها إيران، وهي الآن في قلب المناطق السنية، وقد تجد نفسها أمام خيار البحث عن مستقبل سياسي، وحرب مع الدولة في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة.
وتورد الصحيفة أن الباحث الأردني في شؤون الجماعات الجهادية حسن أبو هنية يرى أن "هذا كله يشكل الظروف المناسبة للجماعة" لتعيد ترتيب نفسها.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه "لم يتم التخلص من التنظيم على العالم الافتراضي، وتظل مواده المشفرة والمتوفرة على مواقع التواصل الاجتماعي مادة دعائية مهمة للشباب الباحث عن بديل لحياته المملة التي يعيشها، ومن هنا يتعامل التنظيم مع خسائره المناطقية على أنها نكسات مؤقتة يمكن تجاوزها، بل إنه حضر نفسه لها منذ وقت طويل".