ربما لم يكن مفاجئا إنهاء الرئيس
الجزائري عبد العزيز
بوتفليقة؛ مهام الوزير الأول عبد المجيد تبون، الثلاثاء، بعد أقل من ثلاثة أشهر من تعيينه في هذا المنصب، لكن سرعة إصدار هذا القرار خالفت توقعات كثيرين من المحللين.
وعُين مدير ديوان رئاسة الجمهورية، أحمد أويحيى، خلفا لتبون الذي لم يمكث بمنصبه أكثر من 84 يوما، وهي أسرع إقالة طالت رؤساء الحكومات بالجزائر منذ استقلال البلاد العام 1962.
وكان بوتفليقة قد عين تبون، خلفا لعبد المالك سلال، في 24 أيار/ مايو. وبدأ تبون عمله بإعلان الحرب على الفساد، وقال حينها إن مسعاه نابع من إرادة الرئيس بوتفليقة الذي عينه.
اقرأ أيضا: أويحيى رئيسا لوزراء الجزائر خلفا لتبون
لكن سرعان ما اصطدم تبون بحاجز غليظ، تمثل في رجل المال والأعمال النافذ علي حداد، المقرب من شقيق بوتفليقة، سعيد بوتفليقة، ويشغل مستشارا بالرئاسة. كما أنه مقرب من أحمد أويحيى الذي عينه بوتفليقة وزيرا أولا. وسبق أن وصف أويحيى؛ حداد، بمؤتمر صحفي منتصف شهر يونيو/ حيزران الماضي بأنه "رجل أعمال ناجح وأدعمه".
ورفض حداد الذي يلقبه الكثير من الجزائريين بـ"أحمد عز الجزائري"، نسبة لرجل الأعمال المصري المقرب من نظام حسني مبارك قبل الإطاحة به، الإجراءات التي بدأ بتنفيذها الوزير الأول المقال، وعقد اجتماعا مع رجال أعمال يوم 20 تموز/ يوليو متوعدا بعزل تبون.
ورغم أن الإجراءات التي باشرها تبون لمحاربة الفساد لم تلق طريقها إلى النجاح، بسبب وقوف رجال المال بوجهه، إلا أن الوزير الأول المقال حاز على شعبية واسعة جدا، وأعلنت أحزاب منسوبة للمعارضة الراديكالية دعمها له؛ في سعيه تطهير الساحة السياسية من المال السياسي، الأمر الذي أوقع خصومه في السلطة بحرج نظرا للتأييد الذي لقيه كشخص.
ويرى المحلل السياسي الجزائري سعيد مدور؛ أن "مخاصمة تبون لرجل الأعمال المقرب من
الرئاسة علي حداد علنا، مثلما لم يفعل مسؤول بالدولة قط، أثارت إعجاب الجزائريين الذين ملّوا من خطابات محاربة الفساد دون تجسيدها على أرض الواقع"، كما قال.
وتابع مدور في حديث لـ"عربي21": "أعتقد أن الشعبية الجارفة التي بدا يحوزها تبون قد انقلبت عليه، حيث رأى المحيط الرئاسي أن الرجل يمكن أن ينال شرف مطالبات بترشيحه لانتخابات الرئاسة المقررة العام 2019".
ويعتقد مدور أن "إرهاصات
انتخابات الرئاسة بدأت منذ فترة، بحيث يجري البحث عن كيفية تفعيل خيارين: الأول ترشيح الرئيس الحالي لفترة رئاسية خامسة، أو تقديم شقيقه سعيد بوتفليقة مرشحا بدلا عنه؛ في حال تعذر على الرئيس تقديم ترشحه بسبب المرض"، وفق تقديره.
اقرأ أيضا: تصعيد غير مسبوق بين الوزير الأول وبوتفليقة في الجزائر
وكان الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، الحاكم في الجزائر، جمال ولد عباس، أكد في مؤتمر صحفي عقده بالعاصمة في 29 تموز/ يوليو الماضي؛ أن حزبه سيرشح عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة.
وقال ولد عباس: "بوتفليقة رجل مصالحة. كان رفيقي في السلاح، وله أفضال لا تعد ولا تحصى على هذا الوطن، فقد أخرجه من محنة الإرهاب وصارت الجزائر من البلاد الأكثر أمنا"، بحسب تعبيره.
ويرى رشيد سليماني، الخبير في الشؤون الاستراتيجية المقيم بباريس، أن "الذي عجّل بإقالة عبد المجيد تبون؛ لقاؤه بنظيره الفرنسي إدوارد فيليب بباريس يوم 7 آب/ أغسطس، بينما كان المسؤول الجزائري بإجازة"، مشيرا إلى أنه "معروف لدينا أن الطامحين بالترشح لانتخابات الرئاسة دائما يطلبون دعم الفرنسيين، وبما أن لقاء الرجلين كان غير رسمي، فإن السلطة بالجزائر نظرت إلى تبون بعين الريبة، حتى وإن كان الوزير الأول الجزائري وقتها طلب إذن الرئيس بوتفليقة للقاء نظيره الفرنسي".
ويضيف سليماني لـ"عربي21": "أعتقد أن الرئاسة تعتمد بالآونة الأخيرة على تجميع الموثوق بهم، تحضيرا لاستخلاف الرئاسة، سواء بانتخابات مبكرة أو انتخابات تعقد بموعدها العام 2019، وسواء ترشح بوتفليقة لولاية خامسة أو ترشح شقيقه أو شخصية من نفس محيط الرئاسة"، كما قال.
وفي هذا الإطار، يرى سليماني أن "وزير العدل السابق الطيب بلعيز، وهو من المقربين للرئيس بوتفليقة وشقيقه، مرشح لخلافة أحمد أويحيى بمنصب مدير ديوان الرئاسة بعد تولي أويحيى منصب الوزير الأول".
ويعتقد بلعيز أن "هناك مشكلة على مستوى الدولة، وتناقضات في النظام الجزائري؛ تظهر بعض إرهاصاتها في شكل أزمات وخلافات بين رجالاته، وهو صراع قوة ونفوذ واضح"، مشبها ما يحدث في الجزائر بالحالة الروسية، "حيث نرى أن رجال المال يصعدون بسهولة وسرعة، وهذا الواقع في الدول الشمولية المبنية على الريع النفطي"، على حد قوله.
وتسبب نفوذ رجال المال بالجزائر بموجة سخط كبيرة، ومطالبات سياسية بوقف زحفهم على مؤسسات الدولة وعلى البرلمان.
وقالت لويزة حنون، في مؤتمر صحفي بداية شهر آب/ أغسطس الجاري: "نعيش وضعا يشبع وضع مصر أيام مبارك الأخيرة، حيث سيطر المال السياسي على مفاصل الدولة وعجل بانهيار النظام".
من جهته، يعتقد سليماني، في حديثه لـ"عربي21": "نحن بصدد الانتقال إلى نظام سياسي مالي، وهذا ما يسرع بجعل رجال الأعمال جزءا من النظام لهم تأثيرهم على صناعة القرار، وليسوا بيدقا فقط في أيدي أصحاب القرار الفعليين"، وفق قوله.