أثار إعلان وزارة التعليم العالي
المصرية عن تعاون
شركة "سيمنز هيلثنيرز" الألمانية معها في تشغيل مشروع
مستشفى الأورام
الجديد بالشيخ زايد "500 500"؛ غضب عاملين في المجال الصحي، وانتقادات
سياسيين مصريين، حذروا من تغول المال الأجنبي وخاصة
الإماراتي على القطاع الصحي.
ونشرت صفحة وزارة التعليم العالي عبر
"فيسبوك"، الجمعة الماضي، خبر اجتماع الوزير أيمن عاشور، ورئيس هيئة
الشراء الموحد اللواء طبيب بهاء الدين زيدان، والمهندس ورئيس جامعة القاهرة محمد
سامي، مع رئيس شركة "سيمنز هيلثنيرز" للشرق الأوسط وأفريقيا فيفك كاندي،
لمناقشة سبل التعاون المشترك، لتشغيل معهد الأورام الجديد مستشفى "500
500"، بالشيخ زايد (غرب القاهرة).
ولفت مهتمون بالمجال الصحي والطبي في مصر إلى أن
الشركة الألمانية "سيمنز هيلثنيرز" لها ارتباطات واسعة مع مجموعة
"ألاميدا للرعاية الصحية" الإماراتية الرائدة في قطاع الرعاية الصحية
الخاص في مصر، ملمحين إلى تعاقدهما في أيلول/ سبتمبر 2023، بعقد شراكة مدته 7 سنوات.
وأشاروا إلى أن مستشفى "500 500"، للأورام
وعلى مدار نحو 15 عاما يجري بناؤها بأموال
تبرعات المصريين، وأن حملاتها الإعلانية
خاصة في شهر رمضان من كل عام جمعت الكثير من الأموال.
وتساءل البعض: "هل تذهب تبرعات المصريين للشركة
الألمانية ولمجموعة ألاميدا الإماراتية المسيطرة على جزء كبير من القطاع الصحي
والدوائي في مصر؟".
وقال مدير مركز الحق في الدواء الدكتور محمود فؤاد:
"كيف تذهب أموال المتبرعين طوال سنوات للشركة الإماراتية كحق تشغيل؟"،
مضيفا عبر صفحته بـ"فيسبوك": "هل الشركة ستشغل المستشفى بلا مقابل
مالي، أم سيكون بها قسم للعلاج الاقتصادي؟".
وتابع تساؤلاته: "لماذا نتعاقد مع شركة لتشغيل مستشفى
بُني بأموال المتبرعين، مع ما لدينا من أطباء الأورام والمستشفيات الخيرية التي
أصبحت صروحا كبيرة، وتعالج المصريين بالمجان؟"، مبينا أن "هناك 9
مستشفيات خيرية ضخمة تعمل بشكل مجاني بأيادي كوادر علمية مصرية حققت نتائج عالمية،
بينها "المعهد القومي للأورام"، ومستشفى الأطفال "57357"".
وطالب فؤاد، وزارة التعليم العالي التي تتبع له "500 500"، المصنف كمستشفى تعليمي تابع لجامعة القاهرة، ببيان توضيحي
للأمر، حرصا على المال العام، وحرصا على أموال المتبرعين وتنفيذا لوعود الحكومة
للمرضى بالعلاج المجاني.
"غموض
واتجاه لشيء ما"
وفي حديثه لـ"
عربي21"، حذر فؤاد من التوغل
الأجنبي في قطاع الصحة المصري، وخاصة من شركات الإمارات، مبينا أنه تدخل لا يدعم
القطاع ويمثل خطرا عليه وعلى المصريين.
وقال: "بالطبع تغول الإمارات في سوق الصحة خاصة
الحكومي منه عبر وزارة التعليم العالي أو وزارة الصحة، واضح، وهذا يمثل خطرا، وسبق
لجهاز الرقابة الإدارية خلال رئاسة اللواء محمد عرفان للجهاز (2015- 2018)،
التحذير من استحواذ شركة (أبراج كابيتال) الإماراتية على المستشفيات
الحكومية بقرار رسمي".
وبشأن إمكانية مقاضاة وزارة التعليم العالي بتهم
التفريط في المال العام بدعوى أن المستشفى بني بأموال تبرعات المصريين، أوضح أن
"الأمر غير واضح المعالم الآن، ولم تخرج بعد حيثيات تشغيل الشركة الألمانية
لمستشفى (500 500)، ولم تُعلن التفاصيل حتى الآن".
واستدرك قائلا: "لكن من الواضح في الأمر أن
هناك اتجاها لشيء ما؛ لأن عندنا مستشفيات خيرية ضخمة تستطيع تشغيل (500 500)، لكن
يبدو أن هناك أمرا غريبا خاصة وأن مجلس إدارة المستشفى وهم من أكبر رجال الأعمال مثل
منصور عامر استقالوا منذ فترة".
وختم مؤكدا أنها "أيام وتتضح الصورة عقب وصول
الوفد الألماني إلى مصر وعندها سنعرف الحقيقة".
"أهمية
500 500"
ومستشفى (500 500) جرى الإعلان عن فكرته لأول مرة
عام 2009، خلال زيارة سوزان مبارك لمستشفى أورام الأطفال (57357)، حيث يقام
المستشفى على مساحة 34.5 فدان، بمدينة الشيخ زايد، الحي الراقي في مدينة 6 أكتوبر
(غرب القاهرة).
ووفقا للتصريحات الرسمية من وزارة التعليم العالي،
فإن المرحلة الأولى من المستشفى ستشهد تشغيل 8 عيادات لطب الأورام للبالغين، و20
غرفة عمليات كبرى مجهزة للعمليات، وستعمل بطاقة استيعابية 565 مريضا يوميا بوحدة
علاج اليوم الواحد.
ومن المقرر أن يصبح أكبر مستشفى تعليمي متخصص
ومتكامل في الشرق الأوسط لعلاج كافة أنواع الأورام لكافة الأعمار، ويشتمل على 60
غرفة عمليات كبرى، و15 جهازا للعلاج الإشعاعي، ومركزا لأبحاث السرطان، ومعامل
الأبحاث المعملية.
"ارتباط
سيمنز هيلثنيرز وألاميدا"
و"سيمنز هيلثنيرز" للشرق الأوسط، إحدى
الشركات التي تعمل في مجال تكنولوجيا الخدمات الطبية والرعاية الصحية في مصر، وفي
كانون الثاني/ يناير الماضي اقترحت على وزارة الصحة المصرية إنشاء أول
"مستشفى افتراضي" للتشخيص عن بعد بمصر والشرق الأوسط.
وهي مدرجة في فرانكفورت، ومقرها في إرلانجن
بألمانيا، كرائدة بمجال الرعاية الصحية والتكنولوجيا الطبية بألمانيا، ويعمل بها
نحو 69500 موظف حول العالم، بحسب نشرة "إيجي إيكونومي".
وفي أيلول/ سبتمبر 2023، وقعت مجموعة "ألاميدا
للرعاية الصحية" الإماراتية و"سيمنز هيلثنيرز"، اتفاقية شراكة
استراتيجية رائدة لمدة 7 سنوات، تقوم الشركة الألمانية بتركيب واستبدال وصيانة
معدات وأجهزة المنظومة التكنولوجية بالمرافق الطبية التابعة للمجموعة الإماراتية،
وهو ما تم بداية بمستشفى السلام الدولي بالمعادي.
حينها قال العضو المنتدب لشركة "سيمنز هيلثنيرز"
في مصر عمرو قنديل، إن تلك الشراكة الاستراتيجية تجمع بين الخبرة التكنولوجية
لشركة "سيمنز" والرؤية الاستراتيجية لمجموعة "ألاميدا"،
لتطوير منظومة الرعاية الصحية في مصر.
وتشغل مجموعة "ألاميدا"، في مصر 1.023
سريرا و128 عيادة في 4 مستشفيات بنطاق القاهرة الكبرى، وهي "السلام الدولي
بالمعادي" و"السلام الدولي بالقاهرة الجديدة"، ومستشفى "دار
الفؤاد بمدينة نصر" و"دار الفؤاد بالسادس من أكتوبر".
كما تضم المجموعة الإماراتية مركز
"الإكسير" المتخصص في مناظير الجهاز الهضمي، بأحياء المعادي والمهندسين
بالقاهرة والجيزة، بجانب شبكة عيادات "طبيبي" لتقديم الرعاية الصحية على
مدار الساعة بمناطق راقية مثل "الداون تاون"، و"التجمع
الخامس"، و"المعادي"، و"السادس من أكتوبر".
"ما
قبل التعاقد"
وأعربت الحكومة المصرية ممثلة في رئيس الوزراء مصطفى
مدبولي في نيسان/ أبريل الماضي، عن رغبتها في إسناد مستشفى "500 500"
إلى "إدارة محترفة"، يكون "لها صلاحيات ومرونة".
وخلال اجتماع مدبولي، بوزيري الصحة والتعليم العالي،
لمتابعة استعدادات تشغيل المستشفى، أكد حينها الوزير أيمن عاشور، أنه يتم التفاوض
مع عدة جهات للوصول إلى أفضل عرض للتشغيل، دون أن يذكر أو يشير إلى أي من تلك
العروض.
لكنه، وفي 4 أيار/ مايو الماضي، كشف موقع
"القاهرة 24"، المقرب حينها من جهات سيادية عن وجود عرض قطري مقدم
لإدارة وتشغيل المعهد القومي الجديد للأورام بالشيخ زايد مستشفى "500
500"، فيما لم يشر إلى عروض أخرى.
وبعد نحو 6 شهور، وفي 17 تشرين الثاني/ نوفمبر
الجاري، زار وزير التعليم العالي وقيادات المعهد القومي للأورام، مجموعة من
الشركات الطبية في ألمانيا، وبينها "سيمنز هيلثنيرز"، وذلك في إطار
الاستعداد لبدء تشغيل المعهد القومي للأورام الجديد (500 500)، وفق تصريح رئيس
جامعة القاهرة محمد سامي عبدالصادق.
"من
جيوب المصريين لخزائن الإمارات"
وحول إسناد ملف إدارة مستشفى "500 500"،
للشركة الألمانية ذات الارتباط بعقود رسمية مع "ألاميدا" الإماراتية،
قال المسؤول السابق في وزارة الصحة المصرية الدكتور مصطفى جاويش، إن
"التبرعات تخرج من جيوب المصريين إلى خزائن الإمارات"، مشيرا في حديثه
مع "عربي21"، إلى ما وصفه بـ"التطورات الغريبة في مصير مستشفى
الأورام (500 500)".
وأوضح أن "المستشفى بدأت قصته عام 2009، بتخصيص
50 فدانا بمدينة الشيخ زايد بمحافظة الجيزة لإنشاء مستشفى ضخم حديث للأورام تابع
لمعهد القاهرة القومي للأورام، وبناء على مبادرة من زوجة الرئيس المخلوع حسني
مبارك بدأت حملة قومية لجمع التبرعات للمشروع عام 2010".
العضو السابق في مجلس نقابة الأطباء المصرية، بين
أنه "عام 2017، أعلن رئيس جامعة القاهرة عثمان الخشت، أن الوضع في مصر من حيث
معدل الإصابة بالسرطان كارثي وأننا من أعلى الدول في معدلات الإصابة، وأن الخطورة
ليست في المرضى فقط وإنما الأمن القومي الشامل وصحة البشر".
ولفت إلى أن "الخشت، ذكر حينها أنه تم وضع حجر
الأساس لمشروع مستشفى (500 500)، لكن هناك الكثير من المشكلات منها قلة موارد
الجامعة وضعف تمويل المشروع".
وبين أن "قضية ضعف التبرعات للمستشفى تفجرت عام
2018، بالتوازي مع تفجير مشكلة تتعلق بفساد مالي يخص التبرعات بمستشفى سرطان
الأطفال 53753"، ملمحا إلى أنه "من هنا بدأت مرحلة جديدة من التبرعات
لـ(500 500) لسرعة إنهاء المشروع الضخم".
وقال الخبير الصحي والديموغرافي: "تم تصميم
المشروع وفقا لأحدث المعايير العلمية والهندسية، بواسطة مكتب أمريكي متخصص بتصميم
المستشفيات، لا سيما المختصة بأبحاث وعلاج السرطان، وذلك بدعم المجتمع المدني
المشارك بالتبرعات".
وأشار إلى أنه "فوجئنا الجمعة الماضية ببيان
وزير التعليم العالي بالتعاون مع (سيمنز هيلثنيرز)، والاستفادة من خبراتها الدولية
في تشغيل (500 500)".
وأضاف: "هنا يبرز بكل وضوح الدور المحوري
لمجموعة (ألاميدا للرعاية الصحية) الإماراتية في إدارة مستشفى (500 500)، لأنه
ومنذ أيلول/ سبتمبر 2023؛ وقعت (ألاميدا) و(سيمنز هيلثنيرز)، اتفاقية شراكة
استراتيجية لمدة 7 سنوات".
وأوضح جاويش، أن "هذا يعني أن مستشفى (500 500)
للأورام بالشيخ زايد قد أصبح تابعا لإدارة الشركة الإماراتية وتحت هيمنتها
فعليا"، مؤكدا أن "هذا يأتي في إطار سعي الإمارات المستمر للاستحواذ على
مؤسسات الرعاية الصحية بمصر".
ويرى أن "المؤسف في تلك الحالة؛ هو أن المستشفى
قائم على التبرعات من جيوب الشعب المصري؛ الذي تم حرمانه من الاستفادة الحقيقية
من خدمات الرعاية الصحية المجانية".
وختم بالقول: "وهذا الحرمان بدأ منذ تطبيق
القانون (رقم 87 لسنة 2024)، بشأن تنظيم منح التزام المرافق العامة لإنشاء وإدارة
وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية والمعروف إعلاميا باسم (قانون تأجير المستشفيات)".
"استحواذ
خليجي وأجنبي"
وفي السنوات الماضية شهدت مصر موجة استحواذات أجنبية
وخليجية واسعة ومثيرة للجدل في القطاع الطبي الاستراتيجي المتعلق بالأمن القومي
الصحي لأكثر من 107 ملايين نسمة.
وتسارعت عمليات الاستحواذ في القطاع الحيوي بعد
إقرار مجلس النواب المصري 20 أيار/ مايو الماضي، قانون "إدارة وتشغيل المنشآت
الصحية".
ذلك القانون يسمح للقطاع الخاص والمستثمرين المحليين
والأجانب بإدارة وتشغيل وتأجير المستشفيات العامة والحكومية لمدة تصل من 3 إلى 15
عاما، وذلك وسط غضب ورفض وانتقادات، وهو ما تبعه موجة استحواذات.
وفي 10 أيار/ مايو الماضي، طرحت "الهيئة العامة
للاستثمار" 45 مستشفى حكوميا للإيجار أمام المستثمرين، بينها هليوبوليس
بالقاهرة، والعجوزة التخصصي بالجيزة، وكوم حمادة المركزي بالبحيرة، وأبوتيج
بأسيوط، وحميات الغردقة بالبحر الأحمر.
وقامت الحكومة المصرية بالفعل بتأجير 5 مستشفيات
في العاصمة المصرية القاهرة هي: "مبرة" المعادي، و"العجوزة"،
و"هليوبوليس"، و"زايد آل نهيان"، و"أورام دار السلام".
وعلى خلفية ذلك القانون جرى استحواذ شركة
" تريكويرا" الهولندية على حصة جديدة بنحو 22.18 بالمئة في شركة
"مينا فارم" للأدوية المصرية المحلية في صفقة من خلال آلية الصفقات ذات
الحجم الكبير بقيمة 1.3 مليار جنيه لترفع حصتها إلى 50 بالمئة.
واستحواذ شركة "بريميوم دياجنوستيكس"
الإماراتية على حصة قدرها 9.375 بالمئة في "سيتي لاب" للتحاليل الطبية
في صفقة بقيمة 60 مليون جنيه، كما أن أذرع شركة "بريميوم دياجنوستيكس"
السعودية والإماراتية والأمريكية والمصرية مهتمة باقتناص حصص في شركة التحاليل
المحلية.
ورفع شركة "جولدمان ساكس
إنترناشيونال" الإماراتية حصتها في شركة "مستشفى
كليوباترا"، إلى 5.12 بالمئة من 4.99 بالمئة، مقابل 10.4 مليون جنيه.
وتثير تحركات شركات الإمارات في هذا القطاع الريبة
والشك خاصة مع تملك الشركات الإماراتية 15 مستشفى، ونحو 100 معمل تحاليل ومركز
أشعة، والاستحواذ على بعض شركات إنتاج الأدوية.
وفي 27 كانون الأول/ ديسمبر 2021، استحوذت مجموعة
مستشفيات "كليوباترا" المملوكة لشركة أبراج كابيتال الإماراتية على
مجموعة "ألاميدا "الإماراتية للرعاية الصحية.
وفي النصف الأول من 2021، اشترت (ADQ) الحصة الكاملة لشركة
"بوش هيلث" الكندية في "آمون للأدوية" المصرية مقابل 740
مليون دولار.