عدا عن الخطورة الأمنية المرتفعة، وعلى الرغم من الأوضاع المعيشية الصعبة فيها، تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الحر في ريف حلب، البعيدة نسبيا عن مناطق الاشتباكات، اكتظاظا سكانيا، بسبب إيوائها لكثير من النازحين السوريين من مناطق شرق
سوريا، الهاربين من المعارك المحتدمة ضد تنظيم الدولة في الرقة ودير الزور.
ويقصد النازحون هذه المناطق دون غيرها من المناطق السورية الأخرى؛ لأسباب عدة، أبرزها، وفق مصادر أهلية، عدم فرض المعارضة للتجنيد الإجباري، أسوة بأطراف الصراع السوري الأخرى (النظام، قوات سوريا الديمقراطية، والوحدات الكردية).
علي الجمعة، نازح سوري من مدينة الرقة، يوضح أن ما دفعه للاستقرار بريف حلب الشمالي؛ خوفه على ولديه الشابّين من
التجنيد الإجباري في حال كان مقيما في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل الوحدات الكردية عمودها الفقري.
يقول الجمعة لـ"
عربي21": "قبيل احتدام معركة الرقة بأسابيع قليلة، خرجت من المدينة وقصدت ريف حلب الشمالي، رغم معرفتي المسبقة بتردي الأوضاع الاقتصادية هنا".
ويضيف: "نصحني بعض معارفي بالذهاب إلى مدينة منبج التي تشهد حركة اقتصادية جيدة، لكن الأهم عندي من العمل؛ أن أحافظ على حياة أولادي، وأن أضمن أن لا يزج بهم طرف في أتون المعارك التي لا تنتهي"، كما يقول.
وتفرض الإدارة الذاتية الكردية؛ التجنيد الإجباري على جميع السكان، عربا وأكرادا وغيرهم، في مناطق سيطرتها، في حين تُتهم الوحدات الكردية بإرسال الشباب المجندين قسرا إلى الخطوط الأمامية في المعارك مع التنظيم، بعد تدريب محدود.
من جانبه، رأى فواز المفلح، الناشط السياسي ومسؤول العلاقات العامة في التجمع الوطني لقوى الثورة في الحسكة، أن النازحين من شرق سوريا لا يتكبدون عناء الرحلة الطويلة لريف حلب "ترفا"، وإنما هربا من التجنيد الإجباري الذي تفرضه الوحدات الكردية.
وأضاف المفلح لـ"
عربي21": "عدا المعارضة، تمارس كل الأطراف التجنيد الإجباري بشكل موسع، وحتى تنظيم الدولة التحق مؤخرا بهذا الركب".
وأشار في هذا السياق إلى فرض تنظيم الدولة التجنيد الإجباري على الشبان في محافظة دير الزور، منذ مطلع الشهر الجاري.
وهربا من التجنيد الإجباري الذي يمارسه النظام أيضا، تحت عناوين واجب "الدفاع عن الوطن" و"الالتحاق بحماة الديار"، فضّل العشريني أحمد ريحاوي أن ينتقل بمفرده إلى ريف حلب الشمالي، تاركا وراءه أسرته التي تقيم في مدينة حلب الخاضعة لسيطرة النظام.
يقول ريحاوي لـ"
عربي21": "كان لدي خياران، إما البقاء في حلب والالتحاق بجيش النظام، أو الهرب بعيدا".
وأضاف، واصفا أوضاع الشباب في مدينة حلب: "التجنيد هناك كابوس مرعب، وسيف مسلط على رؤوس كل الشباب، طلابا كانوا أو غير ذلك"، حسب قوله.
وتابع قائلا: "أما هنا فلا يُفرض عليك القتال إلى جانب أحد، ولا أحد يتعرض لك طالما لم ترتكب جرما".
ويبدو أن الحديث عن ممارسات النظام في هذا الجانب طويل جدا، وكان آخر ما صدر في هذا السياق؛ قرار بعدم السماح لطلاب الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) بمغادرة سوريا، إلا بعد الحصول على الموافقات الأمنية، وعلى ألا تزيد المدة عن أربعة أشهر فقط.
وفسر مختصون القرار الصادر عن مجلس التعليم العالي؛ قبل أيام قليلة، على أنه "قطع للطريق على تهرب الطلاب من التجنيد الإجباري".
واستند المختصون في رؤيتهم للقرار على هذا الشكل لتشديد فقرة في القرار على إلزام طلاب الدراسات العليا بتحقيق نسبة الدوام المنصوص عليها، ما يعني ذلك عدم السماح لهؤلاء بالتسجيل الوهمي الذي يمنحهم مصدّقة تأجيل للخدمة.