بدأ النازحون في مدينة
درعا السورية بالعودة بشكل حذر إلى أحيائهم المحررة في مدينة درعا، وذلك مع إعلان مناطق خفض التصعيد في جنوب غرب
سوريا، بعد أن كانوا قد هُجّروا منها إلى المزارع والقرى المجاورة مع بداية معركة "الموت ولا المذلة".
ونزح الأهالي حينها بسبب الحملة الشرسة التي شنتها قوات النظام وروسيا على الأحياء السكنية في المدينة.
وبحسب شهود عيان لـ"
عربي21"، فإن أغلب المنازل دمرت بشكل كلي أو جزئي إضافة إلى دمار هائل في البنى التحتية، ما جعل الكثير من المناطق غير قابلة للعيش.
وأمام ضعف إمكانية السكان المادية لإعادة الاعمار من جديد، مع عدم وجود الدعم المالي للمؤسسات التي تشرف عليها قوى المعارضة، وضع السكان أمام خيارين، الأول يجبرهم على البقاء نازحين في القرى المجاورة، والثاني إصلاح ما يمكن إصلاحه من منازلهم، رغم الخطر القائم بسبب الضرر الذي سببه القصف الشديد بأساسات أغلب المنازل.
عودة المهجّرين بشكل جزئي
وعن عودة المهجّرين، قال الناشط الإعلامي أبو تيم الحوراني لـ"
عربي21": "إن المئات من سكان درعا البلد، وطريق السد، ومخيم درعا، بدأوا بالعودة تدريجيا إلى منازلهم التي أنهكها القصف في الأحياء المحررة، ولا يزال الآلاف منهم في السهول المحيطة للمدينة والأرياف".
وأضاف الحوراني أن "أغلب المنازل التي عادت إليها العائلات مدمرة تقريبا، وغير صالحة للعيش، فمنهم من بنى خيمته على أطلال بيته القديم، ومنهم من تمكن من إصلاح ما تبقى من المنزل، بواسطة أدوات ومعدات بسيطة، مثل الشوادر البلاستيكية، والبطانيات التي يغطى بها نوافذ وأبواب البيوت المحطمة.
وحول الصعوبات التي يواجهها الناس في هذه المناطق، قال الحوراني: "يعاني الناس من مشاكل متعددة، منها تأمين مستلزمات حياتهم اليومية مثلا الماء والغذاء والكهرباء".
وأوضح أن مياه الشرب مقطوعة منذ أكثر من خمسة أشهر عن أحياء المدينة، لذلك يقوم الأهالي بجلب المياه عن طريق صهاريج ماء تملأ من الآبار الموجودة في السهول المحيطة، مُقابل مبالغ معينة، فقد يصل ثمن تعبئة الصهريج الواحد إلى ألف ليرة سورية.
وذكر الحوراني أن ما يزيد من معاناة الناس، تدمير المشافي الميدانية بشكل كلي، ما يجبر أهالي هذه الأحياء قطع مسافات طويلة للوصول إلى الريف للعلاج.
وأضاف إلى ذلك، عدم وجود مدارس لتعليم الأطفال، فأغلب المدارس والمساجد سويت بالأرض.
وقال إن "النظام عاد بنا للعصور الوسطى، بسبب حربه الهمجية التي لا شيء فيها مقدس، فقد استهدف كل مقومات الحياة تحت أنظار العالم، الذي يقف صامتا أمام هذه الكارثة الإنسانية".
75 في المئة نسبة البيوت المدمرة
من جهته، قال حذيفة أبو عليقة، مدير السجل المدني في درعا، لـ"
عربي21": "إن هناك تزايدا ملحوظا لعودة المهجرين، ولكن لا توجد عودة كبيرة، وذلك لأن الأهالي لا يثقون في
الهدنة".
أما السبب الآخر بحسب أبو عليقة، "أن البيوت المدمرة لا يستطيع الناس العودة إليها، ويقدر عدد العائلات التي عادت إلى درعا بـ 500 عائلة فقط، والعدد قابل للزيادة في حال تم الإلتزام بالهدنة".
وأشار أبو عليقة إلى نسبة الدمار في مدينة درعا، قائلا: "إن الدمار في الأحياء السكنية وصل إلى 30 في المئة من البيوت تعرضت لدمار كامل، ونسبة 40 في المئة منها تعرض إلى دمار جزئي، ويحتاج لإصلاح كبير".
وأضاف: "أما بالنسبة للمؤسسات الرسمية والخدمية، فالتقديرات تدل على أن نسبة 45 في المئة تعرض لدمار كامل، والباقي يحتاج إلى ترميم، أما خدمات البنية التحتية من كهرباء وصرف صحي وهاتف تجاوزت نسبة الدمار فيها إلى 80 في المئة".
وأوضح أبو عليقة، أن جميع الأحياء التي لا تقع تحت سيطرة النظام في مدينة درعا "غير صالحة للسكن"، لكن الحاجة أجبرت بعض الأهالي على العودة، وذلك بسبب غلاء الأجور في المناطق الآمنة نسبيا، بالإضافة إلى عدم توفر فرص عمل بسبب الحرب والخوف من عدم الاستقرار.
وقال إن "إمكانية إعادة إعمار الناس لمنازلهم كبيرة بسبب قوة إرادة السوريين على البقاء، فأكثر البيوت تم ترميمها أكثر من مرة خلال السنوات الماضية، ولكن تحتاج إلى تمويل كبير، حيث يطالب السكان بمشاريع إنتاجية تعيد لهم كرامتهم بالعمل، والحصول على المال وتوفير المسكن لهم بأسرع وقت ممكن".
اقرأ أيضا: "درعا الأمل" حملة مدنية لفتح الطرقات وإزالة مخلفات قصف درعا
وتابع أبو عليقة بأن "الناس فقدت الثقة بالمجتمع الدولي، وهي في حالة قلق دائم من أي مؤتمر أو حل سياسي، لأنه ينعكس على حياتهم بشكل سلبي، خصوصا بعد التواجد الروسي في الأحياء التابعة للنظام في مدينة درعا، وإزرع، وخربة غزالة، وموثبين، وعتمان، ومحيط الشيخ مسكين"، حيث أن السكان يعتبرون الروس الشكل الآخر للنظام، فهم من قتلوا أبناءهم، على حد قوله.
مناطق الجيش الحر تفتقد الأمن
من جهته، قال أبو محمد أبازيد، العائد من الأردن، وهو من سكان درعا البلد، لـ"
عربي21": "قررنا العودة في ظل هذه الأوضاع والهدنة الهشة أنا وعائلتي إلى درعا البلد، لم نكن نتصور الأمور بهذا الشكل، إذ غادرت سوريا منذ ست سنوات، ولم أكن أتصور حجم هذا الدمار".
وأوضح أن مناطق الجيش الحر تحتاج الى إعادة إعمار، وإلى كل مقومات الحياة، كما أن المنطقه تفتقر إلى الأمن والأمان.
وقال أبازيد إن هناك الكثير من السوريين الذين يريدون العودة للانضمام إلى عائلاتهم، لكن ما يمنعهم نقص الماء والكهرباء والغذاء والدواء، وكذلك الوقود، وعدم وجود الخدمات الأساسية، علاوة على ارتفاع أسعار السلع الغذائية.
وأضاف أنه على سبيل المثال، فإن "رغيف الخبز نحصل عليه بصعوبة، فربطة الخبز التي تحتوي على 10 أرغفة ثمنها 150 ليرة سورية".
وأكد أبازيد، أنه لا يوجد جهة تقدم طحينا أو مازوتا بشكل منتظم، وإنما عبارة عن" فزعات" لا تسمن ولا تغني من جوع، مستثنيا الطحين الإغاثي، الذي يدخل باستمرار.
وختم بالقول: "إن هذه حال المناطق المحررة، إذ إن المدارس والمشافي والمساجد والمنازل جميعها مدمرة، والغذاء والدواء مفقود، والأطباء والمعلمون غير متواجدين".