أثار إجراء حذف
البسملة" بسم الله الرحمن الرحيم" وآيات قرآنية من الكتب المدرسية الخاصة بالطور الابتدائي في
الجزائر، موجة غضب واسعة، عبرت عنها أحزاب سياسية، وجمعيات، وشخصيات إسلامية ودعوية، اتهمت وزارة التربية والتعليم في البلاد بالسعي إلى "تغريب
المدرسة".
وكانت وزيرة التربية والتعليم بالجزائر، نورية بن غبريت، أعلنت نهاية الموسم الدراسي الماضي (2016-2017) عن إصلاحات في قطاعها، لكنها لم تكشف، آنذاك، طبيعة هذه الإصلاحات، وكانت المفاجأة، تبني إجراء يقضي بحذف البسملة من المقررات التعليمية والكتب المدرسية الخاصة بالطور الابتدائي.
وأطلقت وزارة التربية والتعليم، بالتوازي مع الدخول المدرسي، الذي انطلق فعليا، الأحد، الكتب المدرسية الجديدة الخاصة بهذا الطور، حيث إنها لا تتضمن البسملة، كما لا تتضمن آيات قرآنية، كما في الكتب القديمة، حيث كان مقرر الكتاب المدرسي يستعين بالآيات في الدروس، وهو ما وقفت عليه "
عربي21"، الاثنين، بتصفحها عددا من الكتب الجديدة.
ويعدّ حذف البسملة والآيات القرآنية سابقة في الجزائر لم يشهدها قطاع التعليم في البلاد منذ استقلالها العام 1962.
مليونية البسملة
وتعالت نداءات تطالب وزيرة التربية في الجزائر، نورية بن غبريت، بضرورة العدول عن هذا الإجراء، وإعادة إقرار البسملة في مضامين الكتب المدرسية، وأطلق نشطاء وسياسيون وأساتذة التعليم وأولياء تلاميذ، الاثنين، "مليونية البسملة"، بعريضة مفتوحة للتوقيعات؛ بغرض الضغط على وزيرة التربية، وإلغاء حذف البسملة من الكتب التعليمية.
وينتظر أن ترسل توقيعات "مليونية البسملة" إلى الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، باعتباره "القاضي الأول في البلاد"؛ قصد إعادة النظر بالقرار الذي اتخذته الوزيرة بن غبريت، تحت غطاء " الإصلاحات التعليمية".
ولم تعلن وزارة التربية عن طبيعة إصلاحاتها التعليمية، بالرغم من بدء الموسم الدراسي، وتم كشف حذف البسملة مباشرة بعد الاطلاع على الكتب الجديدة.
وقال بوجمعة شهوب، رئيس تنسيقية أساتذة العلوم الإسلامية، في تصريح لـ"
عربي21"، الاثنين: "سمعنا قبل ثلاثة شهور أن الوزيرة بن غبريت أعطت توجيهات بحذف البسملة وبعض الآيات من الكتب المدرسية، وبلغت هذه التوجيهات لدور الطباعة والنشر عن طريق المفتش العام للوزارة".
وكشف شهوب أن "من بين الكتب التي تعرضت فيها البسملة وآيات قرآنية للحذف كتاب التاريخ، في درس يتحدث عن فتح مكة (سورة الفتح)، كما حذفت سورة "اقرأ".
وأضاف: "تفاجأنا لذلك، وقدمنا طلبا بملاقاة وزيرة التربية والتعليم أو المفتش العام في الوزارة، لكننا لم نتمكن من ذلك، ونحن ننتظر برمجة اللقاء؛ لأنه لا يعقل أن نسكت عن ذلك".
وتابع شيهوب: "ولأن الوزيرة رفضت استقبالنا، توجهنا لوسائل الإعلام؛ للاحتجاج، وهو ما دفع الوزيرة إلى تكذيب حذفها البسملة، لكن، وكما ترون، الكتب المدرسية وعلى غير العادة، لم تتضمن هذه المرة البسملة، كما لا تتضمن في العديد من المفاصل الآيات القرآنية".
"العلماء".. تعدّ على الهوية
وكشفت جمعية العلماء المسلمين، التنظيم الإسلامي البارز في الجزائر، الأحد، عن بيان شديد اللهجة، ردا على حذف البسملة من الكتب والمقررات المدرسية.
وأفاد بيان الجمعية: "لقد آلمتنا قضية حذف البسملة من كتبنا المدرسية، خاصة كتب المرحلة الابتدائية، باسم ما يسمى الإصلاح، حيث إن البسملة جزء من هويتنا ومن عقيدتنا".
واعتبر بيان الجمعية، الموقع من طرف رئيسها عبد الرزاق قسوم، أن "حذف البسملة يمثل اعتداء على عقول أطفالنا، ومساسا بشخصيتنا وهويتنا".
بدورها، عدت جمعية العلماء المسلمين، التي سبق لها أن ناهضت العديد من القرارات التي اتخذتها وزيرة التربية والتعليم في الجزائر، وفي مقدمتها تدريس اللهجة العامية الجزائرية بالمدارس"، أن " الدستور هو المرجعية العليا للبلاد، يبدأ بالبسملة، ويؤكد على ثوابت الأمّة".
واعتبر بيان الجمعية، أن "كل المؤلفات المدرسية منذ أربعة عشر قرنا، على اختلاف تخصصاتها، تبدأ بالبسملة، متسائلا "إن كانت وزيرة التربية والتعليم استشارت وزارة الشؤون الدينية، والمجلس الإسلامي الأعلى، وجمعية العلماء، في حذف البسملة".
وشككت الجمعية في قرار حذف البسملة، مستغربة "لماذا التركيز على أطفالنا في الابتدائي ومحاولة تنشئتهم على قيم لائكية غير دينية، وهو ما يعمل على إفساد ما تبنيه لديهم الأسرة من قيم وأخلاق؟".
تحذير ..
وأدانت أحزاب إسلامية "إصلاحات بن غبريت"، التي تكاد تنحصر في حذف البسملة، كما أفاد محمد حديبي، القيادي في التحالف الإسلامي، الذي يضم ثلاثة أحزاب هي: حركة النهضة التي يترأسها محمد دويبي، وجبهة العدالة والتنمية لزعيمها الشيخ عبد الله جاب الله، وحركة البناء الوطني للشيخ مصطفى بومهدي.
وقال حديبي في تصريح لـ"
عربي21"، الاثنين: "تعتقد الوزيرة بن غبريت بحذفها البسملة من الكتب المدرسية، أنها اكتشفت سر تخلف الجزائر عن الركب الحضاري"، متابعا: "لقد دقت الوزيرة آخر مسمار بنعش هوية الأمة الجزائرية، بطرحها الإيديولوجي المنافي لقيمنا".
وحذر حديبي من عواقب حذف البسملة والآيات القرآنية من المقررات المدرسية، بقوله: "لقد وضعتي الدولة أمام فوهة بركان، وسيثور عاجلا أم آجلا".
ورغم أن قطاع واسع من الجزائريين عبروا عن غضبهم إزاء حذف البسملة، إلا أن هناك من أيد الوزيرة في قرارها.
حيث أوضحت المفتشة التربوية، زهرة قاسي، أن " خصوم بن غبريت أخيرا وجدوا القشة التي يتمسكون بها للإساءة إليها"، معتبرة بتصريح لـ"
عربي21"، أن "النقاش الجدي يجب أن يرتكز على معرفة أسباب فشل التلاميذ بالتحصيل المعرفي، وليس في البسملة التي يقولها الأستاذ والمعلم عندما يبدأ الدرس".
ووصفت قاسي الجدل الدائر بخصوص حذف البسملة بـ"الهرطقة"، مضيفة: "هذا الجدل يدل على أننا عدنا إلى زمن التشويش".
هذا وعمد العديد من أولياء التلاميذ إلى كتابة البسملة في الكتب التي حذفت منها بخط اليد، بمثابة إعلان تحد للوزيرة. مثلما لاحظت "
عربي21"، الاثنين، على هامش معرض خصص لبيع الكتب المدرسية الجديدة، بمقام الشهيد في العاصمة الجزائر.