أكدت هيئة العلماء المسلمين في
لبنان لـ"
عربي21" أنها لن تقبل بتوجيه الاتهامات لأي من أعضائها بالتورط، أو حتى التقصير، في قضية خطف الجنود اللبنانيين قبل قرابة ثلاثة أعوام من قبل تنظيم جبهة
تحرير الشام (النصرة سابقا) وتنظيم الدولة.
وفتح القضاء اللبناني تحقيقات بناء على طلب رئيس الجمهورية ميشال عون، للوقوف على ملابسات
اختطاف الجنود اللبنانيين، وسط اتهامات أطراف سياسية عدة للحكومة السابقة برئاسة تمام سلام؛ بالتقصير، ولهيئة علماء المسليمن بالتآمر.
واعتقلت الأجهزة اللبنانية رئيس بلدية عرسال السابق، علي الحجيري، الملقب بـ"أبو عجينة"، في حين تعمل على تعقب الشيخ مصطفى الحجيري، الملقب بـ"أبو طاقية"، بتهمة الوقوف وراء أحداث عرسال، بالإضافة إلى اتهام عضو هيئة العلماء المسلمين، الشيخ سالم الرافعي، برعاية المسلحين، وفق اعترافات نسبتها وسائل إعلام لبنانية لمعتقلين من جبهة تحرير الشام.
من جهته، أكد التيار الوطني الحر، الذي أسسه عون، إصراره على استكمال التحقيق الذي دعا إليه عون بشأن قضية خطف العسكريين اللبنانيين وإعدامهم من قبل
تنظيم الدولة.
وأفاد مصدر من التيار لـ"
عربي21" أن "الرئاسة اللبنانية مصرّة على استكمال التحقيقات بشفافية"، مضيفا: "المسؤولية الجرمية تلاحق المتورطين، أما المسؤولية السياسية فهي تتعلق بمحاسبة شعبية لمن أثبت تخاذله أو تقصيره على المستوى السياسي والعسكري اللبناني"، بحسب تعبيره.
وتعود قضية خطف الجنود اللبنانيين إلى آب/ أغسطس 2014، حين سيطر تنظيم الدولة وتنظيم جبهة تحرير الشام على مناطق جردية واقعة على الحدود اللبنانية السورية شرقي لبنان، وتحديدا في منطقة عرسال ورأس بعلبك، بالتزامن مع 22 جنديا لبنانيا إثر اشتباك مع
الجيش اللبناني حينها في المنطقة نفسها.
وتمت صفقة تبادلية بين جهة تحرير الشام (النصرة حينها) والدولة اللبنانية عام 2015؛ أفضت إلى الإفراج عن 13 سجينا لدى السلطات اللبنانية، بينهم خمس نساء، طالبت بهم الجبهة؛ مقابل 13 جنديا لبنانيا، في حين استبقى تنظيم الدولة تسعة جنود، ثم أقدم على إعدامهم، قبل أن يبرم قبل نحو أسبوعين صفقة مع السلطات اللبنانية، عبر حزب الله. وقد أفضى الاتفاق إلى انسحاب عناصر التنظيم باتجاه الأرضي السورية مقابل كشفه عن مكان دفن العسكريين.
أين التحقيقات السابقة؟
وبينما يلفّ الغموض قضية العسكريين المخطوفين وإعدامهم، يتساءل مراقبون عن التحقيقات الأولية قبل سنوات لحادثة الاختطاف.
ويقول النائب عن تيار المستقبل، مصطفى علوش، في تصريحات خاصة لـ"
عربي21": "أنجز الجيش اللبناني تحقيقات حول خطف جنوده وإعدامهم، ولكن ليس لدى أي طرف معلومات أو اطلاع على نتائج التحقيقات العسكرية".
وربط علوش طرح مسألة فتح التحقيقات بمسار التفاهمات الحاصلة بشأن انسحاب جبهة تحرير الشام وتنظيم الدولة من الأراضي اللبنانية. وقال: "عندما وُضعت علامات استفهام حول كيفية انسحاب مقاتلي النصرة وداعش في ظل ما يحكى عن تفاهمات مع حزب الله؛ طُرح في الوقت عينه ملف التحقيق بخصوص المقصّرين بملف الجنود المخطوفين من قبل الحكومة السابقة وقيادة الجيش السابقة"، كما قال.
ورأى علوش أن "الجدل سيسود المشهد اللبناني في الفترة المقبلة حول طبيعة التحقيقات وجدواها، والمطلوب في هذا المجال أن تكون التحقيقات واضحة وعلنية وشفافة".
ورجح أن تبقى قضية خطف الجنود سرية؛ لأنها تخصّ الجيش اللبناني، معتبرا أن "لبنان يعيش حربا أهلية من نوع خاص منذ عام 2005، أحد أطرافها مسلح وهو حزب الله، فيما لا تمتلك بقية الأطراف القدرة القتالية"، بحسب تعبيره.
وانتقد علوش؛ حزب الله، قائلا: "هناك مجموعة مستقوية بمضمونها الطائفي، في مقابل مجموعات مستضعفة وفي مقدمتهم الطائفة السنية".
يشار إلى أن الجيش اللبناني قد شارك مع حزب الله، الشهر الماضي، في السيطرة على منطقة جرود بلدة عرسال، في معركة أسفرت أيضا عن صفقة تبادل للأسرى بين حزب الله وجبهة تحرير الشام، شملت تسليم ثمانية أسرى لحزب الله وجثث لقتلى منه، مقابل ترحيل آلاف المقاتلين والنازحين السوريين، من بينهم أمير الجبهة في عرسال، أبو مالك التلي، إلى الداخل السوري، وتحديدا إلى محافظة إدلب.
وحول الأهداف المباشرة لسياسة حزب الله في الوقت الراهن، قال علوش: "يتباهى حزب الله بانتصار مشروعه من البوابة الإيرانية منذ عام 2011، بعيد ما يسمى الربيع العربي، والتي بسطت خلاله طهران نفوذها على ثلاث عواصم عربية تمثل بالنسبة إليها الهلال الشيعي، أو بمعنى أدق هلال ولاية الفقية"، على حد وصفه.
تراجع إيران
وقلّل علوش من أهمية ما يحكى عن إنجازات سياسية وميدانية لطهران في سوريا، وقال: "هناك انتصار للمحور المرتبط بإيران ولكن ليس لها تحديدا، فقد فرضت روسيا سيطرتها ونفوذها على حساب الجميع"، معتبرا أن "لبنان حاليا يرتبط بمساراته بنفق المصالح الإيرانية".
الانقسام هو المشكلة
وعزت الكاتبة والمحللة السياسية، هدى رزق، التشابك الحاصل حول قضية الجنود المخطوفين؛ إلى وجود "مشكلة جذرية قديمة تتمثل في الانقسام السياسي الحاصل في البلاد، وتتركز على المسألة السورية، حيث تتجاذب لبنان المحاور الإقليمية".
واستعرضت الفترة التي أعقبت خطف الجنود، قائلة: "لم يُصدر رئيس الوزراء اللبناني آنذاك، تمام سلام، قرارا بالحسم العسكري، وانصاع قائد الجيش حينها جان قهوجي للصمت الحكومي".
وتوقعت رزق، في حديث لـ"
عربي21"، أن تُفتح تحقيقات حول قضية الجنود اللبنانيين، لكنها شككت في النتائج والخلاصات، وقالت: "ستُصَدّر القضية إعلاميا من دون أن تتم محاسبة أو معاقبة أي شخص أو طرف على قاعدة عدم المساس بالتوافق الوطني".
وختمت بالقول: "لم تحسم أي قضية مشابهة في التاريخ اللبناني نهائيا؛ لكونها تعمق الانقسام السياسي في البلاد".