ملفات وتقارير

القصة الكاملة لهيمنة الإمارات على عاصمة "النفط" اليمنية

أ ف ب
كشف مصدر دبلوماسي يمني عن القصة الكاملة لاستراتيجية دولة الإمارات، للهيمنة على مدينة شبوة الغنية بالنفط، وكيف خلقت انقساما مناطقيا داخل البنية الاجتماعية والقبلية فيها؛ لتمرير أجندتها، وعبر عناوين مختلفة، "الإرهاب" أبرزها.

وتحدث المصدر اليمني عن تفاصيل مهمة بشأن تشكيل وتدريب ما تسمى "النخبة الشبوانية"، التي شكلتها "أبوظبي"، وباتت ذراعها العسكري؛ لحماية نفوذها وأطماعها التوسعية في هذه المدينة التي توصف بأنها "عاصمة النفط والغاز" لليمن.

وتقع محافظة شبوة في جنوب شرقي اليمن، وعلى بعد 474كيلومترا من صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، وإلى الشرق من مدينة عدن التي تتخذ منها الحكومة الشرعية مقرا لها، إلى الغرب من مدينة المكلا، وتعدّ المحافظة الثالثة من حيث المساحة، وتطل على بحر العرب.

وقال الدبلوماسي اليمني، الذي فضل عدم ذكر اسمه، لـ"عربي 21"، إنه في الوقت الذي كانت دولة الإمارات، العضو في التحالف العربي بقيادة السعودية، تؤسس نفوذها في مدينة عدن (جنوبا) -عاصمة البلاد المؤقتة- كانت تتحرك في الوقت ذاته في مدينة شبوة، وتنسق مع كيانات قبلية؛ لتجنيد أبنائها ضمن ما بات يعرف مؤخرا بـ"النخبة الشبوانية".

وأضاف المصدر أن "أبوظبي" واصلت عزفها المنفرد، بعيدا عن مؤسسات الدولة الشرعية، سواء المدنية أو العسكرية، وهو الحال في شبوة، عندما قامت بفتح خطوط التواصل والتنسيق مع كيانات قبلية فيها وتوظيفها لمصلحة أجندتها التوسعية.

فرق تسد

وبحسب المصدر الدبلوماسي، فإن هذه المكونات القبلية التي كانت محور اهتمام الجانب الإماراتي، تقع في نطاقها الجغرافي "مراكز الثروة النفطية" في شبوة، ومقومات حيوية أخرى.

تزامن هذا الخط مع حملة شيطنة وتشويه ضد كيانات قبلية أخرى فاعلة، ولها حضورها المؤثر في المشهد العام، تارة بـ"الإرهاب"، وتارة أخرى بـ"الولاء للحوثي وحليفه الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح". 

وأكد المصدر أن الإماراتيين اختاروا شخصيات من قبائل "الواحدي، وبلعبيد، وبني هلال، وبلحارث"، لتكوين ما تسمى "قوات النخبة الشبوانية"، الذين يتوزعون في بلدات "رضوم، ميفعة، والورضة، وحبان، ومرخة السفلي، وعسيلان، وجردان، وعرماء، ودهر، والطلح، وعتق (مركز المحافظة)".

وفقا للمصدر، فلهذه البلدات أهمية استراتيجية، بينما تم استثناء أبناء مديريات العوالق الثلاث "الصعيد، ونصاب، وحطيب" (وسط وجنوب غرب)، وكذلك مديريات المصعبين في بيحان "بيحان العليا، عين" (شمال غرب شبوة)، بالإضافة إلى مديرية "مرخة العليا". 

ولفت المصدر إلى أنه قبل ذلك، لجأت الإمارات إلى "بروباغندا" وتشويه ممنهج طال قبائل العوالق (أكبر الكيانات القبلية في شبوة) والمصعبين ومرخة العليا، واتهامها بالوقوف مع الحوثي وصالح، وتوظيف ذلك، بما يضمن لها نفوذا مبدئيا هناك.

وبحسب المتحدث ذاته، فإن القادة الإماراتيين استندوا على بعض الأسماء والوجوه التي انحازت لصف الحركة الحوثية والمخلوع صالح، أثناء زحفهما نحو مدن الجنوب، قبيل التدخل العسكري الذي قادته السعودية؛ لتبرير تهميشها، وخلق حالة من العداء مع القبائل التي تشكلت ضمن قوات "النخبة"؛ لتمرير ما تخطط له في هذه المحافظة الغنية بالنفط.

ومن هذه الوجوه " اللواء، عوض محمد فريد، القائد السابق لمحور عتق العسكري، وقائد قوات الشرطة العسكرية سابقا، واللواء علي محمد الطمبالة الذي عينه الحوثيون، محافظا لشبوة، وكذلك العميد عوض ذيبان، مدير أمن المحافظة الحالي، والشيخ حسن بنان القيادي في الحراك الجنوبي"، بالإضافة إلى مجموعة من السياسيين والعسكريين من أبناء بيحان.

ويقول الدبلوماسي اليمني إن ما قامت به هذه الشخصيات لم يلق قبولا لدى الشارع الشبواني، فضلا عن مدى الكراهية التي يحظى بها الحوثيون وصالح والموالون لهم، الذين تصدروا المشهد في شبوة حينها.

وأضاف أن اللعب على هذا الوتر من قبل الجانب الإماراتي له أبعاد أخرى؛ لذلك استقطبت مجموعة من الشباب الإعلاميين ونشطاء بالحراك الجنوبي وبعض السياسيين ورجال المخابرات، لتنظيم "حملات تشويه وشيطنة ضد أكبر قبائل شبوة (العوالق)، ووصمها بالعمالة للحوثي وصالح تارة، وأنها تمثل محاضن لتنظيمي القاعدة وداعش تارة أخرى".

وبناء على هذه التوجهات، كشف المصدر أن السلطات الإماراتية تمكنت من الاستثمار في الشخصيات السياسية والتيارات الاجتماعية والدينية والتكتلات القبلية، وفي المليشيات التي قامت بتدريبها في منشآتها العسكرية العديدة في المنطقة؛ من أجل تأمين ما يكفي من النفوذ لحماية أجندتها في شبوة، والتي تتجاوز بكل تأكيد شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي أو الاكتراث لوحدة البلاد.

أهمية استراتيجية

وفي هذا السياق، أوضح المصدر أن تركز التحرك الإماراتي في 11 بلدة يسكنها قبائل "الواحدي وبلعبيد، وبلحارث، وبني هلال"، لأهميتها الاستراتيجية، فهي تتربع على مراكز الثروة النفطية في شبوة، وتسيطر على أهم الخطوط التي تربط مدينة شبوة بالمدن المجاورة لها، مثل حضرموت، فضلا عن الخط الدولي الرابط بين اليمن والسعودية.

كما تقع فيها منشأة "بلحاف"، أهم وأكبر منشأة نفطية في اليمن، بالإضافة إلى أنه يمر عبرها خط تصدير الغاز المسال الممتد من محافظة مأرب عبر هذه الأراضي وحتى ميناء بلحاف على بحر العرب.

وإجمالا، تتواجد في هذه المناطق كل ثروات محافظة شبوة من النفط والغاز وخطوط نقل الغاز من مأرب إلى شبوة وخط نقل النفط من العلم إلى النشيمة.

كما تمتاز بشريط ساحلي فيه أفضل الأماكن لصيد الأسماك، ومواقع تصلح لإنشاء ميناء بمواصفات عالمية. وكذلك موقع هام لاستقبال اللاجئين من القرن الأفريقي. حسبما ذكره المصدر الدبلوماسي لـ"عربي21".

وأضاف أن المطارات المدنية والعسكرية في شبوة تتواجد في هذه المديريات، إلى جانب المصالح والمشاريع الحيوية، فضلا عن المناطق السياحية والأثرية في شبوة.

تهميش العوالق والمصعبين.. لماذا؟

وفي المقابل، أفاد المصدر الدبلوماسي بأن هناك أسبابا عدة تقف وراء عملية إبعاد أبناء العوالق والمصعبين من تشكيلة "النخبة"، وشيطنتها لدى القبائل الأخرى.

ولعل أهمها أن هذه البلدات لا توجد فيها أي شركات أو قطاعات نفطية أو غازية أو حتى ثروات معدنية، أو أي مشاريع حيوية أخرى.

كما أن عددا كبيرا من أبناء هذه القبائل التحقوا بالجيش وأجهزة الأمن سابقا ولاحقا، فضلا عن قادة عسكريين ورجال دولة متمرسين وعلى مستوى عال من الخبرة والدهاء ومعرفة الواقع، وهذا ما لا يريده الإماراتيون.

علاوة على ذلك، الارتباط الوثيق بين قادة تلك القبائل الكبار بالمملكة العربية السعودية، ولهم تأثير كبير على قبائلهم في شبوة.

تشكيل قوات النخبة


وسارت "أبوظبي" في خطتها التوسعية، وفقا للدبلوماسي اليمني، عبر تشكيل وحدة عسكرية مستقلة، وتمويلها وإدارتها بالكامل، باسم "قوات النخبة الشبوانية".

وتمثل هذه الوحدة النسخة الرابعة في خطة النظام الإماراتي، وهو استثمار بهدف حماية نفوذها في عاصمة "النفط والغاز" اليمن، دون الاكتراث لموقف السلطات الشرعية من هذه السياسات.

واختير أفراد هذا التشكيل بعناية وانتقائية من كيانات قبلية ضمن الإماراتيون ولاءها المطلق، ومن ثم تم إخضاعهم لدورات تدريبية قاسية، لمدة عام ونصف.

مدربون أردنيون وعراقيون

وأفاد المصدر بأن القادة الإماراتيين أوكلوا تدريب "النخبة الشبوانية" إلى مدربين أردنيين وعراقيين من الجيش العراقي السابق، وتلقى أفراد هذا التشكيل لجرعات قاسية من الدورات النوعية وعالية الخطورة، منها دورات قتالية تخصصية، وأخرى خاصة بمكافحة الإرهاب، طيلة تلك الفترة.

سيدي القائد

وكان لافتا أن هذه القوة التي تعمل خارج النطاق الرسمي تم برمجة أفرادها على الطاعة العمياء للقائد، حتى أصبح الفرد منها يخاطب قادتها بـ"سيدي القائد"، وهي كلمة لها دلالاتها في تنفيذ الأوامر.

كما تجدر الإشارة إلى أن عبارة "سيدي القائد" من الألفاظ التي حرمتها دولة الجنوب سابقا، وصدر بشأنها قرار جمهوري يمنع التخاطب بها، حتى وإن كانت لرئيس الجمهورية، واستبدلت بها كلمة "رفيق"، غير أنها عادت مجددا في شبوة.

ولذلك؛ توقع الدبلوماسي اليمني أن تتورط هذه القوة في انتهاكات جسيمة وأعمال وحشية بحق السكان المحليين، بناء على الأوامر التي يتلقونها من الإماراتيين.

مسرح عمليات قوات النخبة

في مطلع آب/ أغسطس الماضي، بدأت ما تسمى "قوات النخبة الشبوانية" انتشارها في عدد من مناطق محافظة شبوة، بإشراف من قيادات إماراتية قدمت من "أبوظبي"، منها منطقة "رضوم وجردان" التي يمر من الأخيرة "خط تصدر الغاز المسال" الممتد من محافظة مأرب (شمالا) وحتى ميناء بلحاف النفطي على بحر العرب.

فيما وصلت قوة أخرى من هذا التشكيل، في الشهر ذاته، إلى منطقة العقلة النفطية وتسلم مطار شركة "OMV" وبوابتها، فيما تمركزت قوات إماراتية في الوقت ذاته في منشأة بلحاف النفطية، التي تعدّ أهم منشأة يمنية لتصدير الغاز الطبيعي.

أهداف موكلة للنخبة


وذكر المصدر أن خطة انتشار النخبة هدفها الأول هو السيطرة على حقول النفط والغاز في شبوة.

وأفضى المصدر قائلا إن استثمار الإمارات في هذه التشكيلات المليشياوية يهدف بالإساس للسيطرة على نفط وموانئ شبوة الاستراتيجية.

ولذلك، تركز انتشارها في مواقع نفطية منها "محطة بلحاف"، التي تعدّ أهم منشأة يمنية لتصدير الغاز الطبيعي، مرورا بميناء (يحمل الاسم ذاته)، بالإضافة إلى السيطرة على سواحل المدينة، والتحكم فيها، ومنع أي استثمارات حكومية، كونها مهيأة لإنشاء موانئ تجارية بمواصفات عالية، وهو ما يمثل هاجسا للإماراتيين.

محاربة الإسلام السياسي

ووفقا للمصدر، فإن هناك أولوية تالية لقوات النخبة، وهي "استهداف الإسلام السياسي" بموجب توجيهات إماراتية، في سياق حربها المعلنة عليها.

وأشار إلى أن هذا التوجه يمثل خطا سياسيا مهما لتسويق "بن زايد" نفسه، عند الأمريكان والبريطانيين؛ ولذلك بدأوا في مواجهة تنظيمي القاعدة في شبوة، وشن حملات مداهمة لعناصر مفترضين في هذا التنظيم، قبل الانتقال إلى الخطة الأهم، وهي "الحرب على الإسلام السياسي".

ولم يستبعد المصدر الدبلوماسي أن تنتقل "النخبة"، المدعومة إماراتيا، بالتضييق على أنصار حزب الإصلاح، المحسوب على "الإخوان المسلمين" والحركات السلفية المعتدلة، التي تمتلك رصيدا شعبيا وحضورا دينيا لافتا لها في شبوة؛ بهدف استفزازها؛ تمهيدا لإلصاق تهم الإرهاب وتمويله، وبالتالي البدء بحملات الاعتقال والاختفاء القسري.

اللعبة الإماراتية -بحسب المصدر- يشارك فيها إلى جانب قوات النخبة جناح ديني موال لها، الذي يتزعمه، السلفي المثير للجدل، هاني بن بريك؛ لاختراق هذه الحركات، وخلق انقسامات بداخلها؛ لتسهيل ضربها..

صفقات

وأفصح الدبلوماسي اليمني عن صفقات شراكة أبرمتها سلطات "أبوظبي" مع شركة "توتال" الفرنسية صاحبة مشروع الغاز، وشركة "أوه أم في" النمساوية التي تشغل حقول العقلة النفطية.

وتنص الصفقة على تأمين عمل الشركتين وإنتاجها النفطي في شبوة، مقابل الحصول على نسبة ربحية من العائدات، وتشغيل شركات إماراتية بالباطن. وفقا للمصدر.

ولم يتسن لـ"عربي21" التواصل مع مسؤولين في الشركتين للتعليق على ما أورده المصدر،
وأردف المصدر قائلا إن العرض الذي حصلت عليه الإمارات من الشركتين العاملتين في شبوة يمكن وصفه بأنه "ضريبة مشاركتها في الحرب باليمن"، رغم رفض الرئيس هادي بشدة إعطاءها أي تنازلات أو امتيازات أو استثمارات في الجنوب.

وكانت شركة توتال أعلنت، في وقت سابق، عن استئناف إنتاج النفط، بعد تلقيها ضمانات من قبل الإمارات بتأمين ذلك. وفقا لتقارير إعلامية.

موقف النخبة من الشرعية

وأكد الدبلوماسي اليمني لـ"عربي21" أن قوات النخبة لا تخضع لتوجيهات الحكومة الشرعية، بل تتلقى توجيهاتها مباشرة من قبل القادة الإماراتيين، الذي شكلوا غرفة عمليات تابعة لهم في منشأة "بلحاف" النفطية.

ما يعزز ذلك، إيقافها في الأيام القليلة الماضية، محافظ شبوة المعين من قبل الرئيس هادي، في نقطة تابعة لها بمنطقة الرضوم، وأعاقت تحركه صوب محافظة حضرموت (شرقا)، قبل أن تصدر توجيهات إماراتية بالسماح له بالمرور.

وقال المصدر إن هذه الوحدة العسكرية تتلقى التعليمات من أحد العسكريين الإماراتيين، ويدعى "أبو أحمد"، وهو مسؤول عن قاعدة الريان شرق المكلا، الذي يقع في نطاقها سجن الريان سيئ الصيت.

وتابع حديثه بأن هذه القوة ليست مسجلة في السجلات الرسمية للحكومة، ولا تعترف بتبعتها لوزارة الدفاع أو الداخلية، فهي قوة ممولة بشكل كلي من الإمارات. 

وهي قوة شبيهة، وفقا للمصدر الدبلوماسي، بشركة أمنية، تعمل بمقابل مادي، حالها كحال "بلاك وتر" أو أي شركة تعمل لأجل الكسب المادي.

وأشار إلى أنه في حال قتل أي فرد من هذه القوة، يدفع لأهله "مبلغ مالي" عبارة عن 30 ألف ريال سعودي، بما يساوي 8 آلاف دولار أمريكي، وهو تعويض نهائي لخدماته، يتم عقب ذلك قطع مرتبه، دون اعتماده في قوائم "القتلى" كما هو الحال لدى الحكومة الشرعية، أو يكون له راتب شهري.

غير أن "أبوظبي" لا تلقي بالا لتعقيدات الدور الذي تمارسه في اليمن، في وقت لا تمانع من تجاهل الاعتراضات من حكومة الرئيس هادي، في حال اكتشفت أن من شأن ذلك إعاقة طموحاتها التوسعية، وهو ما حدث بالضبط في مدينة عدن وجزيرة "سقطرى"، المحطتين السابقتين للتوسع الإماراتي. 

وكان قائد عسكري إماراتي هاجم الرئيس هادي وحكومته، في اجتماع عقد في الأسابيع الماضية مع شخصيات سياسية واجتماعية في محافظة شبوة، وكال اتهامات متنوعة ضدهما.