وجهت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية انتقادات حادة لحالة الحريات العامة في المملكة العربية السعودية، مدللة على ذلك بحملة الاعتقالات "التي طالت عددا من والنشطاء والصحفيين والكتاب من أصحاب الرأي والتأثير الذين سجنوا دون أي تبرير أو تفسير رسمي".
وتاليا نص الترجمة الكاملة للافتتاحية:
تارة أخرى، تشير الأنباء الواردة من المملكة العربية السعودية إلى استمرار هيمنة التفكير القديم وليس إلى التوجه نحو المجتمع الحديث الذي وعد به ولي العهد الجديد محمد بن سلمان. فعلى الرغم من الخطاب الرفيع الذي تضمنه الإعلان عن رؤية 2030 لولي العهد، فلا يبدو أن الرجل يختلف كثيرا عن الجيل السابق من الحكام أصحاب النهج السلطوي. بمعنى آخر، أن المملكة العربية السعودية ما زالت زنزانة لكل من تسول له نفسه ممارسة التعبير الحر عن الرأي، ويبدو أنها مصممة على أن تبقى كذلك.
ولا أدل على ذلك من القمع الذي شمل عددا من رجال الدين والنشطاء والصحفيين والكتاب من أصحاب الرأي والتأثير الذين ألقي القبض عليهم وسجنوا دون أي تبرير أو تفسير رسمي، فيما عدا بيان صدر في الثاني عشر من سبتمبر/ أيلول عن وكالة الأمن الجديدة التابعة للحكومة والتي أسسها في يوليو/ تموز الملك سلمان بن عبد العزيز وردت فيه الإشارة إلى أن الأشخاص الذين اعتقلوا "عملوا ضد أمن المملكة، ومصالحها، ومنهجها، ومقدراتها، وسلمها الاجتماعي؛ بهدف إثارة الفتنة، والمساس باللحمة الوطنية، وأنه قد تم بنجاح إحباط مخططها".
تسعى هذه اللغة المبهمة للبيان إلى إخفاء حقيقة أن العديد من هؤلاء الذين ألقي القبض عليهم كانوا ينشطون من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ويعبرون عن آرائهم بحرية نسبية ولم يكونوا إطلاقا عملاء سريين في مخطط يحاك ضد المملكة.
لا يعرف بالضبط عدد الذين اعتقلوا حتى الآن، وإن كانت بعض التقارير تفيد بأنهم بالعشرات. وحسبما جاء في تقرير لوكالة رويترز، فقد شملت الحملة ثلاثة من علماء الدين الذين يتواجدون خارج دائرة المؤسسة الدينية الرسمية ولديهم عدد ضخم من الأتباع على مواقع التواصل الاجتماعي، وهم:
سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري.
يعرف عن هؤلاء أنهم كانوا في السابق قد انتقدوا الحكومة، ولكنهم التزموا الصمت مؤخرا أو لم يعلنوا عن دعمهم للسياسات
السعودية، ومنها على وجه الخصوص الحصار المفروض على دولة قطر.
تقول منظمة "هيومان رايتس ووتش" إن السلطات السعودية كانت قد سجنت سلمان العودة في الفترة من 1994 إلى 1999، وأنه ما لبث منذ عام 2011 يدعو إلى الديمقراطية وإلى التسامح والانفتاح الاجتماعي. أما عوض القرني، الذي يحظى بمتابعة ما يزيد على مليوني شخص على "تويتر"، فقد منع من التغريد بقرار من إحدى المحاكم في شهر مارس/ آذار، بعد أن أدين بتعريض النظام العام للخطر. وقد أعلن هو بنفسه عن قرار الحظر الذي صدر بحقه من خلال تغريدة عبر "تويتر".
قد تعكس الإجراءات القمعية الأخيرة حالة القلق التي تنتاب المسؤولين السعوديين إزاء تنامي الشعور بعدم الرضا داخليا تجاه الحصار الذي تفرضه المملكة على دولة قطر. وتفيد بعض التقارير بأن أولئك الذين أوقفوا وألقي بهم في السجون ربما لم يقترفوا من الذنوب سوى أنهم لم يتكلموا بصوت مرتفع بما فيه الكفاية دعما للسياسات السعودية الرسمية. وأي أسلوب أنجع في توجيه الرسالة المطلوبة من الرمي بهم في السجن؟ وما لبث أن لحق بهم عدد من الكتاب والنشطاء باتوا الآن محتجزين هم الآخرون خلف القضبان.
ما من شك في أن زعماء السعودية ومؤسستها الدينية المحافظة ما زالوا يعيشون في القرن الماضي، وإلا فكيف نفسر عقوبة الجلد شديدة القسوة التي نفذت بحق المدون رائف بدوي، والذي يقضي حاليا عقوبة في السجن منذ عام 2012، بعد أن أدين بسبب مطالبته من خلال تدوينة له عبر الإنترنيت بمجتمع أكثر حرية وأكثر علمانية؟ كانت عقوبته على ذلك عشرة أعوام سجنا وألف جلدة نال منها خمسين لا لسبب سوى أنه صدع برأيه. وكيف نفسر الدعوة الأخيرة التي وجهتها السلطات السعودية إلى الجمهور لاستخدام تطبيق على الهاتف النقال للإبلاغ عن أي شخص قد يعتبر مخربا؟ ربما كانت تلك هي الطريقة التي كان ستالين سيلجأ إليها من خلال "تويتر" لو كان موجودا في زمنه.
إن من السهل نشر خطط للإصلاح تثير الإعجاب كما فعل ولي العهد، إلا أن بناء مجتمع معاصر وصحي أصعب بكثير. فهذا يتطلب، ضمن أمور أخرى كثيرة، إجراءات تضمن الحقوق الأساسية للمواطنين، بما في ذلك حرية أن يعبر من تختلف معهم عن آرائهم.