يتكرس دور التحالف العربي أو ما بقي منه، كمشكلة عميقة في اليمن مثلها مثل الانقلاب، حيث يبدو أكثر من أي وقت مضى طرفا محملا بأجندة مستفزة للشعب اليمني.
ويبرز دور الامارات في إطار هذا التحالف باعتباره التحدي الأكثر خطرا على حاضر ومستقبل اليمن. فهذا البلد يمضي قدما في اقتضام المحافظات الجنوبية، ومنع الحكومة من تأسيس نموذج للإدارة والتنمية في مرحلة ما بعد دحر الانقلابيين، في مقابل النموذج شديد السوء الذي كرسه الانقلابيون في معظم المحافظات الشمالية.
هناك قائمة طويلة من المسؤولين اليمنيين الممنوعين من العودة إلى الوطن. وبالتحديد إلى العاصمة السياسية المؤقتة عدن.
ويتصدر الرئيس عبدربه منصور هادي هذه القائمة، علما بأن هذا الرئيس هو الذي استدعى التحالف أو على الأقل تحمل وزر هذا الاستدعاء، خصوصا بعد أن تحول التحالف إلى كارثة متعددة الأبعاد.
حتى كتابة هذا المقال يبدو الرئيس هادي واثقا من عودته إلى عدن في ختام زيارة له إلى نيويورك، بعد أن تلقى تحفيزا على هذه الخطوة من الملك سلمان أثناء لقاء الرجلين الأخير في مدينة طنجية المغربية.
وبحسب مصادر رئاسية فإن العاهل السعودي بدا مستغربا من عدم عودة هادي إلى عدن، على نحو يعبر عن مشاكل حقيقية في هيكلية القرار السعودي تجاه الأزمة والحرب في البلد اللصيق بالمملكة، على الرغم من تداعياتهما الخطيرة على المملكة نفسها.
لكن ليس هناك من مبرر للثقة التي يظهرها هادي بشأن عودته إلى بلاده وإلى عدن تحديدا، في ظل استمرار الفيتو الإماراتي على عودة وزراء وقادة لا ترضى عنهم أبو ظبي.
قد لا تكون الرياض بهذا القدر من التشدد بشأن الفيتو المفروض على عودة المسؤولين في الشرعية إلى الوطن ولكنها تشاطر أبو ظبي في جانب من الترتيبات بشأن مستقبل اليمن، الذي يبدو أنه مرتهن لأجندة هذين البلدين الأكثر عداء تجاه ثورات الربيع العربي. وحواملها السياسية، وتظهر حساسية مفرطة تجاه الديمقراطية والتعددية، وضد الصيغ التي تنقل القرار السياسي إلى الشعوب.
ويكفي أن الرياض حاولت منع أحد الوزراء من التوجه إلى تركيا، دون أن تبدي سببا واضحا لهذا السلوك.
علما بأن هذا الوزير ممنوع من العودة إلى عدن.
وهي التي استدعت محافظ عدن الجديد عبد العزيز المفلحي إلى الرياض بعد كلمة حق قالها ونصيحة أسداها للتحالف، حينما أدرك أن الذي يعيق مهمته هو التحالف وليس أي طرف آخر، وهو أمر يتم أحيانا عبر الأدوات التي يدخلها التحالف في المناطق المحررة، مثل الحراك الجنوبي الانفصالي.
هذا يعني أن الرياض وأبو ظبي، قد تحولتا إلى أكثر أطراف الصراع رغبة في التنصل من الإطار الشامل للحل السياسي، بما يشتمل عليه من مرجعيات مجمع عليها من اليمنيين والمجتمع الدولي.
في الحقيقة هناك توقعات سيئة بشأن المستقبل الذي ينتظر اليمنيين، بعد أن وضعت الأقدار بلادهم رهن إرادة دول تتسلح بالمكر والخداع في التعاطي مع خياراتهم، ولكنها في الوقت نفسه ترتكب أخطاء فادحة ناتجة عن استمرار المستوى نفسه من العداء الأيديولوجي تجاه الإسلاميين الذين يجري إظهارهم كطرف لا يجب أن يستفيد من نتائج الحرب.
وهذا بحد ذاته يظهر إلى أي مدى يجري الاستهتار بالشعب اليمني، واستغلال فقره ومخاوفه وتناقضاته، في التورط بترتيبات شديدة السوء لليمن.
لكن لا يستطيع أحد أن يدعي أن أبو ظبي والرياض محصنتان من النتائج الكارثية المُحتملة لإخفاقهما في إدارة الأزمة والحرب في اليمن.
فالطيران الحربي تحول من أداة حاسمةً وضامنة للتفوق والنصر، إلى عبء حقيقي، لأن معظم الطلعات الجوية تتوخى أهدافا غير مفهومة أو تطارد الأشباح وتتسبب في سقوط عشرات المدنيين الأبرياء، فيما يجري تجاهل التجمعات العسكرية المعلومة للانقلابيين.
والتخلي عن الجبهات التي تشهد جمودا منذ أكثر من عام، الأمر الذي خلف إحباطا لا يمكن احتماله من جانب الجيش الوطني وشباب المقاومة.
وفيما يبالغ الانقلابيون في إظهار شعبيتهم بصنعاء يظهر التحالف لمعظم اليمنيين كطرف غير موثوق، وهذه وحدها تكفي للبرهنة على أن التحالف فشل في مهمته، وليست لديه حلول سحرية لتجاوز عثراته في اليمن، وربما لاحتواء التداعيات الخطيرة لمهمته العرجاء في هذا البلد.