أعلنت غالبية الدول في الشرق الأوسط والعالم رفضها أو تحفظها على استفتاء إقليم
كردستان على الانفصال عن
العراق، بما في ذلك الحكومة المركزية في بغداد وتركيا وإيران وأمريكا، إضافة إلى الأمم المتحدة.
ولم تعلن أي دولة في الشرق الأوسط تأييدها صراحة للاستفتاء أو قيام دولة كردية، باستثناء دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي أكد رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، في الثالث عشر من تشرين أول/ سبتمبر الجاري، دعم حكومته "لجهود الشعب الكردي المشروعة لقيام دولته".
وعلى الصعيد العربي، فقد أعلنت عدد من الدول رفضها الصريح للاستفتاء، وفي مقدمتها سوريا التي توافقت مع الموقف الإيراني والعراقي الرافض لقرار أربيل الأحادي، كما أكد الأردن على إيمانه بوحدة العراق، فيما طالبت
السعودية بوقف الاستفتاء والتوجه للحوار؛ "لتحقيق مصالح كافة مكونات الشعب العراقي".
أما الموقف
الإماراتي، فقد تجنب ذكر الاستفتاء بشكل مباشر، فيما علق وزير الدولة للشؤون الخارجية بشكل ضمني بتأكيده على أن الفيدرالية هي الحل، معتبرا أن النموذج الإماراتي دليل على نجاح الفيدراليات في المنطقة.
مواقف سعودية إماراتية غير رسمية مشجعة للانفصال
على الرغم من الموقف الرسمي السعودي، الذي دعا لوقف الاستفتاء، وموقف الإمارات الداعي للفيدرالية، إلا أن مواقف غير رسمية صدرت من شخصيات مقربة من دوائر القرار السعودي والإماراتي تأييدا لانفصال كردستان عن العراق.
وفي هذا الإطار، أعاد نشطاء وإعلاميون نشر
فيديو يتحدث فيه اللواء السعودي المتقاعد، أنور عشقي، عن تأييده لقيام دولة كردية؛ بهدف وقف ما أسماه "محاولات التمدد الإيراني العراقي التركي". ويرجع حديث عشقي إلى عام 2015، حيث شارك في ندوة أقامها مركز دراسات يدعى "مجلس العلاقات الدولية" في واشنطن،
وشارك مع عشقي في الندوة سفير تل أبيب السابق إلى الأمم المتحدة دوري غولد، ولا يمتلك عشقي منصبا رسميا في السعودية. ونفى في
تصريحات سابقة أن يكون ممثلا للحكومة السعودية، ولكن وسائل إعلامية أكدت أن اللواء المتقاعد غالبا حصل على موافقة الحكومة السعودية في تحركاته السياسية، خصوصا تلك المرتبطة بالعلاقة مع تل أبيب. ويرأس عشقي معهد دراسات الشرق الأوسط في جدة. وفي ظل السيطرة الحكومية على الإعلام ومراكز البحث، لا يتوقع أن يتمتع مركز عشقي وتحركاته السياسية باستقلالية كاملة، بل يمكن اعتباره ممثلا غير رسمي لها.
وكانت
وسائل إعلامية نقلت عن مستشار الديوان الملكي السعودي، محمد بن عبد العزيز الربيعة، قوله في آذار الماضي إن بلاده تدعم استقلال كردستان العراق، مشيرا إلى أن أكراد سوريا والعراق ساهموا بشكل فعال بمكافحة الإرهاب.
يذكر أن مواقع التواصل الاجتماعي شهدت في حزيران الماضي عاصفة من التغريدات السعودية المؤيدة للأكراد، حيث أطلق نشطاء سعوديون هاشتاغا باللغة الإنجليزية "
#SaudiForKurdistan" (
سعودي لأجل كردستان)، وهو ما اعتبر في حينه ردا على دعم تركيا لقطر في الأزمة المشتعلة بينها وبين دول الحصار.
أما في الجانب الإماراتي، فيبدو الدعم شبه الرسمي أكثر وضوحا، وأكثر من مجرد تصريحات. ولعل أهم
التصريحات هي تلك التي أطلقها عبد الخالق عبد الله، الأكاديمي الإماراتي المقرب من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، حيث أكد في عدة تغريدات على تأييده للاستفتاء و"حق الشعب الكردي بتقرير المصير"، كما نشر خارطة قال إنها تمثل خارطة دولة كردستان التي ستقوم خلال سنوات بعدد سكان يصل إلى ثلاثين مليونا، مطالبا أردوغان بعدم معاقبة الاستفتاء، باعتباره "إجراء ديمقراطيا".
وكان مسؤول عراقي اتهم الإمارات في حديث لصحيفة "
العربي الجديد" بتأييد انفصال كردستان عن العراق، مدللا على ذلك "بتوقيع أربيل مذكرة تفاهم مع رئيس مركز الإمارات للسياسات ابتسام الكتبي، للمساعدة في تنظيم عملية استفتاء الانفصال"، حسب قوله. فيما نفت الإمارات ما نشرته وسائل إعلامية عن حضور قنصلها في أربيل للاستفتاء وزيارة بعض مراكز الاقتراع.
كيف يمكن فهم المواقف السعودية الإماراتية تجاه كردستان؟
يشير عدد من التحليلات إلى أن السبب الرئيس في تغير موقف السعودية تجاه كردستان هو الرغبة بمعاقبة تركيا على موقفها الداعم لقطر في الأزمة الخليجية، وقال موقع "
أكتيفيست بوست" إن هناك إشارات لتعاون سعودي كردي للرد على الموقف التركي، فيما نقل موقع
"آراء نيوز" الناطق بالإنجليزية عن مسؤولين أكراد سوريين استعدادهم، بالمقابل، للتعاون مع الرياض؛ للرد على أنقرة، بعد دعمها للدوحة.
وبهذا المعنى، تشير صحيفة
هآرتس الإسرائيلية، في تحليل لها نشر بعيد اندلاع أزمة حصار
قطر في حزيران الماضي، إلى أن "الاستفتاء في كردستان" أصبح سلاحا سعوديا لمواجهة تركيا، حسب قولها.
وبحسب التصريح المشار إليه سابقا للواء أنور عشقي، فإن دائرة "الاستثمار" السعودي "لاستقلال كردستان" يمكن أن تتسع لمنع "تمدد تركيا وإيران والعراق"، وهو أمر يبدو مفهوما في سياق السياسة السعودية في ظل خلاف الرياض مع العواصم الثلاث.
وينطبق هذا التفسير أيضا على موقف الإمارات، التي تتفق مع السعودية في خلافها الحاد مع أنقرة وإيران.
ولكن الإمارات تمتلك أسبابا اقتصادية أيضا لدعم إقليم كردستان، حيث تعمل على تعزيز العلاقات التجارية مع الإقليم. ويبدو أن الإمارات تسعى لسحب البساط من تركيا في مجال التعاون الاقتصادي مع كردستان، حيث يعتبر
الإقليم حاليا المستورد الثالث من تركيا بعد ألمانيا وبريطانيا.
وبلغ التبادل التجاري السنوي بين أنقرة وأربيل في العام 2013 على سبيل المثال حوالي 8 مليارات دولار، وهو حجم كبير يمكن للدول الداعمة لانفصال الإقليم أن تسحب منه مقابل هذا الدعم.
ولا يعدّ الاهتمام الإماراتي بالتبادل التجاري مع إقليم كردستان العراق جديدا، فقد أعلن حاكم دبي الأمير محمد بن راشد في تصريحات لموقع
راداوو الكردي في شباط/ فبراير 2015 أن بلاده تمتلك قواسم ورؤية مشتركة للتحديات القادمة، وأنها تسعى لتعزيز التعاون في مجالي الطاقة والسياحة.
وعلى الرغم من أن تحقيق تعاون اقتصادي بين الإمارات وكردستان في حال انفصالها عن العراق سيواجه بعوائق لوجستية؛ بسبب قرار بغداد بالسيطرة على المطارات والمنافذ، وبسبب عدم وجود ممرات بحرية لكردستان، إلا أن خبيرا استراتيجيا عربيا قال لـ"عربي21" إن مثل هذا التعاون والاستثمار الإماراتي يمكن أن يصبح واقعا إذا حصل أكراد سوريا على استقلال أو حكم فيدرالي كجزء من تسوية الأزمة السورية.
مخاطر محتملة
يمكن قراءة المواقف السعودية والإماراتية شبه الرسمية الداعمة لانفصال كردستان عن العراق باعتبارها قائمة على "حسابات تكتيكية مرحلية"، بحسب الخبير العربي الذي طلب من "
عربي21" عدم الكشف عن هويته، فيما يمكن أن تمثل "مخاطر محتملة على المدى الاستراتيجي البعيد"، حسب قوله.
ويرى الخبير العربي أن الخطر الأساسي هو في فتح باب الانقسامات على "أوسع أبوابه في المنطقة العربية"، حيث إن لكل دولة مشكلاتها الخاصة مع الأقليات، بما فيها الدول التي لا تبدي معارضة حقيقية لانفصال كردستان.
فالسعودية بحسب الخبير تعاني من مشكلة الأقليات في المنطقة الشرقية، وقد تستخدم ورقة دعم الأقليات ضدها.
وعلى الجانب الإماراتي فقد قالت المعارضة السعودية مضاوي الرشيد إن الحماس الإماراتي لاستقلال الإقليم الكردستاني يجب أن يرافقه حماس لـ"الأكثرية" الهندية في الإمارات.
وطالبت الإماراتين بعمل إمارة ثامنة هندية في البلاد تكون كيانا مستقلا لتجارة الذهب على سبيل المثال، إن كانوا متحمسين كثيرا لدعم الإقليات رغم أن الهنود أكثرية هناك، بحسب تعبيرها.
ويخشى
خبراء في الشرق الأوسط من أن الخطوة الكردية قد "تلهم" الأقليات الأخرى في العالم العربي للسعي للاستقلال عن دولها المركزية.
وإضافة لعامل "الإلهام"، فإن من المعروف أن إسرائيل هي الدولة الرئيسية الداعمة للانقسامات في المنطقة العربية، ما يعني أن تغاضي بعض الدول العربية عن انفصال كردستان قد يمثل خطرا استراتيجيا عليها في المستقبل؛ إذ إن دولة الاحتلال تسعى بشكل دائم للعب بورقة الأقليات، وتعدّ
إقامة علاقات مميزة معها جزءا مهما في سياستها.
كما أن تل أبيب ترى أن دعم الأقليات وتغذية نزعاتها الانفصالية سيؤدي في النهاية إلى إضعاف الدول العربية، والحفاظ على التفوق الاستراتيجي الإسرائيلي، وهو خطر لا يمكن أن تسلم منه أي دولة عربية مهما كان موقفها من الصراعات القائمة الآن في المنطقة.