نشرت مجلة "بوليتكو" مقالا للكاتب بيل شير، يقول فيه إن جورج
بوش الابن، بعد وقوع أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، ولم يكن مر على حرب العراق عام، وصف نفسه بأنه "رئيس حرب"، وبأنه يتخذ "قرارات في المكتب البيضاوي في مسائل سياسية والحرب على باله".
ويستدرك الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن "دونالد
ترامب رئيس حرب من نوع آخر: رئيس حرب ثقافية، وكما نشرت (نيويورك تايمز) هذا الأسبوع، فإن (الرئيس ومستشاريه الكبار يعترفون بأنه يخوض حربا ثقافية، بالنيابة عن قاعدته الشعبية من العمال البيض ضد النخبة من الساحل، ويعتقد أن الحرب فرضت عليه من الرئيس السابق باراك
أوباما والديمقراطيين، وهو مصر أن ينتصر)".
ويتساءل شير قائلا: "لكن من هو المنتصر في هذه الحرب؟ إن ترامب يغذي قاعدته التي تعيش بهدف منع أي تقدم ليبرالي جديد، لكنه يحرم الباقي كلهم، والديمقراطيون يفكرون طيلة الوقت كيف يمكن لهم أن يستعيدوا مئات المقاعد التي خسروها في أنحاء البلاد، وأن يستعيدوا تأييد العمال البيض، لكنهم يجرون باستمرار إلى حروب ثقافية تثير قاعدتهم، لكنها قد تبعد المصوتين، والنتيجة طريق مسدود، كلنا خسرنا هذه المعركة".
ويقول الكاتب: "عندما ينظر لهذه الحرب من منظور انتخابي ضيق، فإن الحرب الثقافية لا تخدم الأهداف السياسية لأي من الحزبين، وحروبنا التي لا تنتهي، بخصوص العرق والإجهاض والأسلحة النارية والميول الجنسية، والآن كرة القدم، تجعل من الصعب على أي من الحزبين تشكيل تحالف للحكم".
ويضيف شير: "قد يكون ترامب هو المعتدي، لكن المؤيدين من الحزبين يطالبون بخوض هذه المعركة الثقافية، بغض النظر عن النتائج، وهذا يجعل قيادات الحزب الديمقراطي تحاول كسب الناخب الأبيض غير الجامعي، للبقاء مخلصا لمبادئه بخصوص التعدد الثقافي، وهو يترك أيضا الحزب الجمهوري، كثير منهم لم يطلبوا أن يقودهم ترامب، بل إنهم خجلون من مستوى ناخبيهم، لكنهم مستسلمون لقيادة حزب قائم على مظالم البيض في بلد متعدد الأعراق".
ويتساءل الكاتب: "فكيف ستنتهي هذه الحرب؟ مثل غزو بوش للعراق، فإن حرب بوش الثقافية هي اختياره، وهي جهد فاشل تم إطلاقه بعد أن فشل صراع سابق، وكان المرشح الجمهوري في انتخابات 1992، قال أمام مؤتمر الجمهوريين إنه يعلن (حربا ثقافية) أهميتها للشعب لا تقل عن أهمية الحرب الباردة ذاتها، التي كانت تقوي الجبهة الداخلية، وانتقد في خطابه مساواة المثليين ببقية المواطنين، ودفع المرأة لتشارك في القتال، كما دعا لمنح البلدات الصغيرة والمجتمعات الحق في منع تداول المواد الإباحية".
ويفيد شير بأن "الجمهوريين لم يعارضوا القانون الذي أعطى المثليين حقوق المتزوجين عند التصويت عليه، بالإضافة إلى أن ترامب أيد أوباما في سياسة استخدام النساء في وظائف قتالية، أما الصور والأفلام الإباحية، فقد مثل الرئيس الجمهوري في واحد من تلك الأفلام".
ويبين الكاتب أنه "مع ذلك، فإن ترامب تعهد بالقيام بحرب ثقافية أقل اهتماما بالعرق والجنس، وبدأ حملته باستخدام الصور النمطية المتعلقة بالمهاجرين، وتردد في انتقاد رئيس منظمة (KKK) السابق ديفيد ديوك، ومع أنه يتملق للمحافظين المتدينين، إلا أن ذلك ليس مبدئيا، فقبل عام من إلغاء توصية أوباما بخصوص استخدام المتحولين جنسيا لحمامات الرجال أو النساء، كان قد أيدها".
ويلفت شير إلى أن الصحفي ديفيد بروكس كتب في صحيفة "نيويورك تايمز": "انتخب (ترامب) لطحن الثقافة الأمريكية السائدة، ويعطي صوتا لمن شعروا بأنهم لا صوت لهم"، ويعلق قائلا: "نفهم الأسباب الاقتصادية التي جعلت المصوتين البيض غير الجامعيين يشعرون بأنهم لا صوت لهم، لكن ليس من السهل فصل ذلك عن العوامل الثقافية الأخرى، كما تثبت أي من التجمعات الانتخابية لترامب".
ويقول الكاتب إن "كونه انتخب لشن حرب ثقافية، يعفيه من الكثير في واشنطن، وأكبر إنجازاته إلى الآن هو صفقة تمويل بين الحزبين لإبقاء الحكومة تعمل، ولا يفعل ترامب شيئا للاقتصاد، لكن ينسب الفضل لنفسه بخصوص ما تسلمه من وضع اقتصادي جيد".
ويجد شير أن "سياسته الخارجية، عدا عدد من صواريخ الكروز التي أطلقها على سوريا، لم تتعد الكلام، وسياسته تجاه كوريا الشمالية لا تزيد على أداة تقليدية هي المقاطعة الاقتصادية، ويهدد بإلغاء الاتفاقية مع إيران من جانب واحد، لكنه في الوقع ذاته يجس نبض إيران لمزيد من المفاوضات، وادعى أنه انسحب من اتفاقية المناخ في باريس، لكنه يبحث عن طريقة تبقي له ماء وجهه للبقاء".
ويستدرك الكاتب قائلا بأنه "في الحرب الثقافية، فإن الرئيس فارس مغوار، فالرجل يحول التجمعات الانتخابية إلى سلاح وتغريدات (تويتر) إلى قنابل، وتشبيهه العنصري لسلفه باراك أوباما بخسوف القمر، وحديثه عن (الأشخاص الجيدين) من النازيين الجدد.. والرياضيين السود الذين يجب طردهم؛ لأنهم احتجوا ضد العنصرية خلال مباراة".
ويرى شير أن "هذا لم يحقق له شيئا، فنتيجة لهذا الحد الأدنى من السياسة والأقصى من الصراع، حافظ أوباما على دعم أغلبية مكون ديمغرافي واحد، هم الرجال البيض غير المتعلمين، لكن من الواضح أن ذلك يرضيه، فمجرد إظهار اليسار الذي يؤيد التعدد الثقافي ضعيفا، يكفي لشعور ترامب ومؤيديه بأنهم حققوا أهدافهم".
ويخلص الكاتب إلى القول: "كون ترامب اختار أن يكون عامل انقسام، بدلا من أن يكون عامل توحيد، يوفر للديمقراطيين مدخلا جيدا لتجميع أصوات الأغلبية خلفهم".