تصل حكومة السيسي الليل بالنهار؛ لحصر الأموال التي يقال إنها لعناصر في جماعة
الإخوان المسلمين، أو من يشتبه في دعمهم، أو حتى تأييده لها، بهدف التحفظ عليها.
وتستمر هذه السياسة منذ انقلاب تموز/ يوليو 2013، بعد استصدار قوانين وأحكام قضائية توصف بأنها "مسيسة"، وتحريات أمنية تقول قيادات بالجماعة، بل ومصادر مقربة من لجنة مصادرة وإدارة أموال الجماعة، إنها "ملفقة".
وألغت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة، أحد الأعمدة الثلاثة للقضاء
المصري، قرارات التحفظ على تلك الأموال، إلا أن نظام السيسي لجأ إلى تحصين تلك القرارات من الطعن عليها ضد القضاء الإداري، بإدرج أصحابها على ما يسمى بقوائم الكيانات
الإرهابية.
وفي كانون الثاني/ يناير الماضي، أدرجت محكمة جنايات القاهرة أسماء المتحفظ على أموالهم من قبل لجنة التحفظ وإدارة أموال جماعة الإخوان على قوائم الكيانات الإرهابية، وبناء عليه أُعيد تشكيل اللجنة وفقا لقانون الكيانات الإرهابية لتحصينها من الإلغاء من قبل القضاء الإداري.
كيف يتخذ قرار التحفظ؟
وأكد مصدر مقرب من لجنة حصر وإدارة أموال جماعة الإخوان، لـ"
عربي21"، أن "عمل اللجنة مبني على تحريات الأمن الوطني (أمن الدولة سابقا)، ولا دخل لأي جهة في ضم أي شخص أو كيان في قوائم اللجنة سواه".
وأضاف المصدر، الذي تحفظ على ذكر اسمه، أن "الأمن الوطني يوسع الاشتباه في تحرياته، تصل إلى درجة اتهام أصحاب محلات أو صيدليات أو مطاعم؛ بالانضمام أو دعم أو تأييد جماعة الإخوان المسلمين، ومن ثم إدراجهم على قوائم لجنة حصر أموال الإخوان والتحفظ على أموالهم".
وكشف المصدر أن "هناك بلاغات كيدية يتم تقديمها كمعلومات مؤكدة للجنة ضد أشخاص وشركات غير مرتبطين بالإخوان من قريب أو بعيد، فقط لمجرد الانتقام، أو ضمن عمليات ابتزاز من بعض ضباط الأمن الوطني"، بحسب المصدر ذاته.
ويقدر الإعلام الموالي للانقلاب؛ حجم الممتلكات والأصول التي تم التحفظ عليها بنحو 50 مليار جنيه. فمنذ بدء عمل اللجنة المشكلة بحكم محكمة الأمور المستعجلة، في أيلول/ سبتمبر 2013، تم التحفظ على أموال وممتلكات نحو 3650 شخصا، وأكثر من 1200 جمعية أهلية، و123 مدرسة، و780 شركة ومحلا تجاريا، و130 مستشفى ومستوصفا.
مصير أموال الإخوان
وفيما يتعلق بوضع أموال وأملاك هؤلاء الأشخاص والشركات، يقول الخبير القانوني وأستاذ القانون بكلية الحقوق، حسن شنشن، إن "أي أموال يتم التحفظ عليها لا تؤول ملكيتها للدولة بالمصادرة مباشرة"، موضحا لـ"
عربي21" أنه "لا بد من حكم قضائي نهائي وبات من محكمة النقض، يعني أن يكون هذا الحكم قد استنفد جميع طرق الطعن عليه".
وتقوم اللجنة بتعيين لجنة خاصة لإدارة كل تلك الممتلكات المتحفظ عليها، حتى يستمر نشاطها. وفي هذا الصدد، أكد الخبير القانوني أن "ريع الأموال المتحفظ عليها حكمها حكم الأموال ذاتها؛ فهي أموال موقوفة لا يستطيع (صاحبها) الاستفادة منها إلا بعد إنهاء التحفظ بقرار إداري أو بحكم قضائي نهائي".
قرارات التحفظ "مشبوهة"
من جهته، وصف القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، أشرف عبد الغفار، قرارات التحفظ وإدارة الجماعة مصادرة بـ"السلوك المعيب".
وقال لـ"
عربي21": "التحفظ على أموال وشركات الإخوان سلوك معيب؛ لأنه إجراء سياسي وليس قانونيا".
وتساءل: "هل الشخص صاحب المال أو الشركات مصري أم لا؟ مصادر هذا المال معروفه أم لا؟ هل يتبع نظاما محاسبيا أم لا؟ لا بد أن تكون هناك معايير للتحفظ على الشركات أو المصانع".
وأضاف: "الأموال المسروقه، والتي أخذت بغير حق، هي فقط التي تصادر، ولكنك في نظام عصابي مثل نظام عبد الناصر الذي صادر أموال الناس ووضعهم وأموالهم تحت الحراسة، ومن ثم نقل ملكيتها لأفراد عصابته وليس لخزينة الدولة". واستدرك قائلا: "هذا طبعا ما يحدث من عصابة اليوم".
وتابع ساخرا: "ثم تتحدث عن العدالة، فأين هي؟ ثم تتحدث عن جذب الاستثمار، فكيف يكون؟ إن أول وسائل جذب الاستثمار هو الاستقرار السياسي والمالي ووجود قوانين تضبط الملكية، ولكن نحن كالعادة في جمهورية الموز"، على حد وصفه.
رهن أموال المصريين
بدوره، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة، المنبثق عن جماعة الإخوان المسلمين، عبد الموجود الدرديري: "هذه تصرفات قطاع طرق وليس رجال دولة. فعصابة الانقلاب بعد أن استولت على إرادة الشعب باختطاف أول رئيس منتخب، ومن ثم اختطاف حرية أكثر من 60 ألف مصري، وأزهقت أرواح الآلاف ها هي، بعقلية العصابة، تستولي على أموال الأبرياء"، بحسب تعبيره.
وحذر الدرديري من اتساع دائرة التحفظ على أموال المصريين، قائلا: "نظام الانقلاب الذي تُرك يعبث بأموال الإخوان الآن؛ سيعبث بلا شك بأموال القوميين والليبراليين واليساريين لاحقا".
ورأى أن "قصة هتلر في ألمانيا قبل عقود تتكرر في مصر الآن، وعندما سكت الجميع دمر هتلر نفسه وألمانيا في نفس الوقت"، مضيفا: "التاريخ لا يرحم، ويجب أن لا يفرح أو يسكت أي طرف على ما يحدث للإخوان الآن؛ لأن ماكينة الظلم لن تفرق"، كما قال.