تساءل الباحث في مؤسسة راند وفي المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب كولين كلارك، في مقال نشرته دورية "فورين أفيرز" عما إذا كان السلفيون في
غزة، الذين تزايدت قوتهم في السنوات الماضية، سيقومون بالتخريب على المصالحة بين حركتي
فتح وحماس.
ويتساءل الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، عن الخيارات المفتوحة أمام الطرفين، وموقف
إسرائيل، التي تنظر للسلفية الجهادية والجماعات العابرة للحدود، على أنه خطر يهدد وجودها أكثر من الأعداء التقليديين الذين قاتلتهم منذ نشوئها، أي الدول العربية.
ويقول كلارك إن هناك إمكانية بأن تقوم هذه الجماعات بجر حركة
حماس إلى مواجهة مع إسرائيل، مشيرا إلى العملية التي نفذها في آب/ أغسطس متعاطف سلفي مع تنظيم الدولة عند معبر رفح، وقتل فيها أحد رجال الأمن في غزة، وجرح عددا آخر.
وينظر الباحث إلى الحادث على أنه تطور ليس معزولا، ويمثل جماعة عنف في القطاع الذي يعيش فيه أكثر من 1.8 مليون نسمة، ويقارب الكاتب هنا بين التحول نحو الراديكالية وظهور الحركة
السلفية، ويرى أنها ظاهرة جديدة تهدد التوازن المؤقت في منطقة الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن ظهور تيار سلفي في غزة يدعو للقلق.
ويشير كلارك إلى أن حركة حماس، التي سيطرت على غزة منذ عام 2007، وتجمع في أيديولوجيتها الوطنية الفلسطينية والإسلام السياسي، تواجه منافسا متطرفا يدعو لتدمير إسرائيل، وشن حرب على الجماعات الفلسطينية المعتدلة.
ويقول الكاتب إن "السلفية، وللمفارقة، بدأت تبني جذورها في غزة في أثناء السبعينيات من القرن الماضي، عندما عاد الذين درسوا في الجامعات السعودية إلى القطاع، وبحسب الصحفي جاريد ماسلين، فإن جماعات سلفية لا تزال تحصل على الدعم من الرياض اليوم، وأهم الجماعات الناشطة في غزة هي (جند أنصار الله) و(جيش الإسلام) و(جيش الأمة) و(التوحيد والجهاد)، ولم تكن هذه الجماعات تمثل قوة في السياسة الفلسطينية، إلا أن الوضع تغير في السنوات الماضية، وحصل السلفيون على قوة في أثناء الفراغ الذي نشأ بسبب النزاع الداخلي بين حركتي فتح وحماس عام 2007، وفي عام 2009 أعلن زعيم (جند أنصار الله) عبد اللطيف موسى عن إمارة في رفح، وقامت حركة حماس التي تسيطر على غزة بمواجهته وقتله".
ويلفت كلارك إلى أن صعود تنظيم الدولة أدى إلى تقوية الجماعات السلفية، مشيرا إلى التشابه بين البيانات الإعلامية التي نشرتها هذه الجماعات، ودعاية تنظيم الدولة الصادرة عن جناحه الإعلامي.
ويقول الكاتب إن "إعلان التنظيم عن (الخلافة) أحيا نشاطات الجماعات السلفية في غزة، حيث نجح تنظيم الدولة في تجنيد آلاف من المقاتلين الأجانب الذين تدفقوا نحو معاقله في سوريا والعراق، ورغم ما حل من دمار عليه خلال الأشهر الستة الماضية، إلا أن إحياء الخلافة ممكن وواجب ديني في الوقت ذاته".
ويرى كلارك توازيا بين توسع تنظيم الدولة عام 2014 في كل من العراق وسوريا وتمدد الجماعات السلفية في غزة، باعتبارها الأكثر تشددا، حيث شددت من خطابها المعادي لحركة حماس، ووصفت الحركة بالكافرة؛ بسبب مشاركتها في الانتخابات عام 2006، حيث تعارض الجماعات السلفية المشاركة في الانتخابات؛ لأن الحاكمية هي لله لا البشر، ولهذا قامت الجماعات السلفية بإغلاق محلات الفيديو ومقاهي الإنترنت وغيرها من المحلات التي اعتبرت غير إسلامية.
وينوه الكاتب إلى أن "الجماعات السلفية انتقدت قبول حركة حماس وقف إطلاق النار مع إسرائيل، متهمة إياها بالتعاون مع الكيان الصهيوني، وهي التي كانت تقود العمليات الانتحارية ضده، بل زادت من خطابها المعادي، حيث وصفت جماعة تطلق على نفسها كتيبة جنود التوحيد، حركة حماس بالمنحرفة والمحتالة، وقالت إنها (لن تتوقف عن ملاحقة رموز حركة حماس) و(تكسير عظامهم وتطهير أرض غزة الطاهرة من انحرافهم)، وفي محاولة لتخريب اتفاق وقف إطلاق النار قام أتباع هذه الحركات بشن هجمات صاروخية متقطعة لتستفز إسرائيل للرد".
ويفيد كلارك بأن حركة حماس ردت بحملة ضد الجماعات السلفية، وسجنت عددا منهم، وتحول التوتر لمواجهات عسكرية، هدد فيها السلفيون بإطلاق صواريخ في تحد واضح لحركة حماس، حيث تقوم هذه الجماعات بتحدي حركة حماس؛ باعتبارها الحركة الإسلامية الحقيقية، بشكل قد يدفع حركة حماس لتبني موقف متشدد، مستدركا بأن الحركة خسرت عددا من قادتها العسكريين ممن تبنوا موقفا متشددا من إسرائيل.
ويتحدث الكاتب عن موقف إسرائيل قائلا إنها "تخشى من السلفيين أكثر من حركة حماس، خاصة أن هذه الجماعات تعد كيانات وليست دولا، ورغم عدم استهداف تنظيم القاعدة إسرائيل بهجمات، إلا أن وجود جماعة منظمة في سيناء على الحدود مع مصر يمثل تحديا أمنيا لتل أبيب، وفي سيناء تخوض القوات المصرية حربا ضد جماعات مسلحة منذ عدة سنوات، في حرب لم تثمر بعد، وقام الجهاديون باستهداف طائرة روسية عام 2015، قتل 224 راكبا كانوا على متنها، وفي الشهر ذاته الذي دمرت فيه الطائرة الروسية أصدر التنظيم شريط فيديو باللغة العبرية هدد فيه (ألا يبقى يهودي واحد في القدس)"
ويقول كلارك إن "إسرائيل لا تفرق بين هجمات تنفذها الجماعات السلفية وجركة حماس؛ لأن الأخيرة في نظر إسرائيل تعد الحاكم الفعلي للقطاع، والمسؤولة عن الأمن والهجمات النابعة من غزة، وهذا يعني أن هجوما من هناك قد يدفع إسرائيل للانتقام الذي يستهدف بنى حركة حماس والبيوت".
ويجد الباحث أن "معاقبة حركة حماس على أفعال الآخرين قد يكون خطأ؛ لأنه قد يؤدي إلى كسر الهدوء النسبي الذي ساد القطاع خلال الأعوام الماضية".
ويرى كلارك أن الطريقة التي سيتم فيها التقليل من أثر السلفيين هي بتجفيف المنابع التي يستفيدون منها للتجنيد، حيث ولد الجيل الحالي في غزة عبر سلسلة من الحروب مع إسرائيل، فيما تستشري فيه البطالة، حيث يطلق على الجيل الجديد الذي عاش في ظل حركة حماس "جيل حماس".
ويبين الكاتب أنه "إذا استمر الاقتصاد على حاله، والحصار الذي تفرضه مصر وإسرائيل، فإن هذا الجيل سيصبح (جيل السلفية)، تماما مثلما تفوقت حركة حماس على حركة فتح في الثمانينيات من القرن الماضي، من ناحية التهديد على الجماعات الفلسطينية الأخرى وإسرائيل".
ويخلص كلارك إلى القول إن "الجماعات السلفية قد تتفوق أكثر على حركة حماس، بشكل يترك أثرا كارثيا، ويؤدي إلى القضاء على فرصة أخرى للتقدم في أطول نزاع في العالم".