نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا لمراسلها سايمون كير، عن الهزات التي تركتها أزمة
قطر على النظام المصرفي في
الخليج.
ويقول الكاتب إنه في الوقت الذي كانت تعيش فيه منطقة شمال أفريقيا والمشرق العربي ثورات وحروبا أهلية في سوريا وليبيا، فإن دول الخليج ظلت واحة من الاستقرار النسبي، إلا أن (
الحصار السياسي) هذا العام للجارة الثرية بالنفط قطر، جلب حالة من عدم الوضوح لدول مجلس التعاون الخليجي، الذي تعاني دوله من انهيار أسعار النفط قبل ثلاثة أعوام.
ويشير كير في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى قرار السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر بفرض حصار على قطر، بزعم أنها تدعم الإرهاب، وهو ما ترفضه الدوحة.
ويبين الكاتب أن القيود التي فرضت على التجارة والسفر أدت لمواجهة قطر كلفة إضافية، بحيث أدت بشركة "موديز"، التي تقوم بتقييم الخدمات الائتمانية، إلى القول إن مستقبل قطر ودول الخليج المالي يعتمد على نتائج الأزمة، حيث يقول المحلل البارز في شركة "موديز" ستيفان دايك إن "حدة الخلاف الدبلوماسي بين دول الخليج غير مسبوقة، بشكل يزيد من حالة عدم اليقين بشأن الأثر
الاقتصادي والمالي والاجتماعي على دول الخليج".
ويضيف دايك أن المصرفيين يحاولون التكيف مع الخلاف الذي سيطول أمده، في ظل تراجع النفقات الحكومية التي قيدت النمو في المنطقة منذ انهيار أسعار النفط، مشيرا إلى أنه مع قيام البنوك الرئيسية في الدول الأربع بسحب أرصدتها من قطر، فإن الدوحة قامت اعتمادا على رصيدها السيادي بتمويل عجلة الاقتصاد واستمراره.
وتقول "موديز" إن قطر ضخت 40 مليار من رصيدها السيادي، البالغ حجمه 340 مليار دولار؛ لدعم اقتصادها ونظامها المالي، وذلك خلال أول شهرين من الحصار.
ويلفت كير إلى أن ودائع العملاء الأجانب مثلت قبل الأزمة ربع ما لدى القطاع المصرفي من ودائع مالية، مستدركا بأن هذا تراجع بنسبة 18-19%، بحسب شركة التقييم الائتماني "فيتش"، وشهد شهرا حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو تدفقا لأموال العملاء غير المحليين للخارج، بحجم 8 مليارات دولار و15 مليارا من الودائع الأجنبية والقروض، ويتوقع أن يستمر سحب أموال دول مجلس التعاون الخليجي، بحسب "فيتش"، وفي تلك الفترة قامت الحكومة والقطاع العام بوضع ودائع في النظام المصرفي بقيمة 19 مليار دولار، فيما وصل الدعم للمصرف المركزي إلى 9 مليارات دولار.
وتنقل الصحيفة عن المدير البارز للمؤسسات المالية في "فيتش" ريدموند رامزيل، قوله: "بشكل أساسي، فإن التدفق المالي للخارج حل محله تدفق داخلي محلي في المال"، إلا أن "فيتش" تقول إن الأموال من الخارج بدأت تعود، حيث تشير أرقام المصرف المركزي إلى أن مجمل التمويل للقطاع المصرفي القطري زاد في شهر آب/ أغسطس بنسبة 1% عن شهر تموز/ يوليو.
ويقول الكاتب إن البنوك الآسيوية بدأت تستفيد من الأزمة، حيث يقول مصرفي في مؤسسة آسيوية: "وسعنا خدمات الائتمان المصرفية للعملاء القطريين، وهناك أموال جيدة يمكن الحصول عليها"، واستمر معظم المقرضين الدوليين في علاقاتهم الطبيعية مع قطر.
ويورد كير نقلا عن مسؤول مصرفي بارز، قوله: "نحن مؤسسة مصرفية عالمية تعمل مع الجميع، ولسنا طرفا في النزاع"، وأضاف: "نتعامل مع أي قيود دولية وغير ذلك، فهي تجارة كالمعتاد".
ويفيد الكاتب بأنه في الوقت الذي يتكيف فيه النظام المالي العالمي مع الواقع الجيوسياسي الجديد، فإن قطر ستدفع بمستوى 5- 10 نقاط قبل الأزمة؛ من أجل الحصول على المال في الأسواق المالية، حيث قال مصرفي له علاقة مع المؤسسات المالية الأمريكية إنه رغم الحاجة لإعادة تقييم الائتمان، إلا أن قطر بلد صغير لديه ثروة كبيرة، وهو ما لا يدعو للقلق.
وبحسب الصحيفة، فإن مسؤولين في عاصمة
الإمارات العربية أبو ظبي، قاموا بالطلب من الشركات الدولية الاختيار بين الإمارات وقطر، مشيرة إلى قول المصرفيين إن المؤسسات الإماراتية مترددة في منح بنوك ذات علاقة مع المساهمين القطريين صلاحية، ويخشى المصرفيون الأجانب من خسارة فرصهم في السعودية والإمارات، فيقول مصرفي آسيوي، قوله: "نحن بحاجة لأن نكون حذرين ولا نظهر بأننا نتعامل مع قطر".
ويعلق كير قائلا إن الشعور بأن الشركات الإقليمية أجبرت على اختيار طرف على طرف يعد مشكلة للكثير من المصرفيين في مركز دبي المالي العالمي، فيقول مصرفي أوروبي: "لا أحد سيربح من هذا الوضع، وكلنا سندفع الثمن، وسيكون هناك تأثير إقليمي".
وتذكر الصحيفة أن مركز دبي المالي العالمي يقدم نفسه على أنه محور اقتصادي، يعمل فيه 21 ألف موظف، وفيه 1750 شركة كقاعدة للأعمال المالية في المنطقة، لافتة إلى أن المحور سجل نموا بنسبة 6% بداية عام 2017، رغم المخاوف من أن القيام بأعمال في دبي يكلف أكثر في ظل منافسة قوية بسبب انهيار أسعار النفط.
ويشير الكاتب إلى أن مطار الدوحة، الذي يبعد ساعة عن دبي، أصبح الوصول إليه متعسرا إلا من خلال عُمان أو الكويت، ما يعني أن الزبائن القطريين لا يمكنهم السفر إلى الإمارات لمقابلة الممولين والمديرين الماليين، ويخشى المديرون الماليون من تضرر دبي من انهيار التجارة مع قطر، التي كانت تعد مركزا لنقل مواد البناء، لافتا إلى أن قطر تقوم الآن ببناء البنى التحتية، التي تكلف 200 مليار دولار؛ لاستقبال كأس العالم عام 2022.
ويلفت كير إلى أن الاستيراد القطري تراجع بنسبة 40% منذ عام حتى فرض الحصار في حزيران/ يونيو 2017، بالإضافة إلى أن الاستيراد من الإمارات العربية المتحدة تراجع بنسبة الثلثين منذ الحصار، بشكل يؤكد أهمية الدوحة بصفتها مركز استيراد، مشيرا إلى أن هذه التجارة كلها تحولت إلى عُمان، التي ظلت محايدة مثل الكويت، وزاد الاستيراد في آب/ أغسطس، بشكل يظهر قدرة قطر على تخفيف حدة الحصار عبر طرق إمدادات بديلة.
وتنقل الصحيفة عن المصرفي الأوروبي، قوله: "لن تؤدي أزمة قطر لانهيار دبي، لكنها ستترك بالتأكيد أثرا"، لافتة إلى أن المسؤولين يعترفون بأن دبي لا تستطيع تحرير نفسها من الدور الذي تؤديه الإمارات في الحصار.
ويذكر الكاتب أن المصرف المركزي الإماراتي أمر المقرضين بفرض إجراءات مشددة على المقرضين القطريين الستة، وطلب مركز دبي المالي العالمي من المؤسسات العاملة فيه اتباع التعليمات، مشيرا إلى أن مؤسسات في مركز دبي المالي عبرت عن قلقها من المطالب التي تدعوها لتطبيق المعايير المتعلقة بالتعامل مع المقرضين المعروفين، بمن فيهم المصرف القطري المركزي، الذي يعد من أكبر المصارف في المنطقة.
ويختم كير مقاله بالإشارة إلى قول مصرفي غربي: "اعتقدت أننا وقعنا للعمل في مركز مالي دولي، لا علاقة له بالسياسة المحلية".