في اتصال هاتفي بين رئيس حركة حماس من غزة، إسماعيل هنية، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، قبل أيام، يعود الحديث مجددا عن العلاقة بين الأردن وحماس. لكن ما هي طبيعة العلاقة التاريخية بين الأردن وحماس؟ وما هي أسباب هذا الاتصال؟ وما هي خطوط التباين بين عمان وحماس؟ وما هو مصير تلك العلاقة في المستقبل؟
(1) العلاقة التاريخية
أصبح لحماس تواجد رسمي في الأردن بعد أزمة الخليج، وقدوم التنظيمي الإخواني الفلسطيني من الكويت إلى الأردن، ودمج القادمين في التنظيم الأردني. إذ تم إنشاء قسم فلسطين، والذي تطور إلى جهاز فلسطين، لتبدأ العلاقة الرسمية مع الأردن من خلال حضور خالد مشعل للقاء بين الإخوان والعاهل الأردني الراحل الملك حسين، والذي بموجبه قدم المراقب العام للإخوان في الأردن؛ السيد خالد مشعل كرئيس للمكتب السياسي لحماس، وهو ما أقره الراحل الأردني، وكان هذا الإقرار بمثابة قبول لهذا الوجود على الأرض الأردنية.
كان الجانب الأردني على قناعة بأن احتضان المقاومة الفلسطينية كفيل
بجعلها أكثر اعتدالا وقدرة على تأهيلها للمشاركة بالعملية السياسية
في عام 1999، وبقدوم العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، تم إنهاء وجود المكتب السياسي لحماس في عمان، وتم إبعاد خمسة من قادة حماس عن الأردن إلى قطر، قبل أن يستقروا في سوريا. ومن هنا بدأت القطيعة في العلاقات، والتي تحولت بعدها العلاقة مع حماس إلى ملف أمني بحت، وتعززت القطيعة في عام 2006؛ عندما تم القبض على خلية اتهمت بأنها تحاول إدخال أسلحة إلى الأردن من إيران، تمهيدا لنقلها للضفة الغربية، وتم الحكم على أعضاء الخلية المقبوض عليهم؛ في قضية اتهم فيها الراحل محمود المبحوح - الذي تم اغتياله من قبل الموساد الإسرائيلي عام 2010 في دبي - بالمسؤولية عن هذه الخلية وعملها.
بقدوم رئيس الوزراء عون الخصاونة، تجدد الحديث عن فتح صفحة جديدة في العلاقة
وصرح بأن إبعاد قادة حماس كان خطأ تاريخيا سياسيا، وقانونيا ودستوريا
في عام 2012، وبوساطة قطرية، ومع هبوب رياح الحركات الإسلامية في تولي الحكم، استقبل العاهل الأردني خالد مشعل في عمان، برفقة أمير قطر الشيخ تميم، إلا أن هذه العلاقة سرعان ما عادت للفتور. وبقدوم رئيس الوزراء عون الخصاونة، تجدد الحديث عن فتح صفحة جديدة في العلاقة مع حماس، عندما صرح بأن إبعاد قادة حماس كان خطأ تاريخيا سياسيا، كما أنه خطأ قانوني ودستوري، في محاولة من الخصاونة لمغازلة الحركة الإسلامية الأردنية؛ بقيادة تيار الصقور الذي تربطه علاقة وطيدة بحماس، كمحاولة لتهدئة الشارع، في ما عرف بالربيع الأردني، بعد رفضها المشاركة في حكومته. وبرحيل الخصاونة تم طي الصفحة؛ حتى عام 2015، إذ قبض الأمن الأردن على 16 شخصا في ما عرف بقضية خلية حماس، وتم الحكم على مجموعة منهم بتهمة محاولة تصنيع متفجرات ومحاولة تهريبها للضفة، وتلقي تدريبات في غزة، إلا أن حركة حماس استطاعت إقناع النظام الأردني بأنها عملية فردية بدون علم ومعرفة قيادة الحركة، وأنها ترفضها. وبقيت العلاقة تراوح في هذا المربع الأمني، حتى الاتصال بين إسماعيل هنية والعاهل الأردني قبل أيام قليلة.
(2) لماذا هذا الاتصال الآن؟
على الرغم من القطيعة بين الأردن وحماس، إلا أن كلا من الأردن وحماس أرادا هذا التواصل؛ لعدة أسباب، رغم أن الجانب الأردني يتعامل مع ملف حماس بمنظور أمني، حيث أعاد أحد قياداتها المبعدين إلى عمان؛ ليرتبط بعلاقة مباشرة مع الأجهزة الأمنية لترتيب بعض الملفات وإبقاء بعض القنوات المفتوحة، فيما يخص الأمور الأمنية، وبعض الاتصالات الإنسانية والسياسية وقت ما تحتاج الظروف لذلك.
القيادة الجديدة لحماس انفتحت على الجميع
بما في ذلك إيران وهذا لا يرتاح الأردن له
القيادة الجديدة لحماس انفتحت على الجميع، بما في ذلك إيران وهو الانفتاح الذي لا يرتاح الأردن الرسمي له. فإيران على الحدود الشرقية للأردن، من خلال وجودها في العراق، وكذلك على الحدود الشمالية الأردنية من خلال تواجدها في سوريا.
تم ترتيب اللقاء من خلال القنوات الأمنية المفتوحة بين الأردن وممثل حماس في الأردن، وكان الطلب أن يكون الاتصال مع أعلى مستوى ومع رأس النظام السياسي في الأردن. وكان لحماس ذلك، حيث أرادت حماس من هذا التواصل للتأكيد على:
- تبديد مخاوف الأردن من الانفتاح على إيران؛ وما قد يلحقه ذلك من أذى في ملف المصالحة، وهواجس إعطاء دور أكبر لإيران في القضية الفلسطينية، والذي تعتبره الأردن أكثر الملفات حساسية في علاقاتها الخارجية.
- التأكيد على أهمية دور الأردن في القضية الفلسطينية، حتى وإن لم تكن حاضرة في مفاوضات القاهرة، ووضع الجانب الأردني بكل تفاصيل ما يجري، والتأكيد على حرص حماس على دعم المصالحة وأنه لا رجعة عن ذلك.
أكدت حماس على رفضها لموضوع الوطن البديل
تبدو التباينات سياسيا كبيرة بين الأردن وحماس
وإن كانت قد تقلصت بعد إصدار حماس وثيقتها الجديدة
- الخلفية الإخوانية لحركة حماس، وأن إعادة العلاقة مع حماس يعني تقوية جماعة إخوان الأردن الأم في الساحة الأردنية، وهذا ما لا يريده النظام الأردني الذي قطع أشواطا كبيرة في تحجيم إخوان الأردن الأم ونزع مخالبها، وجعلها حركة غير مؤثرة على الساحة الأردنية، نتيجة فقدان الثقة بينها وبين النظام بعد الربيع الأردني، وما جرى خلال من اختلافات كبيرة وصراع مع النظام.
- كما أن النظام الأردني لا يريد أن يستبدل المظلة الإخوانية، التي كانت تمثل المكون الفلسطيني قبل نزع الشرعية عنها، بمظلة حمساوية؛ من خلال السماح لحركة حماس بالعمل مع اللاجئين الفلسطينيين. فواضح أن الأردن الرسمي يرفض أي قيادات إسلامية للمكونات الشعبية، حتى لو كانت قيادات فردية. وكان هذا واضحا من خلال تعاطيه مع بعض الدعاة الإسلاميين أصحاب الانتشار الشعبي.
- عدم وضوح موقف حماس من فكرة الفيدرالية أو الكونفدرالية بين الأردن والدولة الفلسطينية المطالب بها. صحيح أن حماس لم يصدر منها موقف صريح بذلك، إلا أنها في وثيقتها الأخيرة تنادي بمشروعها الفلسطيني الوطني، مما يعني أنها ترفض فكرة الفيدرالية بين الضفة الغربية والأردن. والغموض يشوب موقفها من فكرة الكونفدرالية بين الدولة الفلسطينية والأردن؛ الذي فك الارتباط مع الضفة الغربية منذ عام 1988، إلا انه أبقاه قرارا إداريا ورفض النص عليه بالدستور، وهو ما يفهم منه كإجراء لتسهيل أي اتحاد بين الأردن والدولة الفلسطينية؛ إذا سمحت الظروف بذلك وكان ذلك في مصلحة الأردن.
(4) هل العلاقة مرشحة إلى العودة لسابق عهدها؟
نفت حماس في بيان لها أنها تقدمت بطلب فتح مكاتب لها في عمان. لكن السؤال الأهم في ذلك: هل فعلا حماس حريصة على فتح مكاتب لها في عمان، وخاصة في ظل تحول قيادة حماس السياسية للإقامة في الداخل الفلسطيني (غزة)؟ كما أن حماس ليس لها موقف من العمل في الساحة الأردنية شعبيا، نظرا لتعقيدات الحالة القانونية للفلسطينيين الموجودين في الأردن، من حملة جوازات أردنية بمواطنة كاملة وحملة بطاقات صفراء وحملة بطاقات خضراء، والمقيمين إقامة غير مشروعة على الأرض الأردنية.
ما يريده الأردن أن تبقى حماس ملفا أمنيا بيد الأجهزة الأمنية
وضمن حدود العلاقة التي تم ترسيمها
في الذكرى المئوية لتصريح بلفور ومستقبل فلسطين
ألا يترك الجميع "روح الانتقام" حفاظا على مصر؟