قضايا وآراء

فوز الإسلاميين المفاجئ في الأردن.. ومصير مجلس النواب الجديد

"قناعة راسخة من أجنحة نافذة في الدولة بضرورة التحول السياسي واستمراره"- جيتي
في نتائج لم يتوقعها أحد حتى استطلاعات الرأي، استطاع حزب جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، أن يحصد 17 مقعدا في مجلس النواب من أصل 41 مقعدا مخصصة للأحزاب على القائمة العامة المغلقة على مستوى الوطن، في حدث سياسي قد يكون الأبرز في الأردن منذ أن تم تعطيل الحياة السياسية في خمسينيات القرن الماضي.

تحديث سياسي

برغبة ودعم وحماية من رأس النظام الأردني، استطاع الأردن أن ينجز منظومة من التحديث السياسي انتقلت بالأردن تشريعيا من الدولة الشمولية إلى الدولة الديمقراطية؛ كان أبرز معالم هذا الإصلاح السياسي قانون الانتخاب الذي خصص 41 مقعدا للأحزاب في المجلس الحالي (الـ20) فيما سوف تصل المقاعد المخصصة للأحزاب إلى 69 مقعدا في المجلس الـ21، كما سوف تصل الحصة المخصصة للأحزاب في المجلس الـ22 إلى 65 في المئة من مقاعد المجلس وبما لا يقل عن 89 مقعدا من أصل 137 مقعدا.

تدرج في التحول السياسي يعني أن تتحول الحكومة في الأردن إلى حكومة برلمانية في المجلس الـ22 والوصول إلى حالة تداول السلطة بين الأحزاب، ويبقى الملك رأس السلطات الثلاث وضامنا للعملية السياسية واستقرار المملكة في حالات الاستعصاء السياسي.

فوز مفاجئ
التصويت العقابي كان حاضرا في عقلية الناخب الأردني، وهذا النوع من التصويت يحصل في البيئات التي تعاني الأزمات الاقتصادية وظهور الطبقية بين فئات المجتمع، فتتوجه طبقات المجتمع التي تشعر بوجود الفساد والتهميش والتهشيم إلى الصندوق كنوع من ردة الفعل والعقاب لكل من هم في السلطة

الفوز المفاجئ الذي حققه حزب جبهة العمل بحصوله على 42 في المئة من المقاعد الحزبية كان الحدث الأبرز في تلك الانتخابات، مما يعني أن هذا الفوز لو تكرر في انتخابات المجلس الـ21 فهو يعني أن التيار الإسلامي سيكون أكبر الأحزاب تحت القبة وقادرا بأي تحالف سياسي أن يشكل الحكومة، فيما تبدو الأسباب المحلية والإقليمية والشعبية التي دفعت إلى صعود التيار الإسلامي في الأردن بعد حالة من التراجع لهم على مستوى النقابات والاتحادات الطلابية والمجلس النيابي السابق تتلخص في:

الأسباب الشعبية أهمها:

- كان لوجود الأستاذ ناصر النواصرة، نائب نقيب المعلمين -الذي دخل في صراع مع الحكومة الأردنية ما أدى إلى حل مجلس النقابة وإغلاقها، وفصل رموز العمل النقابي من العمل- في قائمة حزب الجبهة؛ الدور الكبير في التفاف المعلمين الأردنيين حول القائمة، فكان هذا الانحياز من المعلمين وأسرهم إلى الكتلة من باب التصويت من المعلم لمن سيدافع عن شرعية النقابة ورمزها في وجه القرارات الحكومية.

- التصويت العقابي كان حاضرا في عقلية الناخب الأردني، وهذا النوع من التصويت يحصل في البيئات التي تعاني الأزمات الاقتصادية وظهور الطبقية بين فئات المجتمع، فتتوجه طبقات المجتمع التي تشعر بوجود الفساد والتهميش والتهشيم إلى الصندوق كنوع من ردة الفعل والعقاب لكل من هم في السلطة، وتنحاز إلى كل من يعارضها أو يقدم نفسه بديلا عنها، أو يقدم برنامجا أو انتقادا واضحا وحادا للسلطة القائمة. التصويت العقابي كان لكل ما هو رسمي وحكومي، حتى أن الناخب الأردني عاقب الأحزاب التي قدمت نفسها على أنها أحزاب قريبة من الحكومة أو يمكنها التفاهم معها.

هذا النوع من التصويت تمت ممارسته من الناخب الفلسطيني في عام 2006 في وجه فساد السلطة الفلسطينية، وتمت ممارسته أيضا من الناخب التونسي في مواجهة المحاصصة الحزبية بين القوى السياسية بعد ثورة الياسمين التي عجزت عن ترجمة الديمقراطية إلى تنمية اقتصادية؛ وانحاز الشعب إلى الرئيس التونسي القادم من العدم السياسي والذي قدم خطابا شعبويا استطاع أن يدغدغ مشاعر التونسيين ويقوّض مؤسسات الدولة والديمقراطية.

- كان لأحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وقيادة حماس لهذا الحدث الكبير وما نجم عنه من حرب مدمرة بحق الشعب الفلسطيني، وانحياز تنظيم الإخوان المسلمين إلى حركة حماس وتقديم أنفسهم على أنهم من يمثلون حماس في الأردن، ورفع شعارهم الانتخابي بأن التصويت للحزب نوع من المقاومة، استطاعت هذه الحالة وفي ظل حالة من الاحتقان الشعبي بكل مكوناته وأصوله ومنابته من الاحتلال الصهيوني والخذلان العربي الرسمي لغزة؛ أن تترجم تلك الانحيازيات للمقاومة إلى أصوات صبت في صناديق الإسلاميين.

أما الأسباب غير الشعبية التي أدت إلى صعود التيار الإسلامي هي:

- ضعف الحالة الحزبية القائمة، فجميع الأحزاب التي قدمت نفسها منافسا وبديلا عن التيار الإسلامي، وهي أحزاب شُكلت على عجل وبعد إقرار التحديث السياسي قبل سنتين، وتفتقر إلى تقديم خطاب سياسي وبعض هذه الأحزاب قادها شخصيات محسوبة على حكومات سابقة فشلت في تحسين حياة الناس فكان لذلك دور كبير في عدم وجود بديل مقنع للشارع عن خطاب التيار الإسلامي، كما أن الأحزاب الأيديولوجية اليسارية التي لها تاريخ حزبي فقدت وجودها وبريقها منذ ثمانينيات القرن الماضي في الأردن.


جميع مقاعدهم في المجلس وصلت إلى 31 مقعدا من أصل 137 مقعدا، مما يعني عدم وجود عدد يكفي لتشكيل حالة تمتلك القرار داخل المجلس، مما يجعل وجودهم من وجهة النظر الرسمية حالة شغب سياسي ليس أكثر

- إفساح المجال غير المقصود من قبل الجهات الرسمية لصعود التيار الإسلامي، وتمثل في محاصرة حزب الشراكة والإنقاذ من قبل الجانب الرسمي وحله. وحزب الشراكة كان الأكثر تشددا في تقديم خطاب لمكافحة الفساد والذي كان ينتشر في مدن الأطراف، فحل حزب الشراكة جعل الساحة السياسية فارغة إلا من أحزاب لا تملك بصمة فكرية أو هوية سياسية يمكن تقديمها للناس، وفيما يملك التيار الإسلامي بصمة الإسلام السياسي؛ قدم حزب الشراكة والإنقاذ بصمة مكافحة الفساد ومحاربة الطبقية الاقتصادية، فيما افتقرت الأحزاب الأخرى القريبة من الحكومة إلى أي بصمة سياسية أو هوية فكرية أو برامجية تقدمها للمجتمع، فكانت الساحة شبه فارغة أمام صعود التيار الإسلامي.

- الأوضاع الإقليمية في المنطقة واستمرار صعود اليمين الإسرائيلي الذي أقنع الشارع الصهيوني بأنه قادر على حمايته وتحقيق أمن إسرائيل من خلال حربه على غزة، ومؤشرات قد تؤدي إلى إمكانية فوز ترامب بالانتخابات خاصة بعد انسحاب بايدن. هذا اليمين الإسرائيلي سيعزز برنامجه المتطرف فيما لو قدم ترامب رئيسا للولايات المتحدة، والذي صرح بأن مساحة إسرائيل صغيرة ويريد توسيعها، وذلك في إشارة واضحة على دعم الاستيطان في الضفة الغربية، والذي ابتلع حتى الآن 43 في المئة من مساحة الضفة الغربية، ما يعني تهجير الفلسطينيين في الضفة إلى الأردن وابتلاع إسرائيل للجغرافيا والتخلص من الديمغرافيا.. هذا المخطط يحتاج إلى جبهة أردنية متماسكة ووجود يمين إسلامي في الأردن يواجه اليمين الصهيوني في إسرائيل.

- الرغبة الرسمية، وهنا أتحدث عن رغبة لرأس النظام في إنجاح التحديث السياسي والوقوف في وجه أي محاولة لاختطاف تحديث الحياة السياسية والتأثير على نتائجها، فكانت الانتخابات تتمتع بنزاهة وشفافية عالية باستثناء حالات غض الطرف عن المال السياسي الأسود الذي لم يتدخل في القوائم الحزبية وبقي يعمل في القوائم المحلية.

مصير المجلس

منذ اللحظات الأولى لخروج نتائج الانتخابات بدأت التكهنات التي تتوقع حل المجلس قبل انتهاء ولايته، ووقف مسار التحديث السياسي الذي يصل إلى برلمان حزبي وحكومة برلمانية في عام 2032، لكنها تحليلات جزء منها رغائبي وخاصة القوى السياسية المهزومة، وجزء منها انطباع بناءً على التجارب التي كانت قبل مرحلة التحديث السياسي ونتيجة لفقدان الثقة بالعملية السياسية التي شاعت لأكثر من ثلاثة عقود، لكنها تحليلات لا يخدمها الواقع على الأرض من عدة وجوه:

- هناك قناعة راسخة من أجنحة نافذة في الدولة بضرورة التحول السياسي واستمراره، وأنه لا مخرج من الأزمة الاقتصادية الخانقة في الأردن إلا بالتحول إلى حكومة برلمانية، وأن بوابة الإصلاح الاقتصادي تمر عبر الإصلاح السياسي، وأن الإصلاح السياسي يجعل أي انفجارات شعبية مستقبلية في وجه الحكومات العاجزة تكون عبر الصندوق لا في وجه النظام السياسي، مما يعطي مَنَعة وقوة للدولة واستقرارا لنظامها السياسي.

- صعود ملحوظ لخطاب التيار المؤمن بأن احتواء تيار الإسلام السياسي أقل كلفة من الصدام معه، خاصة في مرحلة سياسية حرجة في محيطها الملتهب، وأنه يمكن استثمار الخطاب الإسلامي اليميني في لفت أنظار الحلفاء في المنطقة والغرب بأنه لا يمكن الضغط على الأردن، وأن الدعم المالي والرخاء والرفاه الاقتصادي هو الطريق للتخلص من اليمين الإسلامي عبر الصندوق، كما أن اليمين الإسلامي في الأردن يقوى بالتحجيم وتقل شعبيته عند اختبار الشعب خطابه وبرنامجه على أرض الواقع، كما حصل في تونس والمغرب بعد الربيع العربي.

إنجاح التحول السياسي ودعم المسار الديمقراطي لم يعد حالة من الترف الذي يمكن للأردن الزهد فيه، بل أصبح ضرورة لحماية أمن الأردن واستقراره وبوابة لحل أزمة اقتصادية خانقة لم يشهدها من قبل

- يدرك الجانب الرسمي أن أي محاولة للردة عن مسار التحديث السياسي الحالي يعني تعميق أزمة الثقة بين ما هو رسمي وما هو شعبي، كما أن حدوث انفجارات شعبية أمر وارد ومحتمل بشكل كبير في ظل حالة من الاحتقان الاقتصادي وضنك العيش الذي يعيشه الأردن.

- الأهم من كل ذلك أن الإسلاميين رغم حصولهم على 17 مقعدا في القائمة العامة، إلا أن جميع مقاعدهم في المجلس وصلت إلى 31 مقعدا من أصل 137 مقعدا، مما يعني عدم وجود عدد يكفي لتشكيل حالة تمتلك القرار داخل المجلس، مما يجعل وجودهم من وجهة النظر الرسمية حالة شغب سياسي ليس أكثر.

إنجاح التحول السياسي ودعم المسار الديمقراطي لم يعد حالة من الترف الذي يمكن للأردن الزهد فيه، بل أصبح ضرورة لحماية أمن الأردن واستقراره وبوابة لحل أزمة اقتصادية خانقة لم يشهدها من قبل؛ عنوانها البطالة ونتيجتها الفقر، وهي حالة دفعت كثيرا من الشباب الأردني المتعلم إلى الهجرات غير الشرعية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وحالات اللجوء إلى أيرلندا؛ هربا من وضع اقتصادي متفاقم لن يواجَه إلا بتحول سياسي يثق به الشعب ليذهب من خلاله لاختيار أفضل من يدير شأنهم العام ويجمع الثروة بعدالة ويوزعها بعدالة.