(1)
وحدي لا شريك لي..
هذه العبارة المشحونة بالدلالات الرمزية، والإسقاطات المثيرة للجدل، ظهرت تحت صورة لولي العهد السعودي محمد
بن سلمان على الصفحة الأولى لجريدة "الأخبار اللبنانية". والعبارة لا تقترب من أية إيحاءات دينية، بل ترمي مباشرة نحو اتجاه الديكتاتورية الفردية التي يسلكها ابن سلمان لتمهيد الطريق لانفراده بحكم المملكة، وهو ما تجلى واضحا وفاضحا في حزمة القرارات الأخيرة التي أدت إلى توقيف أمراء ومسؤولين سابقين وحاليين، في أكبر حملة اعتقالات ملكية معلنة تمس حريات وثروات وحياة شخصيات على هذا المستوى الكبير؛ الذي يهدد بتفجير وضع بيت الحكم في
السعودية، وينذر بتحولات قد تصل إلى حد استخدام العنف المسلح ضمن أدوات الصراع السياسي، حسب تحذيرات وتنبوءات عدد من قادة المعارضة السعودية في الخارج.
(2)
كيف يولد الديكتاتور؟ وكيف يتمكن من تثبيت دعائم حكمه الشمولي؟
لا أظن أن ابن سلمان قرأ شيئا عن ذلك، لا كتاب "الأمير" لميكافيللي، ولا أحدث النظريات السياسية والاقتصادية التي تكشف عن أساليب الطغاة في البقاء على العرش، والتي قرأنا عنها الكثير في مناقشات أساتذة العلوم السياسية الأمريكيين، من أمثال راندولف سيفرسون، وبيونو دو مسكيتا، والستير سميث، والتي أوجزتها في مجموعة من النصائح؛ أقدمها لمحمد بن سلمان، لعله يعرف أننا نعرف أن الاختباء خلف ستارة
الفساد لن تخفي غرضه عن العيون؛ لأن الستارة مهترئة، ولم تعد قادرة على إخفاء شيء، كما أن رائحة العفن التي تحدث عنها هاملت في قصر الحكم الملكي بالدانمارك؛ لا تمنعها ستائر ولا صياغات بلاغية تتسمح في الدين والقوانين. وهذه هي النصائح الفضائح لعلك تتمكن من الاختباء خلف الجدار الزجاجي:
* تظاهر أنك تستمع إلى مطالب شعبك، وتحدث كثيرا في خطبك وتصريحاتك عن تحسين حياة الناس، وتوفير الخدمات لهم، لكن إياك أن تنفذ شيئا من هذا، حتى لو كان في استطاعتك، فتحسين حياة أي فئة أمر ممكن، لكنه يتحقق على حساب شخص واحد، هو أنت شخصيا، ثم حاشيتك.
* تقدم خطوة واحدة للأمام في أي مجال، وأعلن عنها بقوة، مستخدماً رجالك في الإعلام، وأغاني وبرامج ومكاسب، وعبقرية وقرارا شجاعا، ثم تراجع خطوتين للخلف من دون إعلان، ولا تقلق عندما يكتشف الناس الأمر. دعهم يفسرونه بطريقتهم الارتجالية ويسرفوا في التخمينات، ويتصارعوا معا في مناقشات عقيمة، وخلافات لا نهائية، ستظل حكمتك وعبقريتك بحسب قوة إعلامك.
* توسع في فرض الضرائب الباهظة بكل أشكالها، ولا تخش شيئا، لأنك ستقول للصغار إنهم مستفيدون؛ لأن الكبار يدفعون أكثر، ثم تسيطر على الكبار بمكرمة الإعفاءات والاستثناءات، وتطمئنهم بأنهم مجرد حجة قوية لضمان طاعة الصغار. وتذكر جيدا أن الحصول على أموال البسطاء مهمة سهلة، أما الاقتراب من أموال الأثرياء فهو نذير خطر.. خذ من الفقراء وامنح الأغنياء.
* تحدث عن السلام الاجتماعي، والأمن، لكن اذهب للعكس، من المهم أن تكون لديك فرقة نشيطة لافتعال الأزمات، وإثارة الفتن. افرض على الناس دائما شبح الإرهاب والخطر، وإذا جاءتك فرصة لشن حرب محدودة.. في اليمن أو لبنان.. لا يهم، المهم ألا تتردد، وحاول تضخيم أخبارها، وابتزاز الناس باسمها. لا تخش شيئا، لأن الحروب تطيح بالحاكم الديمقراطي، وتساعد على تمكين سلطة الديكتاتور.
* لا تنزعج من أي نقد أو حديث عن الديموقراطية، ركز على شعارات من نوع محاربة الفساد، وهدد شعبك دوما بالإفلاس، وأغرقه بالإعلام والعبارات الأخلاقية والدينية، فما أسهل قيادة شعب خائف أو مغيب.
* الوصول للسلطة يتطلب الحديث عن العدالة الاجتماعية ومكافحة الاحتكارات والفساد، لكن تذكر أن الطريق إلى السلطة شيء، والبقاء فيها شيء آخر. فإذا أردت البقاء، فلا تقض على الفاسدين.. قدم الضعاف والمنافسين لك لمحاكمة استعراضية، وامنح الموالين مزيدا من الحصانة والامتيازات، ليصبحوا قوة دعم، وجدار حماية وتمويل، طالما ارتبطت مصائرهم بوجودك في القصر.
* احرص على تكريم الموالين بالجوائز والأوسمة والنياشين في حفلات مذاعة، فالضوء له تأثير عظيم على استمرار الولاء، وصناعة نجوم من ورق لامع؛ تشبع حاجة الأغلبية الساذجة لأبطال ومشاهير، لكن تذكر أن تعطي الموالين بقدر تفانيهم في خدمتك، حتى لا يصيبهم الطمع، والأهم أن تضع كل فرد في مواجهة منافس آخر يريد أن يزيحه ليحصل على امتيازاته.
* خطط لإنهاك الشباب، فلا توفر لهم عملا مناسبا، ولا دخلا لائقا؛ لأنهم طاقة ثورة، إذا وفرت لهم أساسيات الحياة، سيفكرون في الحرية والعدل والتمرد، ويهددون استمرارك في السلطة.
* استعن بالكتمان، وشيّد حول نفسك سياجا من الرهبة، وامنع تسرب أي معلومات عن حالتك الصحية، أو علاقاتك ونقاط ضعفك؛، لأنك إن مرضت أو أظهرت ضعفا ستلتهمك البطانة، لترشح مكانك من يحفظ لها مصالحها وامتيازاتها.
* لا تنس أن تستبعد الكفاءات في كل المجالات، لا تعط فرصة لأحد أن يتألق، تخلص من أي شخص يثير احترام الناس، يمكن أن تسمح لهم فقط بالإعجاب بلاعب كرة أو مغنية، أو عالم دين، بشرط أن يكون من بين الحاشية التي تدعمك، لأن إجماع الناس على أي فكرة (أو شخص لا يمجدك) هو بداية النهاية لحكمك.
* أخيرا، اقتل كل من استمع إلى هذه النصائح؛ حتى لا يعرف أحد أسرارك المفضوحة منذ الخطوة الأولى!