نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا، تكشف فيه عن عمق الوجود الإيراني في سوريا، وخططها بعد دعم نظام بشار الأسد وإنقاذه لتوجيه الحرب باتجاه إسرائيل.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن اختراق الطائرة دون طيار الإيرانية المجال الجوي الإسرائيلي هذا الشهر عمق المخاوف حول ما إذا كانت هناك حرب كارثية جديدة ستواجه الشرق الأوسط؛ وذلك بسبب ما نتج عنها من سلسلة سريعة من الضربات والضربات المضادة.
وتبين الصحيفة أن المواجهات المتتالية انتهت بسرعة بعد تدمير الطائرة دون طيار، وإسقاط الطائرة الإسرائيلية بعد قصفها لمواقع في سوريا، مشيرة إلى أن هذا كله لفت الانتباه إلى "عمق إيران في سوريا"، الذي تعيد فيه رسم الخارطة الاستراتيجية للمنطقة.
ويلفت التقرير إلى أن إيران نشرت مستشارين تكتيكيين من الحرس الثوري في القواعد العسكرية في أنحاء سوريا جميعها، حيث يظهر قادتها بانتظام في الخطوط الأمامية لقيادة المعارك، بالإضافة إلى بناء ودعم شبكة من المليشيات القوية، التي تضم آلافا من المقاتلين المدربين في سوريا، مشيرا إلى أنها أدخلت تكنولوجيا جديدة إلى القتال، مثل الطائرات دون طيار وتقنيات التجسس على الأعداء، في حال لم تكن قادرة على القيام بهجمات جوية.
وتفيد الصحيفة بأن كلا من المسؤولين الإسرائيليين وأعدائهم يرون أن أي نزاع جديد بين إسرائيل وإيران، أو أي من حلفائها، قد يؤدي إلى حشد إيران الشبكة الواسعة من الوكلاء المتشددين التابعين لها في بلدان عديدة، الذين تشير إليهم إيران على أنهم "محور المقاومة".
وينقل التقرير عن مؤسس مركز الدراسات الاستراتيجية الأمريكية في بيروت كامل وازن، الذي يدرس سياسات الولايات المتحدة وإيران في الشرق الأوسط، قوله: "إذا كانت هناك حرب، فإنها ستكون إقليمية"، وأضاف أن "أي مواجهة ستكون مع جبهة المقاومة ضد إسرائيل وداعميها".
وتذكر الصحيفة أن إيران دخلت مع حلفائها لأول مرة إلى سوريا للدفاع عن حكم بشار الأسد ضد الثوار في عام 2011، إلا أنه بعد أن بدأت قوات الثورة بالتراجع، وخف الخطر الذي يهدد النظام، فإن إيران وحلفاءها عملوا على تحويل انتباههم لإقامة بنى تحتية تهدد إسرائيل، حيث تواصل إيران تدريب المقاتلين وتجهيزهم، وتعزيز العلاقات مع الحلفاء في العراق ولبنان؛ أملا في إقامة جبهة موحدة في حالة نشوب حرب جديدة.
وبحسب التقرير، فإن محللين ومسؤولين يرون ذلك على أنه الهدف الأساسي لاستراتيجية إيران، ليس فقط الاعتماد على المعدات العسكرية التقليدية، أو السيطرة على الأراضي، التي يمكن لإسرائيل أن تقصفها بسهولة، بل أيضا بناء علاقات مع القوات المحلية التي تشترك في أهدافها مع إيران، وتستفيد كذلك من خبرتها وتمويلها.
وتجد الصحيفة أن "إيران استطاعت بهذه الطريقة تعزيز قوتها في العالم العربي، مع تقليل التهديد الذي تواجهه داخل أراضيها، وهو ما خلق مشكلة لعدة دول، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية، التي تخشى من النفوذ الإيراني المتزايد، وتكافح من أجل التوصل إلى سبل لإيقافه".
وينوه التقرير إلى أن بعض القادة في إسرائيل باتوا يتحدثون عن احتمال نشوب "الحرب الشمالية الأولى"، وهو ما قد يدفع إسرائيل للقتال على الحدود اللبنانية والسورية في وقت واحد، مشيرا إلى أن الكثير من الإسرائيليين يقولون إن الخطر ليس فقط من المليشيات المدعومة من إيران، بل أيضا من الجهود الإيرانية لتزويد حزب الله، الجماعة الوكيلة لها، بأسلحة متقدمة، وعالية الدقة، وقادرة على ضرب أهداف حساسة في البنية التحتية الإسرائيلية.
وتبين الصحيفة أن إيران وحلفاءها يسعون إلى إقامة ممر بري من إيران إلى البحر المتوسط، من خلال العراق وسوريا ولبنان؛ لتسهيل نقل هذه الأسلحة، ولبناء مصانع تحت الأرض، لتصنيعها في لبنان وسوريا، لافتة إلى قيام إسرائيل بقصف قوافل في سوريا، يعتقد أنها تحمل أسلحة متقدمة لحزب الله، إلا أن طبيعة الحزب السرية، تجعل من الصعب تحديد الأسلحة التي تم الحصول عليها، وما إذا كانت القوافل تحمل أسلحة متقدمة.
ويكشف التقرير عن أن المسؤولين الإسرائيليين يقدرون ترسانة حزب الله بأكثر من 100 ألف قذيفة وصاروخ دون قدرات استهداف عالية الدقة، التي تقول إسرائيل إنه يمتلكها بالفعل، ويمكنها أن تهدد الدفاعات الإسرائيلية.
وتقول الصحيفة إن التحركات الإيرانية في المنطقة أثارت قلق الولايات المتحدة، حيث قال مستشار مسؤول شؤون الأمن القومي الأمريكي الجنرال أتش آر مكماستر في مؤتمر ميونيخ للأمن: "ما يثير القلق بشكل خاص هو شبكة الوكلاء هذه التي تكتسب المزيد والمزيد من القدرة، فيما تزرع إيران المزيد والمزيد من الأسلحة المدمرة في هذه الشبكات"، وأضاف: "حان الوقت الآن للتحرك ضد إيران".
ويشير التقرير إلى أن إيران اتبعت في السنوات الأخيرة نموذجا موحدا ساعدها على توسيع نفوذها في سوريا، فساعدت في لبنان في الثمانينيات من القرن الماضي على خلق حزب الله، الذي تطور منذ ذلك الحين إلى قوة عسكرية مهيمنة في البلاد، وقوة إقليمية في حد ذاتها، وشارك في حروب سوريا والعراق واليمن، لافتا إلى أن إيران قامت في العراق برعاية مجموعة من المليشيات مع تطوير روابط عميقة مع الاقتصاد العراقي والنظام السياسي.
وتذهب الصحيفة إلى أن الحرب في سوريا منحت إيران فرصة جديدة للتقدم في هذا المشروع، من خلال ربط حلفائها في بلاد الشام معا، ففي البداية، واجه مقاتلو حزب الله الثوار السوريين، بالقرب من الحدود اللبنانية، كما أرسلت إيران مستشارين لمساعدة قوات الأسد المنهكة خلال السنوات الأولى من الحرب.
ويستدرك التقرير بأنه بحلول عام 2013، فإن إيران تدخلت بقوة أكبر، وقامت بعملية إقليمية واسعة لتدريب وتسليح ونقل الآلاف من رجال المليشيات الشيعية من الخارج إلى سوريا؛ لمحاربة الثوار وتنظيم الدولة.
وتلفت الصحيفة إلى أن عدد العسكريين الإيرانيين في سوريا يتراوح اليوم ما بين مئات الآلاف إلى الآلاف، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي يشارك فيه البعض منهم بشكل مباشر في القتال، إلا أن معظم هؤلاء مدربون، فهم إما قادة أو خبراء، يقدمون المشورة لجيش النظام، ويشرفون على المليشيات الأخرى، التي تضم ما يصل إلى 20 ألف مقاتل.
ويورد التقرير أن حوالي ستة آلاف مقاتل من حزب الله من بين هؤلاء المقاتلين، منوها إلى أن معظم أفراد المليشيات المتبقية جاءوا من أفغانستان والعراق ولبنان وباكستان وأماكن أخرى.
وتنقل الصحيفة عن الباحث في "المجلس الأطلسي" علي الفونة، الذي يتابع تقارير مقاتلي المليشيات الأجنبية الذين قتلوا في سوريا، قوله إن عدد الوفيات المبلغ عنها بين صفوف هذه المليشيات انخفض إلى حد كبير، ويعزو السبب إلى أن الذين يقاتلون من أجل النظام أصبحت لهم اليد العليا في الحرب، لكنهم بدلا من مغادرة البلاد فإن أنظارهم تحولت نحو إسرائيل، وأضاف الفونة أن "إيران فهمت أنه من الممكن فعلا الحفاظ على جبهة ضد إسرائيل، حيث لا يوجد حرب ولا سلام أيضا" .
وبحسب التقرير، فإن الفونة حدد ضمن البحث الذي قام به وجود ثلاث قواعد إيرانية رئيسية، تشرف على العمليات في أجزاء كبيرة من سوريا؛ واحدة بالقرب من حلب في الشمال، واثنتين في جنوب العاصمة دمشق، بالإضافة إلى سبع قواعد تكتيكية أصغر بالقرب من الخطوط الأمامية النشطة، حيث توجد إيران ووكلاؤها.
وتنوه الصحيفة إلى القلق الإسرائيلي من فكرة وجود دائم لإيران في سوريا، حيث تخشى إسرائيل من مواجهة تهديد لها في سوريا، على غرار ما يشكله "حزب الله" في لبنان، لافتة إلى أنه بحسب محللين قريبين من إيران ووكلائها، فإن هذا هو الهدف الإيراني بالضبط.
ويشير التقرير إلى زيارة قيادات من المليشيات العراقية إلى الحدود اللبنانية الإسرائيلية برفقة قيادات من حزب الله، حيث قال أعضاء هذه المليشيات إن الزيارات تضمنت وضع خطط لكيفية تعاونهم في نزاع مستقبلي ضد إسرائيل.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن بعض المحللين عبروا عن أملهم في أن تكون روسيا، التي تدخلت أيضا في سوريا، قادرة على الحد من طموحات إيران، فروسيا، التي تعاونت مع إيران خلال الحرب السورية، تسعى أيضا إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع إسرائيل.
وول ستريت: أين روسيا من صراع إيران وإسرائيل.. وأين ترامب؟
واشنطن بوست: ما هي حسابات الربح والخسارة في سوريا؟
وول ستريت: هل باتت المواجهة الإسرائيلية الإيرانية محتومة؟