شكك خبراء اقتصاديون ومحللون في حقيقة تصريحات
زعيم الانقلاب عبدالفتاح
السيسي، ورئيس حكومته، ووزرائه المعنيين بملف الطاقة بشأن
عدم تدخلهم أو علاقتهم بصفقة إحدى شركات القطاع الخاص باستيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل،
ووصفوها بالكاذبة.
وأكدوا في تصريحات لـ"
عربي21" أنه في
الوقت الذي تفاجأ فيه
المصريون بمثل هذه الصفقة المريبة، مع إعلان حكومة بلادهم
اكتفائها ذاتيا من الغاز خلال العام الجاري، كان نظام السيسي يفاوض على مدار سنوات
لإتمامها، التي لم يلتفت لها البرلمان طوال تلك المدة، ولم يوجه بيانا واحد
للحكومة لاستجلاء حقيقة تلك المفاوضات الماراثونية.
وانتقدوا ما وصفوه بـ"تحايل" السلطات
المصرية على الأمر بتفصيل قانون خاص لتنظيم سوق الغاز، الذي يتيح للقطاع الخاص
باستيراده من أي جهة، والذي أقره السيسي في آب/ أغسطس 2017 بعد أن وافق عليه
البرلمان، ولمزيد من التحايل أكدوا أنه تم الزج برجل الأعمال علاء عرفة كواجهة
للجهات السيادية المتورطة في الصفقة مع إسرائيل.
واكتنف المفاوضات المصرية الإسرائيلية التي
بدأت مطلع عام 2014 واستمرت 4 سنوات الكثير من اللغط، والغموض، وتضارب التصريحات،
وإخفاء الكثير من التفاصيل؛ بهدف تضليل الرأي العام، والتباس الأمر عليه طوال فترة
التفاوض، وكان الجانب الإسرائيلي هو من كشف بداية تلك المفاوضات، وهو أيضا الذي
كشف عن نجاحها بإعلان رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أنه يوم "عيد"
للإسرائيليين.
تحايل نظام السيسي
مدير إدارة القانون الدولي والمعاهدات الدولية
السابق، ومنسق حملة "لا لبيع الغاز للكيان الصهيوني"، السفير إبراهيم
يسري، اتهم السلطات المصرية بالتحايل، قائلا إن" المفاوضات بين مصر وإسرائيل
بشأن استيراد الغاز بدأت قبل سنوات ولم تكن سرية، ولكنها كانت دون شفافية، أو
مكاشفة لحقيقة تلك المفاوضات وطبيعتها".
وأضاف لـ"
عربي21": أن "قانون
تنظيم الغاز الذي يسمح للقطاع الخاص باستيراد الغاز هو تحايل على القانون، وتم
تفصيله خصيصا لرجل الأعمال علاء عرفة، من أجل استيراد الغاز من إسرائيل لرفع الحرج
عن الحكومة، بينما كان القانون السابق يضع المسألة برمتها في يد الشركة القابضة
للغاز (حكومية) التي يمكنها تشكيل شركات فرعية".
وكشف السفير يسري أنه رفع قضية أمام محكمة
القضاء الإداري "لبطلان ترسيم الحدود بين مصر وقبرص"، مؤكدا أن
"هذا الغاز مسروق من حقل لبناني وحقل مصري استولت عليهما إسرائيل هما تمار
وشمشوم، كما حصلت قبرص على حقل مصري آخر واسمته أفروديت"، وفق قوله.
بديل حسين سالم
المحلل السياسي، محمد السيد، أكد أن المفاوضات
كانت تسير بخطوات ثابتة منذ سنوات، وقال لـ"
عربي21": في عام 2014 تحدثت
الصحف العبرية عن وجود مفاوضات لبيع الغاز الإسرائيلي لمصر، كما أكد وزير البترول
آنذاك شريف إسماعيل في شباط/ فبراير 2015 عن إمكانية استيراد الغاز من الكيان
الصهيوني، وفي آيار/ مايو 2016 كشف موقع بلومبيرج عن زيارة وفد من حكومة الاحتلال
للقاهرة لاستئناف مفاوضات بيع الغاز لمصر مقابل التنازل أو تخفيض الغرامة التي
تقدر ب 1.76 مليار دولار لصالح إسرائيل لتضررها من توقف ضخ الغاز المصري لها في
2012".
وأوضح أن المستورد الحقيقي هو الحكومة المصرية
"السيسي أراد أن يبعد الشبهة عن نظامه الفاسد، فعمل على سن تشريع يتيح للقطاع
الخاص شراء وبيع الغاز؛ لكي يمرر من خلاله الصفقة مع دولة الاحتلال بعد الحصول علي
الموافقة اللازمة، مؤكدا أن "الحديث عن أن الدولة لا دخل لها بهذه الصفقة
هراء، وما تداوله اعلام الانقلاب يدل علي السذاجة والاستخفاف بالعقول"
وفق وصفه.
وذهب إلى القول بأن "السيسي قدم ثروة مصر
من الغاز على طبق من ذهب لدولة الاحتلال؛ فقد قامت حكومة الاحتلال بالتنقيب عن
الغاز في حقلين يقعان في المياة الاقتصادية المصرية بشرق المتوسط هما حقل نافاثان
الذي يبعد عن دمياط 190 كم، وحقل شمشون الذي يبعد أيضا بمسافة 114 كم عن دمياط
بالتواطؤ مع قائد الانقلاب تعبيرا منه عن السلام الدافئ".
غطاء وهروب
من جهته؛ قال الباحث الاقتصادي، حافظ الصاوي،
لـ"
عربي21" إن " قانون تنظيم سوق الغاز صدر لتمرير صفقة الغاز مع
إسرائيل، ولكن في حقيقة الأمر فإن الجهة الوحيدة المنوط بها توزيع الطاقة في مصر
مازالت هي الحكومة، فالقانون برمته غطاء قانونيا، وهروبا من المساءلة كما تم في
عهد (مبارك) بواسطة (حسين سالم) بناء على توجيهات المخابرات".
مضيفا: "واليوم يقوم رجل الأعمال المعروف
بقربه من النظام، علاء عرفة، ابن صديق الرئيس الأسبق مبارك، وله ارتباطات كبيرة
برجال المؤسسة العسكرية، ومن يمكن تسميتهم (بالدولتيين) فهؤلاء مصالحهم مرتبطة
بوجود الدولة، وولائهم للدولة في المقام الأول والأخير".
ولفت إلى أنه "تم تصدير القطاع الخاص لهذه
المسألة هذه المرة، وهو بعيد تماما عن الدور الحقيقي في ممارسة هذا النشاط
الاقتصادي، متسائلا "كيف يوقع القطاع الخاص الاتفاقية مع الكيان الصهيوني، وهو
لا يملك سهما واحدا في الشركتين المعنيتين بإسالة الغاز الطبيعي، ولا يملك مصنعا
واحدا لإسالة الغاز، هو مجرد غطاء لإتمام الصفقة مع الكيان الصهيوني".