نشرت مجلة "ذي أتلانتك" مقالا للكاتب جيمس فالوز، يقول فيه
إن هناك سببا لكون الرئاسة مهمة صعبة -في الظروف العادية- ولماذا يبدو معظم
الرؤساء أكبر من سنهم بعقود عندما يغادرون البيت الأبيض.
ويبرر فالوز ذلك بالقول إن "القرارات الوحيدة التي يقوم بها
الرؤساء هي القرارات المستحيلة، وليس تلك القرارات التي تتقارب فيها الإيجابيات
والسلبيات فحسب، بل تلك المضمونة بأن تنتج عنها مآس وألم، بغض النظر عن الطريق
الذي تؤدي إليه".
ويقول الكاتب: "خذ مثلا اختيار باراك أوباما بألا ينفذ (خطوطه
الحمراء) في سوريا، حيث أدى هذا القرار إلى موت الآلاف ومعاناة آلاف آخرين،
فالخيار الذي رفضه أوباما، وهو التدخل، كان سيؤدي إلى موت ومعاناة بعض الآلاف من
الناس أنفسهم أو غيرهم، وسواء اتفقت مع القرار أو لم تتفق معه، فإن هذا القرار
يتطلب جهدا فكريا، كما أن تبعاته الأخلاقية ثقيلة، وعلى الرؤساء العاديين اتخاذ
القرارات الوقت كله، (فلماذا لا يحصلون على الخيارات السهلة؟ لأن أحدهم اتخذ
القرار قبل أن وصوله إلى الرئيس)، وقرار أوباما بالموافقة على الغارة التي استهدفت
ابن لادن كان نجاحا تكتيكيا وسياسيا، وعندما اتخذ القرار لا بد أنه وضع احتمالا
بأن تتحول العملية إلى فشل يتحدث عنه العالم، مثل قرار جيمي كارتر لمحاولة إنقاذ
الرهائن الأمريكيين في إيران، التي انتهت بفوضى، والتي، بحسب قول كارتر، حددت
مصيره في انتخابات الدورة الثانية".
ويشير فالوز في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى
أن "هناك صنفا من القرارات المستحيلة التي علمت عنها خلال سنتي خدمتي مع جيمي
كارتر في البيت الأبيض، وبقيت في بالي منذ ذلك الحين، هي تلك التي تثير حتمية
الجهل، وللتوضيح لا أعني بالجهل (السفاهة)، فمعظم العاملين مع الحكومة والجيش هم
أكثر ذكاء مما يصورهم الإعلام، لكن ما أقصده هو الحقيقة المزعجة بأنك لا يمكن أن
تعرف ما يكفي حول الخيارات الكبيرة التي ستتخذها قبل أن يكون عليك اتخاذها؛ وذلك
أحيانا بسبب قرب الموعد النهائي، فالدقائق تمر وعليك اتخاذ القرار الآن، وهناك
مثال مشهور على ذلك كان في ثمانينيات القرن الماضي، عندما أظهر الرادار الأمريكي
خطأ بأن هناك هجوما نوويا من الاتحاد السوفييتي، فاضطر المستشار الأمني للرئيس
جيمي كارتر، زبيغنيو بريزنسكي، أن يقرر في الساعة الثالثة صباحا هل يوقظ الرئيس
لاتخاذ قرار بالرد، لكن قبل أن يقوم بالاتصال بالرئيس تبين أن التحذير كان خطأ،
وكثير من الأحيان لأن المتغيرات غير معروفة يضطر الرئيس أو صانع القرار أن يتخذه
بناء على تقديره وخبرته وحدسه".
ويعلق الكاتب قائلا: "قد تكون هذه النقطة واضحة، وتمر علينا في
قراراتنا اليومية، فلا أحد يقرر أن يتزوج يعلم كيف سيكون شريكه بعد 20 عاما، أو إن
كان سيزيد التقارب بينهما أو أن يبتعدا.. وحتى عندما يخطط الشخص لإجازة فإنه لا
يعلم إن كان سيواجه مشكلات أو غير ذلك، لكن ما يبنى على قرارات الرؤساء في العادة
خيارات حياة أو موت، ويخطر في بالي اتخاذ قرار حول ما هو غير معروف يعيدني 15 عاما
إلى الوراء، للفترة التي سبقت حرب العراق وللمستقبل، وماذا تعني تلك القرارات
للرؤساء القادمين".
ويقول فالوز إن "هناك قائمة كبيرة من الكتب في بالي، أتمنى لو
أن الرؤساء استطاعوا قراءتها قبل وصولهم إلى البيت الأبيض، فلدى وصولهم هناك يكون
بالكاد لديهم وقت ليفكروا، ليس أكثر، مثلا كتاب ديفيد فرومكنز (A
Peace to End All Peace)، وهو نقطة بدء جيدة للتفكير في توترات الشرق الأوسط، ويناقش
الكتاب كيف هيأت عملية تقسيم الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى
المسرح للصراع في المنطقة، وهو كتاب مقابل لكتاب جون منيارد كينز (The
Economic Consequences of the Peace)، الذي كتبه مباشرة بعد التوصل إلى اتفاقية فرساي، الذي يشير إلى
أن الشروط الاقتصادية القاسية التي فرضت على الألمان المهزومين تضمن عمليا مشكلة
مستقبلية".
ويفيد الكاتب بأن "أحد الكتب في أعلى قائمتي هو كتاب Thinking in Time: The Uses of History for Decision Makers، لأستاذين من جامعة
هارفارد، إيرنست ماي وريتشارد نيوستادت، وفي هذا الكتاب بعكس المؤلفان حكمة تنسب
إلى أستاذ سابق من جامعة هارفارد، هو جورج سانتيانا، حيث قال: (أولئك الذين لا
يذكرون الماضي محكوم عليهم أنهم سيعيدونه)، وبدلا من ذلك يحذران من تذكر الماضي
أكثر من اللازم، أو تخيل أن الخيارات التي تواجهنا الآن يمكن أن تكون بالضبط كتلك
التي كانت في الماضي".
ويبين فالوز أن "المثال المرعب في هذا المجال هو مثال لندون
جونسون في فيتنام، حيث (تعلم) من خطأ نيفيل تشامبيرلين وغيره ممن حاولوا إرضاء
النازيين بدلا من مواجهتهم، حتى ظن أن الخطر الوحيد في فيتنام هو التأخر في مواجهة
الشيوعيين هناك، وبسبب الكارثة التي جرها قرار جونسون على فيتنام وجيرانها وعشرات
آلاف الأمريكيين، (تعلم) معظم السياسيين الأمريكيين، بغض النظر عن حزبهم، أن
يتجنبوا التورط في أي حرب عصابات في أدغال آسيا، ولذلك وفي أواخر السبعينيات قام
الخمير الحمر بذبح الملايين في كمبوديا، وبقيت أمريكا بعيدة".
ويجد الكاتب أن "الأثر الآخر لفيتنام، الذي كان واضحا في
السياسة الأمريكية، هو أن ريتشارد نيكسون لاحظ أن الخسائر بين الجنود الأمريكيين،
والتعويض عنها بتجنيد المزيد هي التي تتسبب بالاحتجاجات، وأنه لو حول الجيش إلى
تطوعي بدلا من فرض الخدمة فإن الاحتجاجات ستقل، فبدأ في عملية التحول حتى توقفت
عملية التجنيد الإجباري، وهو ما سميته في مقال نشرته قبل ثلاثة أعوام ظاهرة (شعب
الصقور والدجاج)، بحيث تكون البلد في حرب دائمة، لكن الغالبية لا يتعرضون لدفع ثمن
مباشر، (فمنذ غزو العراق قبل 15 عاما وحتى الآن فإن عدد الأمريكيين الذين خدموا في
العراق أو أفغانستان لا يصل إلا إلى 1% من سكان أمريكا)".
وينوه فالوز إلى أن المؤلفين ماي ونيوستادت دعيا في كتابهما إلى
دراسة التاريخ، لكن دراسته بحذر، ومحاولة السعي لتحقيق (تحسين قليل على الأداء)،
حيث عبرا عن شكهما في إمكانية فعل أكثر من ذلك".
ويقول الكاتب: "أنا أتوقع حتى أقل من ذلك: أخشى وأتوقع أن
أمريكا مكتوب عليها أن تترنح من أحد أمثلة (التعلم الزائد) إلى عكسه، وتستمر في
ارتكاب سلسلة من الأخطاء، وكان قرار غزو العراق أحدها، حيث حقق جورج بوش الأب
انتصارا سريعا عندما حرر الكويت عام 1991، وأخرج قوات صدام حسين منها، لكنه توقف
ولم يواصل الحرب لإسقاط صدام، و(تعلم) ابنه من (خطئه)، فقام بإنهاء المهمة بإسقاط
صدام، واستند كاتبان من المتحمسين جدا للغزو، وهما كريستوفر هيتشينز ومايكل كلي،
إلى شرور صدام التي ارتكبها بعد حرب الخليج الأولى ولم يحاسب عليها، ثم جاء باراك
أوباما، الذي أصبح رئيسا بناء على معارضته لغزو العراق، و(تعلم) من العراق عن
مخاطر التدخل في سوريا.. وهكذا إلى ما يخبئه المستقبل من دورات الزمن".
ويتساءل فالوز: "هل هناك مفر من تلك الدورات؟ بالطبع لا، لكني
سأقدم (درسا) تعلمته قبل 50 عاما في فصل مع البروفيسور ماي، وقبل 40 عاما، عندما
راقبت جيمي كارتر يزن خياراته، وقبل 15 عاما، عندما حذرت من مخاطر غزو العراق، وهو
يتعلق بأسلوب التفكير ونوع الخيال".
ويوضح الكاتب أنه "في الوقت الذي تحركت فيه إدارة بوش تجاه
الحرب بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، لم يكن بإمكان أحد أن يعلم المخاطر والفرص
المستقبلية، لكن، وبناء على اقتراح رئيس التحرير وقتها غولن ميرفي، بدأت بالكتابة
عن الاحتمالات الممكنة، وابتداء من ربيع 2002، كان واضحا أن فريق بوش اختار غزو
العراق، فقابلت عشرات المؤرخين والمخططين العسكريين والمتخصصين في احتلال ما بعد
الغزو، والناس من المنطقة؛ لمحاولة اكتشاف المزالق".
ويقول فالوز إن "النتيجة كانت في عدد تشرين الثاني/ نوفمبر 2002
(وكنا قد نشرناها على الإنترنت قبل ذلك بثلاثة أشهر أملا في تشجيع الحوار) في مقال
تحت عنوان (الولاية 51؟)، وارتكز على الحجة بأن الحرب ستكون الجزء الأسهل ولدرجة
خادعة، والجزء الأصعب سيبدأ بعد اقتلاع تماثيل صدام، وتبقى لأشهر وسنوات وعقود،
وذلك كله يجب أخذه في عين الاعتبار عند التفكير في اختيار الحرب".
ويذهب الكاتب إلى أنه "كان بإمكان الأمور أن تسير بشكل أفضل في
العراق لولا ارتكاب فريق بوش أخطاء تعكس عدم كفاء، ليس هنا المجال لذكرها، لكن ما
ارتكز عليه كل من قابلتهم من خبراء عسكريين وسياسيين، لديهم خبرة جيدة في الشرق
الأوسط في رفضهم للحرب، هو أنها ستكون صعبة، وتحتمل مفاجآت سيئة كثيرة، وأنه من
المؤكد أنها ستسير بشكل أسوأ مما يقول مؤيدوها، ولذلك قالوا إن على أمريكا أن
تمتنع عن الغزو ما لم يكن هناك خيار آخر تماما، فيجب ألا تكون الحروب قائمة إلا
على الضرورة، وهذه ستكون عبثا وحربا اختيارية".
ويرى فالوز أن "الفرق بين هؤلاء الذين كانوا يحثون على الحرب
بكل ثقة، وأولئك الذين كانوا يحذرون منها، هو أسلوب التفكير، ومعظم من تحدثت معهم
كانوا ضد فعل عسكري لا يمكن إلغاؤه، وقد تستمر نتائجه لأجيال، وفكرت في ذلك أيضا
إلى إمكانية تخيل المآسي، أو تصور ماذا يمكن أن يحصل، وكأن الشخص يرى النتائج في
حلم".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "أي أسلوب تفكير له تحيزاته
والنقاط العمياء التي يعاني منها، لكن من التاريخ الذي عشته أو قرأته، وجدت أن
الناس الذين مروا بتجربة الحرب يترددون في شن حروب مستقبلية، وهذا لا يجعلهم
مسالمين: فمثلا هاري ترومان، الذي شارك في الحرب العالمية الأولى، قرر أن يلقي
القنبلة الذرية، لكن أوليسيس غرانت ودوايت أيزنهاور وكولين باول (في معظم حياته
العملية عدا عن بيع غزو العراق للأمم المتحدة) كانوا جنرالات سابقين، وكانوا
حريصين على عدم إرسال الجنود للحرب، فكان لديهم ذلك الخيال للكارثة وإلى أين قد
تؤدي الحرب".
فورين بوليسي: ماذا على أمريكا فعله لروسيا بالشرق الأوسط؟
نيوزويك: ما هي فرص تنظيم الدولة للسيطرة على العراق ثانية؟
واشنطن بوست: هل يوجه ترامب ضربة عسكرية جديدة لنظام الأسد؟