نشرت صحيفة "تسايت" الألمانية تقريرا، تحدثت فيه عن الشكوك التي تحوم حول فوز الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا
ساركوزي، بالانتخابات الرئاسية لسنة 2007. ومن المرجح أن ساركوزي استغل الأموال التي تلقاها من الرئيس الليبي الراحل، معمر
القذافي، لتمويل حملته الانتخابية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إنه إذا ثبت صحة هذه الادعاءات ضد ساركوزي، فستكون أكبر فضيحة سياسية في تاريخ
فرنسا منذ عقود. فقد تلقى ساركوزي قرابة 50 مليون يورو من الديكتاتور الليبي، مقابل حصول القذافي على تكريم عسكري، فضلا عن تقديم وعود له بعقد صفقات تجارية مع فرنسا. لكن ساركوزي استغل هذا المبلغ لتمويل حملته الانتخابية، التي أضحى بعدها رئيسا لفرنسا.
وأكدت الصحيفة أن هذه الادعاءات ليست جديدة، ولكن في ظل ظهور أدلة جديدة، يخضع الرئيس الفرنسي السابق للاستجواب لأول مرة، وذلك منذ صباح الثلاثاء الماضي من قبل المحققين في قضايا الفساد. وتحتجز الشرطة ساركوزي منذ ذلك الوقت. قبل عدة سنوات، نشرت صحيفة "ميديابار" الإلكترونية، التي كشفت العديد من الفضائح السياسية خلال السنوات الماضية، تقريرا عن الأموال التي حصل عليها ساركوزي بطريقة مشبوهة.
ووثقت ميديابار شهادة العديدين في هذه القضية، التي بدأت سنة 2005، بعد زيارة ساركوزي لليبيا، وكان وقتها يشغل منصب وزير الداخلية. ومكث ساركوزي والقذافي بمفردهما في خيمة لعدة ساعات، رفقة اثنين من المترجمين. وبالفعل، اعترف مترجم القذافي أمام القضاء الفرنسي، بأن الرئيس الليبي وعد ساركوزي بتمويل حملته الانتخابية.
وذكرت الصحيفة أنه بعد ذلك الاجتماع بأسابيع، سافر رجل الأعمال الليبي المعروف، زياد تقي الدين، إلى باريس ومعه حقيبة مليئة بالأموال، ولم يوقفه أحد في مطار باريس. ووفقا لتقي الدين نفسه، كانت قوات الأمن الفرنسية على علم بمهمته، لذلك لم يعترض طريقه أحد، حيث توجه مباشرة من المطار إلى مقر وزارة الداخلية، وأغدق عليهم الملايين.
وأفادت الصحيفة بأن العديد من المسؤولين في وزارة الداخلية الفرنسية أدرجت أسماؤهم في هذه القضية، وأصبحوا في دائرة الاتهام، على غرار وزير داخلية ساركوزي، كلود جيان، المتهم بالتزوير وغسيل الأموال. وقد أنفق جيان ملايين النقود أثناء الحملة الانتخابية لساركوزي، كما أنه، ووفقا للمحققين في باريس، استأجر خزنة ضخمة في أحد البنوك الباريسية. وحسب التحقيق المبدئي، احتوت الخزنة على قدر هائل من الأوراق المالية.
ووفقا لصحيفة "لوموند" الفرنسية، تملك السلطات المعنية بمحاربة الفساد في باريس العديد من الدلائل على الخزائن السوداء التي مولت حملة ساركوزي. فقد كانت منافسته، سيغولين رويال، تتفوق عليه في كافة استطلاعات الرأي، فضلا عن أن حملتها الانتخابية كانت مميزة، بينما احتاج ساركوزي للأموال من أجل الترويج لنفسه. وفي الوقت ذاته، كان القذافي يسعى للعودة إلى ملعب التجارة الدولية بعد سنوات من الإقصاء السياسي والاقتصادي. وكان ساركوزي أول سياسي غربي يفتح ذراعيه للقذافي.
وأوردت الصحيفة أنه منذ سقوط القذافي إبان الربيع العربي، عمد المحققون الفرنسيون إلى استجواب العديد من قيادات نظامه. وصنفت محكمتان في فرنسا إحدى الوثائق الليبية بأنها المرجع الأساسي للقضية، وهي عبارة عن خطاب لرئيس جهاز المخابرات الليبية آنذاك وجهه إلى المسؤول عن أحد الصناديق المالية الليبية التابعة للحكومة، ينص على وجود اتفاق مبرم بين البلدين يقضي بحصول فرنسا على هذه الأموال. ومن جانبه، ادعى ساركوزي بأن الوثيقة مزورة، لكن التحقيقات أثبتت أنها أصلية.
ونوهت الصحيفة إلى أن ساركوزي أضر بنفسه عندما ادعى عدم صحة الوثيقة، ما دفع السلطات المعنية لتقصي الحقيقة، والوصول إلى المسؤول عن الصندوق المالي الليبي، الذي يدعى بشير صالح. واكتشفت السلطات أن صالح طلب اللجوء لفرنسا في عهد ساركوزي، وقد قوبل طلبه بالموافقة، إلا أنه فرّ إلى جنوب أفريقيا بمجرد بدء التحقيقات في القضية، بمساعدة موظفين في وزارة داخلية ساركوزي. ووفقا لميديابار، نجا صالح من محاولة اغتيال في شباط/ فبراير الماضي، بعد فترة قصيرة من موافقته على الإدلاء بشهادته في القضية.
وأفادت الصحيفة بأن هناك رجلا آخر دفع حياته ثمنا لقول الحقيقة، ألا وهو رئيس الوزراء الليبي السابق، شكري غانم. وذكر غانم في مذكراته بدقة حجم الأموال التي حصل عليها ساركوزي. وبعد انحيازه للشعب الثائر في
ليبيا سنة 2011، نفي غانم إلى النمسا، وعثر على جثته بعد يوم واحد من نشر خطاب رئيس المخابرات. وفي الوقت الذي أغلقت فيه السلطات النمساوية ملف وفاته سريعا، أكدت أجهزة الاستخبارات الأمريكية أن موته في هذا الوقت ليس من قبيل الصدفة.
وفي الختام، أوضحت الصحيفة أن احتجاز ساركوزي لدى الشرطة دليل على وجود أدلة دامغة لدى سلطات محاربة الفساد ضده. ويعتمد المحققون في بحثهم على عدد كبير من الوثائق الليبية وأقوال الشهود. ومن المثير للاهتمام أن ساركوزي كان من أوائل السياسيين الذين أيدوا التدخل العسكري في ليبيا للتخلص من النظام بأكمله. وتوقعت وسائل إعلام فرنسية أن ساركوزي أراد بذلك التخلص من القذافي نفسه، على اعتبار أنه قد يعتمد شاهدا ضده في هذه القضية.