نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للكاتب روبرت فيسك، يعلق فيه على انتخابات الرئاسة المصرية، مشيرا إلى أن نتيجتها محسومة لصالح السيسي، "الذي سيفوز في الانتخابات بفضل دعم أقباط مصر".
ويبدأ الكاتب مقاله بالقول: "ها نحن نقف أمام انتخابات (بوتيمكين/ صورية) للشعب المصري مرة أخرى، فهل الهدف هو خداع الشعب أم الإمبراطورة كاثرين نفسها، فهذه المرة المشير/ الرئيس عبد الفتاح السيسي يؤدي الدور".
ويقول فيسك في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إنه "في بلد اعتاد على الانتخابات الكاذبة، والصحف الكاذبة، والبرلمانات الكاذبة، عليك أن تتعجب من شجاعة وطاقة أولئك المصريين الذين سيخرجون للتصويت، وأستطيع أن أعدكم بأن السيسي، الذي صنع الناس من حبهم له الكعك والشوكلاته على صورة وجهه، حيث كان حبهم له نابعا من طرده للرئيس المتطفل وإن كان منتخبا، سيفوز في الانتخابات بأكثرية متوقعة".
وبجد الكاتب أنه "ليس هناك شك أيضا بأن من بين المؤيدين المخلصين سيكون، بل يجب أن يكونوا، مسيحيو مصر الأقباط، ولم يظهر البابا إلا الولاء للرئيس الذي فاز بـ96.1% من الأصوات في انتخابات عام 2014، وأقول يجب أن يكونوا لأن المسيحيين في مصر، كما المسيحيين في العراق وسوريا، لهم مكانة خاصة لدى أنظمة الشرق الأوسط، فهم أقلية، والأقليات دائما تحتاج إلى حماية، ومن الذي يستطيع توفير الحماية بشكل آمن أكثر من المستبدين الذين يحكمونهم؟ ويشكل الأقباط فقط 8% من الشعب المصري".
ويبين فيسك أن "هذا هو ملاذ الأقلية وقدرهم، بغض النظر عن مدى رغبة المسيحيين في العيش في مجتمع علماني بكرامة وعدل، عليهم أن يعتمدوا على حكام مسلمين ظلمة لحماية كرامتهم وتحقيق العدالة، وكان العنف المسيحي الإسلامي ينحصر في جنوب مصر، حيث هناك عداوة بين رجال الدين المسلمين والأقباط في القرى، وفي القاهرة أصبح الأقباط حديثا أهدافا سياسية، وقتلهم تنظيم الدولة والإسلاميون كجزء من الحملة للسيطرة على شبه جزيرة سيناء، والقضاء على نظام السيسي".
ويشير الكاتب إلى أنه "لذلك عمل السيسي بجد على كسب مسيحيي مصر، بل أكثر من ذلك، فإنه كسر الجو الذي خلقه السادات في مصر، عندما أعلن أنه رئيس مسلم يحكم (شعبا مسلما)، وعادى الأقباط لدرجة أنه سجن بابا الأقباط، وعلى عكس الحكام السابقين، فإن السيسي منح رخصا لبناء خمس كنائس جديدة في مصر، وقام بقصف الإسلاميين بغضب في ليبيا، بعد أن ذبحوا 21 قبطيا مصريا على شاطئ في ليبيا، وبنى كنيسة نصبا لهم في قريتهم، والأهم من ذلك كله هو أنه أول رئيس مصري يحضر قداسا في عيد الميلاد".
ويذهب فيسك إلى أن "المشكلة هي أن أي مسلم مصري يعارض السيسي -وليس فقط الإخوان المسلمين (الآن كلهم أصبحوا (إرهابيين) رسميا)، بل أي مسلم حتى المسلم من الطبقة الوسطى الذي يعاني بسبب (الإصلاحات) الاقتصادية، ويرزح تحت عبء التضخم الكبير، في ظل حكم رئيس قام باعتقال وتخويف أي معارض جاد، ليتخلى عن الترشح للانتخابات- قد يعد مواطنيه المسيحيين جزءا من نظام السيسي، وهذا للأسف ما أصبحوه عليه فعلا".
ويرى الكاتب أنه "لذلك، فإن الأقباط سيصوتون بإخلاص هذا الأسبوع لشخص تسيطر شرطته السرية على الحياة السياسية في مصر، كما أنها جعلت من التعذيب جزءا روتينيا من مهام الجهاز الأمني، الذي يعتقل ويضرب المعارضين السياسيين، والمدونين، والطلاب، وقدامى المحاربين الذين شاركوا في مظاهرات 2011 ضد حسني مبارك في ميدان التحرير، والصحافيين، والسياسيين ذوي الفكر الحر، وأصبح الإعدام والموت أثناء الاعتقال جزءا من الحياة المصرية، فمن بين 106 آلاف سجين تعتقد (هيومان رايتس ووتش) أن 60 ألفا منهم سياسيون".
ويجد فيسك أن "تدمير معارضي السيسي في الانتخابات قبل التصويت هذا الأسبوع كان سيبدو مسرحية هزلية لولا كونه مأساويا جدا في بلد كان يوما ما -خلال الاحتلال البريطاني مثلا- جريئا جدا، ويصر على المطالبة بالحرية والديمقراطية، وفي وقت آخر كانت القائمة الحزينة للمرشحين المحتملين ستشكل العمود الفقري لكوميديا مصرية، كتلك التي يعشقها المشاهدون في أنحاء العالم العربي".
ويلفت الكاتب إلى أن "أحمد شفيق، الذي كان المرشح المؤيد لمبارك، الذي نافس مرسي بعد ثورة عام 2011، أعلن عن ترشحه ثم سحب ترشحه بعد تعرضه لضغوط من نظام السيسي، ومحمد أنور السادات، ابن أخ الزعيم الأسبق أنور السادات، الذي يشبه عمه، هو أيضا اختار التراجع عن الترشح، وكان قبل أكثر من خمس سنوات بقليل يدعم (المسلم المحافظ) السيسي، وقال لي في مقابلة في وقتها بأن (الحل الأمني) (طحن الإسلاميين في صحراء سيناء) هو مجرد إجراء مؤقت؛ لأن (الناس يقولون إن هؤلاء إرهابيون عن الإخوان المسلمين، ويضغطون على الحكومة.. والإعلام أيضا في الاتجاه ذاته، وهذا لا يساعد، ويجعل الأمر أصعب بالنسبة للناس الذين يريدون المرونة وتقديم التنازلات، في مصر علينا أن نتعلم أن نعيش معا)".
ويستدرك فيسك بأن "العيش معا، على ما يبدو، يجب أن يكون الآن في (دولة عميقة) تحت قيادة الرجل الحكيم والخير، وبالإضافة إلى السادات، فإن محامي حقوق الإنسان خالد علي تراجع عن ترشحه، أما الإسلامي السابق، الذي ترشح لانتخابات 2012 الرئاسية، عبد المنعم أبو الفتوح، الذي قال إنه يجب عدم لوم الجيش بسبب سوء حكم السيسي، فإنه ببساطة تم اعتقاله بعد زيارة قام بها إلى لندن، وحتى الجيش نفسه ليست له حصانة من حكم السيسي، فقد تم سجن رئيس أركان الجيش السابق الفريق سامي عنان، بعد إعلانه نيته الترشح بفترة وجيزة، كما تم اعتقال مساعده هشام جنينة الرئيس السابق لجهاز التدقيق".
وينوه الكاتب إلى أن "موسى مصطفى موسى كان هو الرجل الوحيد الذي نجا من الإهانة، بعد أن قرر في آخر لحظة أن يترشح للرئاسة، وهو مؤيد متحمس للسيسي، وقال في مقابلة غريبة ومحرجة الأسبوع الماضي إنه لم يعتقل أحدا، وبأن عنان (خرق القانون العسكري)، وأن خالد علي ربما لم يحصل على التواقيع التي يحتاجها للترشح، وأضاف: (لا أعتقد بأن أحدا تم تهديده أبدا)، وهو يريد إعادة فتح المصانع وتوفير رواتب جيدة للفقراء والمتعلمين".
ويقول فيسك: "أما الذين تراجعوا عن الترشح -ويشكل هذا الموضوع شغل السيسي الشاغل- فهم (مدفوع لهم من الخارج)، ولذلك ليس غريبا أن يطالب الكثير ممن يعارضون السيسي بمقاطعة الانتخابات ببساطة".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "لكن المقاطعة لن تؤثر، وهذان رهانان شخصيان بالنسبة للانتخابات المصرية، أولا: النتيجة، لدي إحساس بأنها ستكون شيئا ما بين 93.73% و 97.37% للرئيس، أما رهاني الثاني هو: هل سيقوم الرئيس الأمريكي ترامب بالاتصال بالسيسي بعد نجاحه الانتخابي ليهنئه؟ بالتأكيد سيفعل، وسيقول له إنه (رجل عظيم) يقوم (بمهمة عظيمة)".
بلومبيرغ: لماذا يدعى المصريون للتصويت والنتيجة محسومة؟
إيكونوميست: في انتخابات مصر مرشحان ولا اختيار بينهما
إيكونوميست: ما هو سر تعكر مزاج السيسي قبل الانتخابات؟