في فيلم أرض النفاق يدخل (عويجة أفندي) غرفة مديره (الذي يلعب دوره فؤاد المهندس) حاملا ملفا متخما، تكاد أوراق تسقط من فرط ازدحامها، ثم يشرح بتفاني كيف أنقذ الشركة من ضياع أموال صُرفت بدون وجه حق، وكيف أرسل خطابا مسجلا مستعجلا بعلم الوصول إلى المقاول الذي بنى الشركة منذ 18 عاما، يخبره فيه بوجود شنكل ناقص في نافذة مكتبه بالشركة.
يستمر المشهد الساخر ليتضح أن عويجة أفندي أنفق على المراسلات ولجان الفحص التي شُكلت لبحث مشكلة الشَنْكَل، أربعمائة جنيه وهو مبلغ فادح وقت إنتاج الفيلم (الفيلم انتج سنة 1968) وضيع خمسمئة يوم عمل من أجل شَنْكَل ثمنه 44 مليما لم يقم المقاول بتركيبه.
الانقلاب هنا ومنذ سنة 2014 (وبعد أن عطل المفاوضات حوالي سنة) يمارس على الشعب لعبة شَنْكَل عويجة أفندي ويتعمد أن تصل المفاوضات إلى لا شيء.
واللعبة هنا معروفة، شكلنا أيها الشعب لجنة وتوصلت اللجنة الأولى بعد بحث الظروف التي أدت إلى البدء في بناء سد النهضة إلى أنه لابد من تشكيل لجنة لبحث الظروف التي أدت إلى كذا وهكذا دوامة لا تنتهي من البيروقراطية المقصودة لتضييع حق الشعب في مياه النيل.
في الأيام الماضية، ترددت في وسائل الإعلام جملة "فشلت مفاوضات سد النهضة والحكومة الاثيوبية تحمل مصر الانقلابية مسؤولية فشلها"!!
عفوا هذه جملة غير مفهومة، فحكومة أثيوبيا تتصرف مع الأمر بلا مبالاة من البداية وباستهانة واضحة تجاه الانقلاب، فما معنى أن تقول إن المفاوضات قد فشلت؟
هل كانت الحكومة الاثيوبية تريد ان تنجح المفاوضات فتتوقف عن بناء السد مثلا؟
ثم إن الانقلاب نفسه لا يهتم أن فشلت المفاوضات أم لم تفشل، بل إنهم لا يتفاوضون بجدية من الأساس ولا يتفاوضون على أي شيء، ومن الواضح أن الانقلاب هو من يلعب لعبة كسب الوقت لصالح بناء السد.
من المضحك تصور أن الانقلاب الذي قام بتهجير رفح ومهاجمة مدن سيناء وارتكب مجزرة رابعة وغيرها من المجازر واغتصب الفتيات في السجون وأسر عشرات الآلاف الذي لم يتورع من أجل الدعاية لنفسه عن ادعاء العلاج بالكفتة، ستأخذه الحمية للوصول لحل في موضوع سد النهضة.
ويبدو كوميديا بشدة أن يتصور البعض أن الانقلابيين الذين انفقوا مليارات من أموال الشعب على لافتات لعسكري الانقلاب وُزعت على كل ركن في مصر، قد يبذلون أي جهد لوقف الآثار المدمرة المتوقعة لسد النهضة.
أوشكت المفاوضات بين السلطات الأثيوبية والانقلاب في مصر على دخول عامها الرابع, دون تحقيق أي نتيجة تُذكر وقد صارت المفاوضات حول السد كحلقات المسلسلات الأجنبية التي يصل طول بعضها إلى مئات الحلقات.
ومن الواضح أننا نشاهد مسلسلا طويلا، وأن هناك من يحاول تخدير الجميع بأخبار عن مفاوضات لم تفلح في الوصول إلى شيء.
إن مصر مقبلة على مجاعة تكشر عن أنيابها ببطء. مجاعة ربما فاقت في ضراوتها وبسبب عدد السكان الكبير في مصر، الشدة المستنصرية التي وقعت في مصر منذ حوالي سبعة قرون حين أكل الناس القطط والكلاب.
إن مصر بصدد فقدان ملايين الفدادين من رقعتها الزراعية مع بدء تشغيل سد النهضة (فقدت جانبا من الرقعة الزراعية غير محدد حتى الآن) والاستغناء عن زراعة محاصيل بعينها تحتاج إلى الماء ثم موجة غلاء ضارية تأكل الأخضر واليابس في ظل انهيار قيمة العملة ومع عدد سكان كهذا، وإجراءات اقتصادية تخريبية متعمدة من جانب الانقلاب، فمن المتوقع أن تمر مصر بمرحلة غير مسبوقة من الغلاء والمجاعة ربما بدت بجانبها الشدة المستنصرية نكتة.
هذا إلى جانب أن النتيجة الأولى المتوقعة من جفاف وغلاء كهذا، هي هبوط ملايين جديدة إلى ما تحت خط الفقر، بينما تستمر رواتب الجيش والشرطة والقضاء في الازدياد وبينما لا يقدم الانقلاب سوى مفاوضات على طريقة (شَنْكَل عويجة أفندي).