نشرت مجلة "ذا أتلانتك" مقالا للصحفي والباحث في العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي شادي حميد، يقول فيه إن الوعد الحقيقي للنظام يكون في بعض الأحيان ببساطة هو القدرة على إزالة القادة.
ويبدأ الباحث مقاله بطرح السؤال الآتي: "ما هي الديمقراطية بالنسبة لك؟"، ويعلق قائلا: "قد يبدو هذا سؤالا واضحا، ومع ذلك فإن الخلافات على أهداف الديمقراطية تتزايد في الغرب، بما في ذلك أقدم الديمقراطيات وأكثرها تطورا، وتتضمن تلك الخلافات السؤال فيما إذا كانت الديمقراطية هدفا بحد ذاتها، أم إنها وسيلة إلى هدف أسمى".
ويستدرك حميد في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بأنه "يمكن لأمريكا وأوروبا أن تتعلما شيئا من ماليزيا، التي كان ينظر إليها لفترة طويلة على أنها شبه ديمقراطية معيبة".
ويشير الكاتب إلى أنه "في انتخابات هذا الشهر خسر الحزب الحاكم، المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة (أمنو) بصفته جزءا من تحالف الجبهة الوطنية، قبضته على السلطة لأول مرة منذ الاستقلال عن بريطانيا، وجاء مهاتير محمد مكان نجيب رزاق رئيسا للوزراء، بالإضافة إلى أن زعيم ائتلاف الأمل أنور إبراهيم، الذي كان يقضي عقوبة بالسجن مدتها 5 سنوات، بتهمة ارتكاب اللواط، التي تبدو كأنها تهمة ذات دوافع سياسية، وأطلق سراحه بعد حصوله على عفو كامل، قد يصبح في المحصلة هو رئيس الوزراء، وهذه الأحداث تذكر بنوع آخر من النشوة الديمقراطية، كما تتناقض تماما مع التشاؤم الذي اعتاد عليه المواطنون في الدول الغربية، فالانتخابات تترك عواقب وتبعات".
ويلفت حميد إلى أن "في الديمقراطية الغربية عادة ما يكون هناك افتراض غير معلن عنه بأن الديمقراطية يجب أن تؤدي إلى نتائج سياسية أفضل، وظائف برواتب جيدة، ومدارس أفضل، ومستوى حياة أفضل مثلا، وترتبط شرعية الديمقراطية بالأداء، وقال لنا زعماؤنا -وكذلك من يعيشون في ديكتاتوريات في الخارج- بأن الديمقراطية ستجعل من الإجماع والتوافق والرؤية الوطنية المشتركة أكثر احتمالا، لكن الديمقراطية لا تتعلق مبدئيا بهذه الأمور، وأخطأ السياسيون الغربيون في إصرارهم على أنها تتعلق بها، وهذا رفع من مستوى التوقعات إلى مستويات لا يمكن تحقيقها. (وعادة ما تظهر الديمقراطيات الشابة مستوى أعلى من الاستقطاب، وتبقى المسائل المتعلقة بالهوية والإثنية والدين دون حل)، وقد تصبح الهوة بين التوقعات والواقع كبيرة جدا، إن لم يتم الوفاء بوعود حياة ومجتمع أفضل".
ويقول الباحث، "لأنه لم يتحقق سوى عدد قليل من النجاحات الديمقراطية في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى فشل الربيع العربي، فإنه من السهل ألا نلاحظ الوعد الأساسي للعملية الديمقراطية حتى المعيبة: هي أن المواطنين -بغض النظر عن سوء الوضع أو فساد القيادات- يمتلكون نظريا القدرة على التغيير، فهم ليسوا بلا سلطة، ويمكنهم التنظيم، ويمكنهم حجز الفعل التنفيذي، ويمكنهم المعارضة".
ويرى حميد أن "إمكانية التغيير هذه هي آخر ملجأ في الديمقراطية المعيبة قبل أن تتحول إلى استبدادية انتخابية، ففي أنظمة مثل فنزويلا في سنوات تشافيز الأخيرة، كان هناك تنافس في الانتخابات، لكن فرصة فوز المعارضة ليست واقعية؛ بسبب تفشي الغش، وتخويف الناخبين، وقبل الانتخابات الأخيرة في ماليزيا كانت هناك خشية بأن ماليزيا ستتبع طريقا مماثلا، خاصة بعد أعمال إبداعية من الغش، جعلت بعض الدوائر الانتخابية أكبر من غيرها بأربع مرات، وكان ذلك تحركا كلاسيكيا: تم التقليل من ممثلي المناطق الكبيرة في المدن، التي تصوت للمعارضة في العادة، بحيث أصبح تمثيلها أقل من المناطق النائية، التي تصوت في العادة لصالح الحكومة".
ويجد الكاتب أن "رئيس الوزراء نجيب رزاق أصبح مثالا آخر للتوجه العالمي لسياسة الرجل القوي -وقد وصفه ترامب قائلا بأنه (رئيس الوزراء المفضل لدي)- فبالإضافة إلى تسييس المحاكم وتكميم الإعلام، تورط نجيب في فضيحة فساد تم فيها ظهور مئات ملايين الدولارات من صندوق الاستثمارات في حسابه الشخصي، ما استدعى فتح تحقيق من وزارة العدل الأمريكية".
ويقول حميد: "كان يمكن أن تكون هذه هي (آخر فرصة) انتخابات، وبدلا من ذلك قد تكون بداية عملية دمقرطة أعمق، فالانتخابات، حتى مرة واحدة قد تكون لها آثار كبيرة، فهناك أمر رائع مثلا حول مفهوم يعد عاديا هذه الأيام، بينما كان في وقت ما متطرفا، فأن يسلم حزبا السلطة سلميا ليحل محله حزب آخر، فإن هذه الفكرة كانت لفترة طويلة من التاريخ الإنساني مضحكة، ولا يمكن تصورها".
ويستدرك الباحث بأن "لا شيء من هذا يعني أن الديمقراطية هي نوع من الترياق، فالديمقراطية هي حل طويل الأمد لمشكلة إدارة الصراع بشكل سلمي، وتعني أيضا إعطاء المواطنين الخيار لتغيير ممثليهم، وتجريب مرشحين مختلفين وأحزاب مختلفة، وحتى إيديولوجيات مختلفة، إنها تتعلق بشعورك بصفتك مواطنا أن باستطاعتك تغيير بلدك، وأن أمتك تعتقد أنك مهم، نظريا على الأقل، لتكون لديك تلك السلطة".
ويعتقد حميد أن "هذه المشاعر مهمة، وربما هي الأهم، لكنها لن تترجم إلى مستويات أفضل من النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى أنه من المحتمل أن يكون أداء حكومة أكثر استبدادية من ناحية تكنوقراطية بحتة أفضل على المدى القصير على الأقل، والنموذج الصيني يقدم أدلة قوية على ذلك، حيث كتب العالمان دينغزين زهاو و هونغزينغ يانغ: (تطور الاقتصاد الصيني بسرعة في ظل نظام استبدادي لديه إمكانية كبيرة في التلاعب في الأنشطة الاقتصادية)".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "تذكرنا ماليزيا بأنه لا يوجد بديل عن أهم وظائف الديمقراطية: فرصة ألا تكون النتائج السياسية دائمة، فهناك التدافع والتنافس الديمقراطي الطبيعي بكل الفوضى، لكن تلك الفوضى والتخوف من المجهول يمكن أن يكونا شيئا جيدا، رئيس وزراء سابق يبلغ من العمر 92 عاما ينتقل إلى المعارضة ويقودها بالتعاون مع الشخص الذي تسبب بسجنه، لا حاجة للأخطاء أن تتشابك مع هوية البلد، بل يمكن التراجع عن الأخطاء، وفي ماليزيا في صندوق الاقتراع تم التراجع عن إحدى تلك النتائج".
الغارديان: كيف تكشف الانتخابات العراقية عن نفوذ إيران؟
التايمز: هكذا يمكن لماليزيا في ظل مهاتير أن تكون قدوة
وول ستريت جورنال: هل يتصرف أنور إبراهيم كمانديلا؟