خيم التناقض على مشاهد الإعلانات التجارية التي تبث عبر الفضائيات خلال شهر رمضان، حيث تنقسم لإعلانات تسوقية للعقارات والفيلات والشقق الفاخرة ولأحدث الأجهزة الاستهلاكية والترفيهية وشركات الاتصالات، وبين الإعلانات التي تدعو المصريين إلى التبرع بأموالهم للمرضى وللفقراء.
وتمثل النوعية الأولى استفزازا لملايين المصرين الذين يعيشون تحت خط الفقر، حيث تُظهر مستوى معيشيا مختلفا عن حال الحواري والأزقة والقرى التي تعيش وسط القمامة والصرف الصحي، وبينها إعلان تظهر فيه الفنانة يسرا ظهر لأول مرة مساء الاثنين، وصفه البعض عبر مواقع التواصل بأنه يكرس للطبقية في مصر.
أما النوعية الثانية، فتثير نفور البعض لما تعرضه من مشاهد لأطفال مرضى ونساء مصابة بالسرطان، وأسر تعيش في مناطق عشوائية، وأخرى تسكن بيوت بالخوص بلا ماء ولا صرف صحي ولا كهرباء.
ووسط حشد من النجوم بلغ نحو 45 فنانا ومطربا ولاعب كرة وإعلاميا بعضهم غاب عن دراما رمضان، لكنه كان حاضرا وبقوة في أكثر من إعلان. ويقدر متوسط تكلفة إنتاج الحملة الإعلانية بنحو 15 إلى 25 مليون جنيه، بخلاف تكلفة إذاعتها عبر الفضائيات والإذاعات.
وقدمت الإعلانات المصحوبة بالنجوم أصحاب الأجور المليونية سباقا في عروض الموضة والديكور والأثاث واللقطات من فوق الشواطئ، ومن داخل الفنادق الكبرى، وملاعب الجولف، ووسط نهر النيل، والكمبوندات المحاطة بأفراد الأمن، وسفرات عامرة بأفخر أنواع الطعام والمطابخ العالمية، إلى جانب الإبهار والخدع البصرية، فيما تصدرت إعلانات شركات المحمول الثلاثة حالة استفزاز الفقراء بإعلان مدته لا تقل عن دقيقتين لكل شركة.
ومثل إعلان ترويجي لمدينة سكنية بالتجمع الخامس بالقاهرة حالة من الاستفزاز أيضا، خاصة أنه يربط بين السكن بتلك المدينة والحياة في دول أوروبا، لا سيما شوارع ومنتجعات إيطاليا.
وحمل إعلان يدعو للتبرع لجمعية مصر الخير التي يشرف عليها مفتي مصر السابق، على جمعة، استفزازا كبيرا؛ نظرا لما يحتويه من مشاهد بذخ في الطعام والملبس والديكورات، إلى جانب حشد عدد كبير من النجوم.
وكشفت بعض إعلانات الأجهزة المنزلية حالة الاستعلاء الواضحة من الطبقة العليا على الطبقات الفقيرة، مثل إعلان "تورنيدو" و"يونيون إير"، الذي يعرض لإمكانيات أحدث الأجهزة المنزلية، والتي لا يقدر ملايين المصريين على شرائها.
وعلى الرغم من أن إعلان الدعاية للتبرع لمستشفى القلب مجدي يعقوب، خلا من مشاهد مؤلمة يظهر بها أطفال مرضى بإعلانات أخرى، إلا أنه بدا إعلانا في بلد أوروبي وبأطفال غير مصريين الهيئة ولا الشكل والملبس، ويخالف حقيقة ما يعيشه مئات الأطفال الموجودين يوميا على أبواب مستشفيات أبو الريش للأطفال ومعهد القلب القومي ومعهد ناصر ومستشفى القصر العيني ومستشفيات الجامعات بعواصم المحافظات.
ومع أن إعلان "بنك مصر" حمل كثيرا من التفاؤل والدعم للشاب على خوض تجربة المشروعات الصغيرة بطرح شعار "هتقدر"، و"طلعت حرب راجع"، إلا أن تجربة الشباب مع نفسك البنك بعد إعلان رمضان الماضي كانت سيئة، حيث فوجئوا بطلبات تعجيزية من البنك حالت دون استكمال مشروعاتهم، وذلك حسبما أكد بعض الشباب لـ"عربي21".
مستفزة ولا تأتي بمردود
وفي تعليقه على حالة التناقض في تلك بالإعلانات، أكد الكاتب الصحفي أسامة الألفي، أن "عالم الإعلان يبحث عن الربح÷ ومن الطبيعي أن يروج لما يريده صاحب الإعلان: عقارات، وسلع استهلاكية، وغيرها"، موضحا أن "جميعها موجهة لفئات معينة، هي من تملك المال أو شيئا منه".
الألفي، أضاف لـ"عربي21": "وفي المقابل، توجد الإعلانات التي تدعو إلى التبرع لمشروعات عامة أو خيرية، وهذه لا تجد صدى؛ لأن الشعب لم يعد قادرا عن الاستغناء عن جنيه واحد، وصار لسان حاله يقول (القرش الذي يحتاجه البيت يحرم على الجامع)".
وبين مساعد رئيس تحرير الأهرام الأسبق، أن "تصريح رئيس جمعية الأورومان الخيرية الذي أراد به نفاق القيادة السياسية بزعمه أن مصر لا يوجد بها فقير، استفز الشعب؛ لأن الجمعية تجمع ملايين سنويا تحت دعوى مساعدة الفقراء والمحتاجين".
وتساءل: "إلى أين تذهب التبرعات والبلد ليس بها فقير، على حد زعم رئيس الجمعية، مشيرا إلى أن "أمريكا أغنى بلد في العالم لا يستطيع مسؤول فيها نفي وجود فقراء، وكذلك الشأن في دول أوروبا الغنية والمتقدمة. فكيف يخرج علينا هذا الشخص بزعمه المثير للعجب؟".
وقال إن "الخلاصة هي أن الشعب أصلا لم يعد قدرا لا على الشراء ولا التبرع، وهذه الإعلانات تستفزه، ولا تأتي بمردود".
إبهار تعجيزي للأغلبية
وفي مقال له، قال رئيس التحرير التنفيذي لـ"اليوم السابع"، أكرم القصاص، "إن كانت إعلانات المنتجعات والكومباوند والمدن تطورت، وأصبحت أكثر إبهارا، وتكاد تقدم الأحلام والخيال في إعلانات عن مشروعات لم يبدأ بناؤها من الأساس، ومع هذا فإنها توجه لشريحة صغيرة من المواطنين، ليسوا بالطبع من بين الأغلبية".
وأضاف أنه "لا يمكن تجاهل حجم الاستفزاز في إعلانات المنتجعات والمدن الفاخرة، التي كانت ولا تزال تمثل إبهارا تعجيزيا لأغلبية المشاهدين، خاصة أن أغلبها مبالغ فيه، وبعضها لم يبدأ، والحملات الإعلانية هدفها جذب أموال كمقدمات يمكن توظيفها في البناء وانتظار المزيد من الأموال".
"العشة ولا القصر"
وعبر عن تلك الحالة الناشط أحمد علي حسان، بقوله: "مصر.. العشة ولا القصر"، مضيفا عبر "فيسبوك" أن "إعلانات رمضان تفضح التركيبة الطبقية التي أصبحت عليها مصر؛ فهي إما تلك الطبقة التي تزداد اتساعا والمسرفة في الفقر والجهل والمرض، أو تلك الطبقة المسرفة في الغنى الفاحش".
وأكد أن "الغريب أن كل إعلانات التبرعات موجهة غالبا، بل ويستجيب لها غالبا أيضا طبقة وسطى تتآكل يوما بعد يوم، وتجاهد للحفاظ على ما تبقى من وضعها الاجتماعي دون السقوط".
لماذا اختفت موائد الرحمن في مصر؟
وزير ري مبارك يكشف عن آخر ورقة مصرية لمواجهة سد النهضة
أسعار "ياميش رمضان" تقفز وتنغص على المصريين فرحتهم