نشرت صحيفة
"
ريغار" الفرنسية تقريرا سلطت من خلاله الضوء على مسألة إعادة إعمار
سوريا بعد سنوات الحرب التي عصفت بها، حيث تخفي وراءها نوايا بشار الأسد في إعادة
تشكيل المشهد الديمغرافي في البلاد.
وقالت الصحيفة في
تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إنه من الممكن أن يمنح الاتفاق الدولي،
الذي بدأ بالتشكل حول الوضع في سوريا، الفرصة لبشار الأسد لفرض سيطرته الكاملة على
البلاد. فقد كانت الأجواء جيدة يوم الخميس
الماضي في سان بطرسبرج، خاصة وأنه قد تم تجاوز غضب موسكو على خلفية الضربات
الفرنسية التي استهدفت مواقع تابعة لنظام بشار الأسد.
وعموما، رحب كل من
إيمانويل ماكرون وفلاديمير بوتين بالتقارب الذي جمع بينهما حول موضوع الملف
السوري. وبالمناسبة، أعلن القائدان عن جملة من التدابير، على غرار إعداد
الانتخابات ووضع دستور جديد والتنسيق لعمليتي سلام موازيتين.
وأشارت الصحيفة إلى
أنه فضلا عن المشاكل التي تطرحها التوترات السياسية والصراع المتواصل، سيكون من
الصعب إعادة الحياة إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب في سوريا. فقد عصف النزاع بالاستقرار النسبي الذي عرفه
الاقتصاد قبل سنة 2011، كما ألحق أضرارا جسيمة ودمَر البنى التحتية.
ولإعمار سوريا من
جديد، يجب إعادة بناء مجمعات عقارية كاملة، ناهيك عن مؤسسات الصحة والتعليم، التي
استهدفها الطيران العسكري السوري. من ناحية أخرى، قلص العقوبات التي سلطها المجتمع
الدولي من عدد الشركاء التجاريين لسوريا. لذلك، يسعى النظام للاعتماد على حليفيه
العسكريين،
روسيا وإيران، للحصول على عقود مشاريع تُعيد الحياة لهذه الدولة. في
المقابل، لا تكفي الموارد المالية لهذين البلدين لإعادة بناء سوريا.
وذكرت الصحيفة أنه
يمكن أن يكون للاتحاد الأوروبي دور فعال. ففي الوقت الحالي، تكتفي الدول الأوروبية
بتقديم مساعدات إنسانية تُلبي الاحتياجات الطارئة في سوريا، على غرار الرعاية
الصحية والتغذية وتوفير المياه الصالحة للشرب. وتجدر الإشارة إلى أن قيمة هذه
المساعدات ارتفعت منذ بداية النزاع، لتتجاوز 10.6 مليارات يورو. لكن، بحلول سنة
2017، أشار الاتحاد الأوروبي إلى تخصيص ميزانية تدعم إعادة بناء سوريا، بعد وقف
الأعمال العدائية فيها.
على العموم، تظن
أوروبا أنها قادرة على استخدام هذه الميزانية للضغط على النظام. ففي شهر
نيسان/أبريل سنة 2017، أكدت بروكسل أن أي مساعدة لإعادة الإعمار تشترط أولا حدوث
"تحول سياسي حقيقي". ويكمن الهدف من وراء ذلك في إجبار النظام على تقاسم
السلطة مع المعارضة، مقابل دعمه اقتصاديا.
وتطرقت الصحيفة إلى
أنه لن يكون لهذا الابتزاز الاقتصادي أي نتائج تُذكر، ذلك أن الأسد لا يخشى
العقوبات والتهديدات. بالإضافة إلى ذلك، تطرح مسألة الدعم الأوروبي خطر استخدام
أموال
إعادة الإعمار لإضفاء الشرعية على النظام وعلى سياسته الرامية إلى إعادة
تشكيل المناطق الحضرية وإحداث تغييرات ديمغرافية في سوريا.
من خلال اختيار أهداف
هجماته خلال الحرب، لم ينتظر بشار الأسد تدخل الأوروبيين لإعادة بناء سوريا. فقد
أفادت الباحثة ليلى فيجنال، وهي أستاذة محاضرة متخصصة في الجغرافيا في جامعة رين
2، أن سبب تدمير المناطق التي تُسيطر عليها المعارضة السورية لا يعود فقط للنزاع
الداخلي بين النظام وجزء من شعبه، وإنما للإستراتيجية الشاملة التي تهدف إلى إعادة
تشكيل المشهد الحضري.
وأوردت الصحيفة أن
النظام السوري دمر أحياء بأكملها، باستعمال الجرافات والمتفجرات. ولم تكن هذه
المناطق خاضعة لسيطرة المعارضة فحسب، بل قطنها فقراء، احتلوا مواقع تتواجد فيها
أراض ذات قيمة عقارية عالية، على غرار منطقة القابون، الواقعة شمالي دمشق. في
تبرير له لتدمير المساكن غير القانونية أو غير الرسمية، أفاد النظام بأن هذه
المواقع تلبي متطلبات التخطيط الحضري أو مشاريع لإعادة التنمية. وعلى إثر ذلك، تمت
إعادة توزيع العقود العقارية الجديدة والمتعلقة بهذه المناطق على شركاء خاصين
مقربين من النظام.
وأفادت الصحيفة أن
بشار الأسد لا يخفي نواياه، كما لا تندرج مسألة عودة السوريين ضمن خطته لإعادة
الإعمار. وفي أول أيام شهر تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2016، أشار الرئيس السوري إلى
أن "النسيج الاجتماعي السوري اليوم أفضل مما كان عليه قبل الحرب". أما في
20 آب/أغسطس سنة 2017، فقد هنأ الأسد نفسه بنجاحه في إعادة التنظيم الديموغرافي في
سوريا.
كما صرح الأسد في
الوقت ذاته أنه تمكن من "الحصول على مجتمع أكثر نقاء وتجانسا شكل أساس الوحدة
الوطنية". وصلب هذه الرؤية لسوريا الموحدة، من الصعب معرفة المكان الذي سيخصص
لمعارضة من المفترض أن تشملها عملية الإنتقال الديمقراطي.
وفي الختام، قالت
الصحيفة إنه في إطار السباق بين الترحيل وإعادة الإعمار، من الضروري ألا يستخدم
الاتحاد الأوروبي أمواله لمساعدة النظام السوري على تطبيق سياسة تغيير ديموغرافي
لا تخدم سوى مصالحه. فلا يتمثل الخطر فقط في الاعتقاد خطأ بأن سوريا باتت آمنة
كفاية لتعيد استقبال مواطنيها اللاجئين من جديد، بل في تمويل مشروعية سوريا التي
يحلم بها بشار الأسد.