لا أحد هذه الأيام يتحرك بحرية على الأراضي اليمنية محاطاً بالجلال والتقدير أكثر من السفير السعودي محمد آل جابر؛ الذي أضافت إليه حكومته مؤخراً منصب المشرف العام على البرنامج السعودي لإعادة الإعمار في اليمن.
ففي وقت سابق من الشهر الماضي، زار السفير آل جابر محافظة أرخبيل سقطرى في أعقاب الأزمة العاصفة التي ضربت العلاقة بين الشرعية والإمارات. وهناك وعد بتكفل بلاده بتأمين الاحتياجات التشغيلية للمحافظة وإغاثتها، مؤذنا بتلاشي التغول الإماراتي في هذا الأرخبيل، لكن دون ضمانات حقيقية بأن الأطماع الإماراتية الوقحة في هذه الأرض اليمنية قد ألجمت بالفعل.
وخلال اليومين الماضيين، وصل السفير آل جابر فجأة إلى محافظة مأرب التي تشكل العاصمة الأكثر حيوية لما تبقى من نفوذ السلطة الشرعية في البلاد. وهناك وَعدَ السفير بإنشاء مطار إقليمي في هذه المدينة التي يسكنها مئات الآلاف من اليمنيين الذين نزحوا من مختلف محافظات البلاد؛ للقتال في صفوف الجيش الوطني، وللحصول على ملاذ آمن لحريتهم وكرامتهم.
زيارة آل جابر شملت أيضاً محافظة المهرة، وقد وصف الإعلام التابع للتحالف هذه الزيارة بالتفقدية.. وعلى الرغم من وجود وزير الأشغال العامة اليمني، المهندس معين عبد الملك، برفقة السفير، إلا أنه لا يكاد يذكر، على الرغم من كفاءة هذا الوزير التي تكرسه واحداً من أكثر أعضاء الحكومة نشاطاً وخبرة، بالإضافة إلى ما يتمتع به من علاقات دولية واسعة.
لا يمكن أن نتجاهل ما تعنيه زيارة هذا السفير الذي يبدو معها أقوى المؤثرين في الساحة اليمنية
لا يمكن التقليل من الأثر الإيجابي لزيارة السفير السعودي على اليمنيين الذين يمرون هذه الأيام بواحدة من أسوأ المراحل في تاريخهم المعاصر، في ظل الانهيار المريع للاقتصاد الوطني، والخسائر التي تكبدها ويتكبدها الناس في حياتهم واقتصادياتهم، بالإضافة إلى الأثر السيئ الذي خلفته سياسات التحالف في المناطق التي اندحر منها الحوثيون وأصبحت تحت السيادة الاسمية للسلطة الشرعية، فيما حركة اليمنيين فيها محفوفة بالمخاطر الجسام.. غير أننا لا يمكن أن نتجاهل ما تعنيه زيارة هذا السفير الذي يبدو معها أقوى المؤثرين في الساحة اليمنية، وصاحب القرار الأول، على الرغم من أن دوره هذا يأتي من زاوية الدعم المقدم من الحكومة
السعودية لليمن، ومع ذلك لا نراه إلا تعبيراً عن إرادة خارجية تتحكم بالشأن اليمني، في ظل التغييب المتعمد لرموز البلاد ومسؤوليها عن الساحة واحتواءً، بل وإعداماً معنويا وميدانياً لأدوارهم وتأثيرهم.
فلقد ضاقت الجغرافيا اليمنية على السلطة الشرعية وعلى مؤيدي هذه السلطة، وضاقت على المقاتلين في ميدان المواجهة مع الحوثيين تحت مظلة الشرعية، والمؤمنين بالدولة اليمنية الديمقراطية، وبات الجميع إما في المنفى، أو أنه ملاحق بالتهم الجاهزة داخل الأرض التي انزرع فيها بإرادة من يصر على استعادة دولته وحريته بأي ثمن.
الأكثر بؤساً في مشهد التغييب القسري للدولة اليمنية، من جانب التحالف، ما يعكسه إعلام التحالف ونشطاؤه الذين لا يكفون عن التعريض بالشرعية ورجالها ومؤيديها ويصفونهم بأنهم مجرد "شرعية فنادق"
والأكثر بؤساً في مشهد التغييب القسري للدولة اليمنية، من جانب التحالف، ما يعكسه إعلام التحالف ونشطاؤه الذين لا يكفون عن التعريض بالشرعية ورجالها ومؤيديها ويصفونهم بأنهم مجرد "شرعية فنادق"، في مقابل "شرعية الخنادق" التي يؤسسها التحالف بأدوات متصارعة.
ففي الساحل الغربي لليمن، تنعكس بشكل صارخ السياسة الملغومة للتحالف في اليمن التي تدفع بمقاتلين تحت رايات متضادة إلى مواجهة المليشيا الانقلابية، لتحقيق الهدف الملح للمملكة العربية السعودية، والمتمثل في إحكام السيطرة على الساحل الغربي، بما في ذلك مدينة الحديدة وميناؤها، لمنع وصول الصواريخ والأسلحة الأخرى إلى الحوثيين، على الرغم من الأهمية الحيوية لتحقيق هذا الهدف بالنسبة للسلطة الشرعية.
في الساحل الغربي لليمن، تنعكس بشكل صارخ السياسة الملغومة للتحالف في اليمن التي تدفع بمقاتلين تحت رايات متضادة إلى مواجهة المليشيا الانقلابية
للأسف لا يوحد هؤلاء المقاتلين متعددي الرايات والأهداف سوى الدعم المادي للتحالف وإغراءاته؛ التي تتطابق مع النزعات الثأرية لأصحاب هذه الرايات وأهدافهم التي تبدو أبعد ما تكون عن الدولة اليمنية ومصالحها العليا.
لذا لا يمكن أن يكون السفير محمد آل جابر بأي حال من الأحوال بديلاً عن حضور السلطة الشرعية ورموزها على الساحة اليمنية، فهذا السفير لا يجب أن ينفرد بالحركة في البلاد، مهما بلغ نفوذ بلاده، وحتى لو كان يحمل صرة ضخمة من النقود ويوزعها على الناس في البيوت والمساجد والزوايا.