في غمرة نشوة أحدنا بفرح ما تجد آخر غارقا بأحزانه، ومع سعادة شخص بأرباح اكتسبها وتجارة نمّاها ترى مقابله من أثقلته ديونه، وبين يدي شخص يوقع عقد عمل جديد إنسان فقد للتو عمله وجاءه كتاب إنهاء خدمته، وفِي لحظة إنفاق أحدنا مبلغا ما في استجمام ما نجد غيره وقد اغرورقت عيناه بالدموع أمام عجزه عن توفير طلب بسيط لطفله.
بيد أن من أكثرهم معاناة امرؤ تبدلت حاله وتراجعت أموره من غنى إلى فقر و من يسر إلى ضيق؛ فبعد أن بسطت له أمور الدنيا أصبح بين عشية وضحاها عاجزا لا يجد قوت يومه، تحسبه غنيا من التعفف وإن رأيت أناقته لا تشك ولو للحظة واحدة بصعوبة أوضاعه، تلك الثياب التي لو فتشتها لن تجد فيها ورقة نقدية تذكر.
أحدهم فقد عمله وانقطع دخله منذ شهور، آخر له عمل ومستحقات يعجز مشغّله لسبب أو آخر عن دفعها له، وغير بعيد ثالث خسر تجارته و أصبح غارما أثقلت كاهله الديون، ناهيك عن متوسط دخل لم يعد مورد رزقه يكفي تكاليف الحياة الآخذة بالارتفاع كل يوم، تعددت الأسباب والنتيجة ذاتها في البؤس وضيق ذات اليد وفقر الحال.
وإن نظرت له تجد عيناه تحدثان بالكثير مما عجز لسانه عن النطق بها، وأنت أمامه تتصرف بمقدار فهمك وأخلاقك معا، كيف فهمت رسالته وضيق ذات يده وبنفس الوقت تراعي عزة نفسه وتحفظ له كرامته؛ فعيناه تطلبان المساعدة ولسانه منعقد عن التعبير بذلك.
بإمكانك باختصار أن تتغابى أو تتجاهل كل هذه الرسائل وتمضي في طريقك،كما نفعل في كثير من الأمور التي نعدم الحيلة أمامها.
ولكن أكاد أجزم و أعدك -إن كنت نقيا- أن جسدك سيغادر ويذهب بعيدا ولكن فكرك سيبقى عنده وبه لصيقا، وهذا يدل على أصالة معدنك وعجز يديك.
فإن كان هُو يحمل همه تغادره وأنت تحمله هو وهمّه مضافا لهما هم عجزك عن أن تكون وسيلة لتفريج همه.
قد تزيح عن كاهلك جزءا من ذلك الحمل؛ إن سعيت لتخفيف همه وتضميد جرحه فأنت وحدك قد تلقيت حديث عينيه وأنت القادر على ترجمة تعابيرهما، لا تتركه خلفك محروما حاول ولو كنت لا تملك، استعن بصديق تحدث مع آخر أرسل رسالة لثالث لا تجلس مكتوفا وهو يعاني تتفرج وهو يتألم و تذرف الدموع لأجله، وهو كما قالوا أحوج لفعل يديك من دموع عينيك.