نشرت دورية "فورين أفيرز" مقالا للزميل البارز في مؤسسة "تشاتام هاوس" في لندن، والمتخصص في شؤون اليمن بيتر سالزبري، يتساءل فيه عن سبب الحرص الإماراتي على القيام بعملية في ميناء الحديدة اليمني.
ويتساءل سالزبري: هل ستقوم الإمارات بذلك لأنها تريد إكمال سيطرتها على موانئ اليمن كلها، أم إنها تريد تغيير الدينامية السياسية اليمنية؟ ويرى أن السبب الأخير هو الصحيح، مشيرا إلى أن المعركة على الحديدة قد تغير مسار الحرب الجارية منذ أكثر من ثلاثة أعوام، لكنها قد تأتي بثمن باهظ.
ويقول الكاتب إن "عملية (النصر الذهبي)، التي أعلنت عنها الإمارات العربية المتحدة في 13 حزيران/ يونيو، التي تهدف للسيطرة على ميناء الحديدة، وطرد الحوثيين منه، تهدف إلى تغيير بنية القيادة السياسية اليمنية، ووضع حلفاء أبو ظبي في موقع قوي عندما تنتهي الحرب، ولهذا السبب فإن من الأسماء المقترحة لإدارة الميناء بعد إخراج الحوثيين منه، هو طارق صالح ابن شقيق الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وقائد قوات الحرس الجمهوري، التي تقاتل الآن في صفوف المعارضين للحوثيين، بعدما كانت متحالفة معهم في العام الماضي".
ويحذر سالزبري في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، من الآثار الإنسانية على المدنيين، مشككا في قدرة التحالف الذي تقوده السعودية على تشغيل الميناء بسرعة كما يزعم بعد طرد الحوثيين، لافتا إلى أن عملية الحديدة ستكون حافزا للإمارات للسيطرة على تعز، ومواجهة حلفاء الرئيس عبد ربه منصور هادي من جماعة الإصلاح، وبالتالي إنهاء وجود الحوثيين وحزب الإصلاح المرتبط بحركة الإخوان المسلمين، ويعتقد أن "السعودية ستوافق على الترتيب الإماراتي طالما أوقفت الصواريخ الحوثية".
ويشير الكاتب إلى أن التحالف قرر في آذار/ مارس 2015، الرد على انقلاب الحوثيين في أيلول/ سبتمبر 2014، وسيطرتهم على العاصمة صنعاء، وكان التحالف يأمل بنصر سريع، إلا أن الحملة دخلت حالة من الركود، ترافقت معها محاولات عابثة لإقناع المتصارعين على حل سياسي، وكانت آخر محاولة للتسوية قد انهارت في عام 2016، وفي الوقت ذاته انهار الوضع الإنساني بشكل كبير، وبحسب الأمم المتحدة، فإن هناك 8.4 مليون يمني يعيشون على حافة المجاعة، و14 مليون نسمة يحتاجون لنوع من المساعدة الإنسانية.
ويقول سالزبري: "اليوم يتخندق كل طرف فيما يمكن أن يكون أهم معركة في الحرب منذ بدايتها، وبعد عام من التقدم على ساحل البحر الأحمر تقول القوات اليمنية التي تدعمها الإمارات إنها سيطرت على مطار الحديدة الواقع على أطرافها، وماذا سيحدث بعد كفيل بحرف مسار الحرب، فحرب شاملة قد تقلب ميزان القوة على الأرض، وتؤثر بطريقة عميقة على التسوية السياسية في المستقبل".
ويجد الكاتب أن "نتيجة المعركة جذابة للإمارات، وتعطيها الفرصة لأن تكون لها اليد العليا في اليمن، ولو لم تستطع الأمم المتحدة التوصل إلى تسوية قبل احتدام المعركة، فمن سيدفع الثمن لها، أهم اليمنيون الفقراء المساكين؟".
ويؤكد الباحث أنه "رغم التركيز على السعودية، إلا أن الإمارات هي القوة المحركة في عملية الحديدة، وأثبتت طوال الحرب، وبطريقة مفاجئة، أنها قوة فاعلة على الأرض، ففي عام 2015 ساعد دعاة الانفصال في الجنوب على صد الحوثيين وحلفائهم، وطردهم من الميناء الجنوبي في عدن، إلا أن المسؤولين في أبو ظبي عبروا خلال السنوات الثلاث الماضية عن إحباطهم من بطء التقدم على الأرض، ويعتقدون أن الهجوم على الحديدة هو الطريق الوحيد لكسر الجمود، وفرض تسوية سياسية بناء على شروط التحالف".
ويكشف سالزبري عن أن "العملية للسيطرة على الحديدة يجري العمل عليها منذ سنوات، ففي عام 2016، طرح الإماراتيون الهجوم على الميناء من البحر، إلا أن الأمريكيين عارضوا الفكرة باعتبارها محفوفة بالمخاطر، لكن الإماراتيين قاموا بتدريب 25 ألف مقاتل يمني للزحف على الميناء من البر، وتقوم هذه القوات منذ بداية عام 2017 بالتقدم المطرد على طول ساحل البحر الأحمر باتجاه الحديدة، وتم نشر معظم هذه القوات على طول شاطئ تهامة أو في القاعدة البحرية في إرتيريا، وتعززت القوات المدعومة من الإمارات بانضمام جنود الحرس الجمهوري السابقين، الذين كانوا موالين للرئيس السابق علي عبدالله صالح، وقاتل هؤلاء الجنود حتى عام 2017 إلى جانب الحوثيين، الذين عقد معهم صالح تحالفا غريبا استمر ثلاثة أعوام، وانهار التحالف في كانون الأول/ ديسمبر، ما أدى إلى قتال شوارع ومقتل صالح على يد حلفائه السابقين".
ويلفت الكاتب إلى أن "مقتل الرئيس السابق وضع حدا للمقاومة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، إلا أنهم حرموا من الشرعية التي حصلوا عليها من التعاون مع حزب المؤتمر الشعبي، وهو أكبر الكتل في البرلمان".
ويرى سالزبري أنه "لو سيطر التحالف على الحديدة فإن الحوثيين سيحرمون من مورد مالي من الضرائب، ومصادر أخرى تستخدم لدعم المجهود الحربي، ويقول التحالف إن سيطرته تعني وقف تهريب السلاح، مع أن عددا من الباحثين ولجانا في الأمم المتحدة لم يعثروا على أدلة تشير إلى استخدام الميناء لتهريب السلاح، ومن هنا فإن الحوثيين عبروا عن استعداد للمواجهة، وبدا ذلك واضحا من مقاومتهم لمنع التحالف من التقدم حتى لمركز المدينة، إلا أن التحالف مستعد للمعركة".
ويعتقد الكاتب أن "الحديدة مهمة للإماراتيين؛ ليس من أجل كسر جمود المعركة وفرض تسوية فقط، بل كونها فرصة لوضع من تريدهم على رأس أي تسوية سياسية محتملة، فمن بداية الحرب دعمت الإمارات الحراك الجنوبي أو الانفصاليين والسلفيين، أما السعودية فدعمت الحكومة المعترف بها دوليا لعبد ربه منصور هادي، وتكتلا من القوى السياسية والعسكرية والقبلية المرتبطة بحزب الإصلاح، وهو الحزب الإسلامي الرئيسي ذو العلاقات مع حركة الإخوان المسلمين".
ويذهب سالزبري إلى أن "التوتر بين الجماعات المختلفة داخل التحالف كان سببا في عرقلة الجهود الحربية، خاصة في المدن الجنوبية، مثل عدن، حيث دعمت الإمارات الانفصاليين في هجومهم على قوات موالية لهادي بداية العام، وفي تعز، التي واجه فيها المقاتلون المرتبطون بالإصلاح مع الجماعات التي تسلحها أبو ظبي، حيث يرى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، والحاكم الفعلي للإمارات، الإخوان المسلمين (بوابة الإدمان على التطرف)، ويعدهم تهديدا خطيرا على المنطقة، ولهذا فهو والدائرة المحيطة به ليسوا راضين عن تبني هادي لحزب الإصلاح ونائبه وقائد القوات المسلحة علي محسن الأحمر، المتعاطف مع الإسلاميين".
ويبين الكاتب أن "القوات المشتركة التي تقاتل في معركة الحديدة هي الفصائل التي تريد الإمارات بروزها بعد الحرب، فهي تمثل قوات محلية، مثل مقاومة تهامة، والحراك الجنوبي، والجماعات السلفية المندفعة بحماس ديني، لكنها غير مهتمة بالرؤية التي يعبر عنها الإخوان المسلمون، ولو سيطرت الإمارات على الميناء فستكون في موقع من يملي الحاكم عليها، ومن المرشحين المحتملين طارق صالح، ابن أخ الرئيس السابق الذي يقود الحرس الجمهوري، ولو هزم الحوثيون فسيصبح صالح شخصية سياسية في داخل حزب المؤتمر الشعبي".
ويجد سالزبري أن "الوصول للميناء سيمثل فرصة أمام الإمارات لإضعاف الحوثيين والإصلاح، ولن يعارض السعوديون هذا، خاصة أنهم يريدون التقدم على الأرض، ويقدمون علاقاتهم مع الإماراتيين على أي علاقة مع الإصلاح، الذي يعتمد على دعم الرياض".
ويستدرك الكاتب بأنه "رغم ما ستؤدي إليه معركة الحديدة من تغيير في الدينامية السياسية اليمنية، إلا أنها بالتأكيد ستؤدي إلى تدهور الأوضاع الإنسانية، حيث تقول الأمم المتحدة إن نسبة 70% من المواد الأساسية، مثل القمح والأرز، تمر عبره، ووعد التحالف باستئناف العمليات الإنسانية سريعا بعد السيطرة على الميناء".
ويرى الباحث أن "هذا سيناريو غير محتمل، في ظل فشل التحالف في السيطرة على المطار، وهو عملية بسيطة وشارك فيها الطيران الجوي، وعليه فإن السيطرة على الميناء ستكون مهمة أصعب، خاصة إن حاول التحالف تجنب تدمير البنى التحتية له، وحتى لو تمت السيطرة على الميناء، فإنه من غير المعلوم كيف سيتم نقل المواد الغذائية في ظل استمرار وجود الحوثيين في مركز المدينة والطريق السريع ومناطق الشمال، ويريد التحالف تجنب حرب الشوارع، التي ستكون مدمرة على سكان المدينة التي ستحرر نفسها بنفسها من الحوثيين، مع أن هذه القوات لم تعبر عن نفسها طوال السنوات الثلاث الماضية".
ويفيد سالزبري بأنه "رغم تأكيدات التحالف أنه سيقوم بإدارة الميناء أفضل من الحوثيين، وبالتالي ستزيد عمليات نقل المواد الإنسانية، إلا أن المتشككين يشيرون إلى ميناء عدن الذي تسيطر عليه حكومة هادي منذ عام 2015، ولهذا لا يوجد ما يضمن إدارة وتأمين الحديدة بعد طرد الحوثيين، لكن ما هو المخرج؟".
ويجيب الكاتب قائلا إن "الحل هو تسوية تجنب الميناء الدمار، وهو ما يعمل عليه المبعوث الدولي مارتن غريفيث، وقال إنه تشجع بالإشارات الإيجابية من الحوثيين، فيما ألمح عبد الملك الحوثي عن إمكانية تسليم الميناء للأمم المتحدة، مع أنه قال إنه سيجعله مقبرة للغزاة لو تم الهجوم، ويواجه المبعوث الدولي مهمة صعبة في ظل إصرار التحالف على انسحاب الحوثيين من الميناء ومركز المدينة، وفي حال فشله، فإن هناك إجماعا باندلاع معركة طويلة وشرسة، وستنتهي بسيطرة الجماعات التي تدعمها الإمارات على الميناء والمدينة".
ويقول سالزبري إن "الإمارات ستدفع بعد ذلك بالقوات نحو تعز، حيث ستواجه الحوثيين والإصلاح، وفي هذه الحالة فستكون المنطقة الساحلية وتعز تحت سيطرة القوات التي تدعمها الإمارات، ولو أوقف هذا الإنجاز إطلاق الحوثيين الصواريخ الباليستية على السعودية، فستقبل الرياض بهذه التطورات".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إنه "من غير المعلوم إن كان الحوثيون سيقبلون بمطالب التحالف، وتسليم أسلحتهم، والانسحاب، وشجب إيران، وفي المقابل يخشى غريفيث أن تؤدي الحديدة إلى إفشال جهوده لإحياء العملية السلمية، وتشدد الحوثيين تجاه التحالف وحكومة هادي، والخاسر في هذا كله هم سكان اليمن المدنيون".
إغناطيوس: هل يدفع هجوم الحديدة حرب اليمن لمرحلة حرجة؟
البايس: كيف ضيقت السعودية والإمارات الخناق على اليمنيين؟
نيويورك تايمز: كيف أصبح الوضع الإنساني في اليمن كابوسا؟