انقلب الرأي العام في الأردن، بطريقة لافتة للانتباه، إذ بعد موجات التذمر من وجود السوريين في الأردن، لاعتبارات تتعلق بضيق الحياة، وليس تعبيرا عن كراهية أو عنصرية، عاد ذات الرأي العام ليطالب بدخول السوريين الهاربين من جحيم درعا، إلى الأردن، وهذا كلام يقال لأولئك الذين يصرون على أن الأردنيين يكرهون السوريين، ولا يريدونهم بينهم.
من ناحية تحليلية،
فهذا يثبت أولا، نبل معدن الأردنيين، ومنسوب عروبتهم، ومعاييرهم الدينية، التي
تدرك دلالات «الأنصار والمهاجرين» إضافة إلى عاطفتهم وطهرهم والمروءة التي فيهم.
كنا نقول دائما
لكثيرين إن التذمر من وجود السوريين، ليس سببه الكراهية، لكن لاعتبارات تتعلق بضيق
الحياة في الأردن، وإمكانات الاقتصاد الضعيفة، والاعتبارات الأمنية، وكنا بين
موجتين، الأردنيون يتذمرون لاعتبارات اقتصادية واجتماعية، والأشقاء السوريون،
يقولون أحيانا إن الأردن يتكسب عليهم، ويجمع المال والمساعدات، وبينهما بقيت
الحقيقة التي تقول إن أردنيا واحدا لم يتعد حدوده على سوري، أو بيت سوري، بل إن
المتذمر ذاته، عاد اليوم، ليطالب بدخول السوريين.
لكن هذا الرأي العام
انقسم أيضا إلى ثلاثة اتجاهات، الأول يطالب بدخول السوريين، وخصوصا النساء والأطفال،
وعدم تركهم عند الحدود، مثلما أشرت في المقدمة، واتجاه آخر يطلب منعهم كليا من
الدخول والذهاب إلى مناطق أخرى في سوريا، والاتجاه الثالث، يطلب مساعدتهم، وإغاثتهم،
وإقامة مخيمات، أو مناطق آمنة لهم داخل سوريا، بحيث يتولى الأردن المساعدة الفنية،
ويتولى العالم إمدادهم بالمساعدات.
في كل الأحوال القضية
تبدو معقدة جدا، ما بين الإنساني والديني والأمني والسياسي، لأن هناك من يحسم أن
المحور الإيراني السوري، يريد تفريغ جنوب سوريا، من السنة، وترحيلهم إلى الأردن،
وتحويل الأردن إلى حاضنة سنية تتحمل هذه الأعباء، ومقابل هؤلاء سيتم إحلال إيرانيين
وسوريين علويين أو لبنانيين شيعة، في مناطق جنوب سوريا، ولهذا لا يجوز إدخال
السوريين إلى الأردن، من أجل الوقوف في وجه هذا المخطط، كما أن آخرين يظنون أن هذه
العائلات هي عائلات مقاتلي داعش وبقية التنظيمات، فيما يرى البعض أن النظام السوري
والمعارضة معا، يريدان معاقبة الأردن ودمشق انتقاما مما تراه دعما أردنيا
للتنظيمات، والمعارضة، مما تراه من وقف الأردن للدعم.
هنا لا بد أن نشير إلى
كلفة الجغرافيا، فلا يمكن هنا، التعامي عن هذه الحالة، وليس أدل على ذلك، من أن
سهل حوران ممتد بين الأردن وسوريا، والعشائر واحدة بين الطرفين، والكل يدرك أن أهل
الرمثا تحديدا ثم أهل إربد، وقفوا بشكل مختلف تماما إلى جانب السوريين منذ بداية الأزمة،
والرمثا حصرا، وقراها تنام وتصحو على صوت القصف، ورائحة الموت التي تنتشر في فضاء
واحد، لولا سايكس بيكو ولعنتها التاريخية على بلاد الشام التي تم تقسيمها إلى أربع
دول.
العالم والمنظمات
الدولية التي تضغط على الأردن من أجل دخول السوريين، لا تقول لك أين كانت طوال
السنين الفائتة، حين تركت بلدا فقيرا ليواجه هذه الأعباء، بل إنه فوق فقره، يتم
جحوده من البعض، واتهامه بسرقة المساعدات أو التكسب، فوق الكلام اللاذع، الذي لا
يوفر الأردن، وينتقده مهما فعل لغيره، وهذا الكلام بحد ذاته يتدفق بقوة عبر
الشبكات الإعلامية-الأمنية السورية، هذه الأيام، للإساءة إلى الأردن، الذي يمكن
بحق وصفه بالمأكول المذموم، ولا بلد عربيا مثله، تحمّل عبر تاريخه كل ما تحمله،
وهذا واقع بحاجة إلى امتنان، وليس إلى جحود وانتقاص.
من ناحية سياسية-أمنية،
ما يمكن قوله اليوم، إن الأردن الرسمي ومثلما كتبت في مقال سابق، سوف يقاوم الضغوط
لإدخال السوريين، وسيكون ميالا إلى إقامة منطقة آمنة أو مخيم قرب الحدود، لكن
المشكلة تكمن في هذا السيناريو، ترتبط بما قد يتعرض له السوريون عند الحدود، فلا أحد يضمن تدفق أعداد أكبر، أو حدوث عمليات عسكرية أو قصف بشكل متعمد أو غير متعمد،
على هؤلاء، ولحظتها فإن الأردن سيجد نفسه أمام مشكلة أخطر وأكثر تعقيدا، بما
يقودنا مجددا إلى مخطط "إعادة رسم الديموغرافيا السورية" وتفريغ سوريا من السنة،
حصرا.
دخلوا أو لم يدخلوا، أقاموا
عند الحدود أو عادوا إلى بيوتهم، فإن الأزمة السورية، باتت أردنية في كثير من
فصولها أو كلفها أو مخاطرها، وهذه هي الخلاصة الأهم.
(الدستور الأردنية)