نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية دانيال روندي، يقول فيه إن هناك الكثير من الأسباب الاستراتيجية للاستثمار الدبلوماسي في العلاقات المتحسنة بشكل سريع بين إثيوبيا وإريتريا.
ويقول الباحث في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "هذه فرصة تاريخية إن استمرت في السير في الاتجاه الصحيح، تعد بتقليل اللاجئين للغرب، والمزيد من الاستقرار في القرن الأفريقي، وإيجاد حليف محتمل جديد لإدارة ترامب في إريتريا، على فرض أنها ستغير بعض تصرفاتها".
ويضيف روندي: "كنت في إريتريا قبل عدة أسابيع أبحث عن السبب الذي يجعل الكثير من الناس يقررون الهروب إلى أوروبا أو أجزاء أخرى من أفريقيا، خاصة أن هناك نقصا في الدراسات الكثيرة للأسباب الجذرية للهجرة، وتبقى غير مفهومة، وأسوأ من هذا كله فإن إريتريا لم يدرسها سوى القليل، والمعروف أن سجل إريتريا في حقوق الإنسان سيئ، وكذلك سجلها السيئ في الديمقراطية، وسجلها السيئ في إكراه الناس على الهجرة، لقد كسبت سمعتها السيئة لذلك كله، لكن هناك فرصة غير مسبوقة للإصلاح".
ويتابع الكاتب قائلا: "عندما كنت في العاصمة الإريترية، أسمرة، قابلت عدة مسؤولين إريتريين كبار وسفراء بارزين من دول غريبة، وبالصدفة شاهدت خطاب الرئيس أسياس أفورقي في يوم الشهيد، حيث دعا لإرسال وفد سلام إلى إثيوبيا، وهذا إنجاز كبير بعد 20 عاما من الحرب بين البلدين، وبعد ذلك بأقل من أسبوع، ولأول مرة منذ عشرين عاما، تم استقبال وفد بقيادة وزير الخارجية محمد صالح في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، وبعد التفاوض في أديس أبابا وصل رئيس الوزراء الإثيوبي إلى العاصمة الإريترية، أسمرة، لاجتماع تاريخي مع أسياس، أعلنا خلاله عن انتهاء الحرب بينهما".
ويعلق روندي قائلا: "واضح أن الوضع يتغير بسرعة، وعلى الرغم من التقدم الملحوظ الذي تم، فإن هناك حاجة للدبلوماسية الأمريكية؛ للتأكد من إنهاء الصراع على مدى 20 عاما، وإنهاء هذا الصراع سيقوي الزعامة السياسية الجديدة في إريتريا، ويخلق أجواء تساعد على إنهاء الخدمة العسكرية في إريتريا، بالاضافة إلى حقوق الإنسان المنتهكة، اللذين يشكلان السببين الرئيسين لهجرة عشرات الآلاف إلى دول أفريقية أخرى وأوروبا".
ويرى الباحث أن "هناك فوائد كبيرة للتوصل الى صفقة سلام، أولا: سيخلق ذلك حركة اقتصادية في القرن الأفريقي، خاصة إن استطاعت إثيوبيا أن تستخدم ميناءي مصوع وعصب في إريتريا، وثانيا: ستكون إرتيريا اتصلت باقتصاد حجمه أكبر 25 مرة من اقتصادها، وستفتح نهاية هذا الصراع الباب أمام اللبرلة السياسية في إريتريا، التي لطالما استخدمت الصراع حجة لعدم القيام بإصلاحات، وثالثا: سيخلق التوصل إلى صفقة ديناميكية جديدة في القرن الأفريقي، الذي يعاني من الفشل والتوتر، صحيح أن إريتريا دعمت فاعلين سيئين في المنطقة، لكن اتفاقها مع إثيوبيا سيجعلها تشعر بالمزيد من الأمان، وتتوقف عن اللجوء لخلق مشكلات في المنطقة، ما سيخفف من التوتر في المنطقة، ورابعا: إن نشأت علاقة أمريكية مع إريتريا، فإن الأخيرة قد تكون قاعدتنا العسكرية في الخطة (ب) لإنشاء قاعدة أفريقية؛ لأن جيبوتي أصبحت تتقرب كثيرا من الصين".
ويشير روندي إلى أن "أول شيء تجب معرفته عن إريتريا هو أنها كادت ألا تكون، حيث اقترحت بريطانيا وأمريكا -من خلال الأمم المتحدة- أن تضم المستعمرة الإيطالية سابقا إلى إثيوبيا في بدايات الخمسينيات، وعارضت إريتريا هذا الحل، وخاضت حربا طولها 30 عاما ضد إثيوبيا، وحصلت على الاستقلال في عام 1991، وخلال نضالها لم يكن لإريتريا أصدقاء تعتمد عليهم، وزعماؤها الحاليون هم القيادات العسكرية التي قادت البلاد إلى الاستقلال".
ويلفت الكاتب إلى أن "علاقات إريتريا مع الغرب اتسمت بالتوتر، فقامت إدارة كلينتون في تسعينيات القرن الماضي بتقديم الدعم المادي والعسكري لها، لكن بعد أقل من عشر سنوات أنهت أمريكا تلك العلاقات، وعلقت بيع السلاح لإريتريا عندما اندلعت الحرب عام 1998، وكانت لدى إدارة بوش الابن مخاوف حقيقية في أواسط العقد الأول من الألفية الثانية، بأن إريتريا تقدم ملاذا آمنا لتنظيم الشباب الصومالي، وهو ما قاد إلى فرض حظر على السلاح عام 2009، فيما وقع أوباما أمرا تنفيذيا عام 2009، اشتمل على سلسلة من العقوبات المالية ضد إريتريا؛ لفشلها في معالجة قضية تهريب البشر".
ويقول روندي: "سألت قادة إريتريا إن كانوا يرون أن حركة الشباب إرهابية، فاتفق الجميع على أنها كذلك، ومن المهم الإشارة إلى أن إريتريا كانت مطهرة من حركة الشباب على مدى السنوات الست الماضية، بحسب المراقبين الخارجيين المعروفين باسم مجموعة المراقبين للصومال وإريتريا، وإن كان الأمر كذلك فيجب العودة الى العقوبات المفروضة على إريتريا والتفكير في إلغائها".
وينوه الباحث إلى أنه "حتى إن كانت إريتريا تخلصت من الجماعات الإرهابية فإن سجلها الحقوقي لا يزال سيئا، وتعد بلدا يحكمها شخص واحد، هو أسياس أفورقي، الذي سيطر على السلطة على مدى الست والعشرين سنة الماضية، فليست هناك سلطة تشريعية، ولا منظمات مجتمع مدني".
ويفيد روندي بأن "إريتريا كانت لها علاقات متوترة مع جاراتها، وأسوأ علاقاتها كانت مع إثيوبيا، التي حاضت ضدها حربين على مدى الخمسين سنة الماضية، وكانت الحرب الأخيرة بينهما، من 1998 الى 2000، تتعلق بخلافات حدودية لا تزال تشكل خلافات بين البلدين اليوم، وكانت هذه الحرب من أسوأ الحروب الأفريقية، حيث قتل فيها حوالي 90 ألف شخص".
ويبين الكاتب أنه "عندما انتهت الأعمال العدائية فإنه تم التوصل إلى اتفاق سلمي بين البلدين في الجزائر، وتم تحويل الخلاف الحدودي إلى المتخصصين في ترسيم الحدود، حيث وافق البلدان على قبول ما يتوصل إليه أولئك الخبراء، وكانت النتيجة الأخيرة لصالح إريتريا، لكن إثيوبيا رفضت قبول ما توصل إليه الخبراء، فلا تزال تحتفظ بمساحات متنازع عليها، بما في ذلك مدينة بادمي، وقالت إثيوبيا هذا الأسبوع إنها ستعيد مدينة بادمي وتساعد على انتهاء الحرب".
ويعتقد روندي أن "سبب فشل أمريكا والقوى الغربية في حل الخلافات هو اعتماد هذه الدول على إثيوبيا لحماية القرن الأفريقي من الإرهاب؛ ولذلك فهم لا يريدون الضغط عليها في قضايا أخرى".
ويجد الباحث أنه "مع أن القتال توقف قبل عقدين، إلا أن الصراع مجمد ولم ينته، فهو في حالة تدعى (لا حرب ولا سلام)، وهذا هو السبب المعلن لقرار إريتريا للخدمة العسكرية الوطنية، حيث تعد إريتريا من الدول المعسكرة بشكل كبير، وفيها أحد أكبر الجيوش في أفريقيا، وهذا سبب فرار عشرات آلاف، وربما مئات آلاف، الشباب الإريتريين من بلدهم".
ويقول روندي: "يبقى هناك أمل حقيقي في إنهاء الصراع رسميا، وإعادة العلاقات بين إريتريا وإثيوبيا، ونهاية التجنيد الإجباري، وقد زار وزير الخارجية المساعد للشأن الأفريقي دونالد ياماموتو كلا من إثيوبيا وإريتريا في شهر نيسان/ أبريل، ودفع أمريكا باتجاه السلام الآن هو الخطوة الصحيحة، خاصة بعد أن أعلن رئيس وزراء إثيوبيا الجديد آبي أحمد، بقبول إثيوبيا باتفاقية الجزائر، ونيته إعادة مدينة بادمي إلى إريتريا".
ويرى الكاتب أنه "إذا تغيرت العلاقات بين البلدين، فإنه يمكن لأمريكا الاستفادة من موقع إريتريا الاستراتيجي، حيث يمتد ساحلها على البحر الأحمر لأكثر من 700 ميل، وهي قريبة نسبيا من قناة السويس، التي يمر منها 10% من التجارة العالمية، ولها علاقات جيدة مع دول الشرق الأوسط، بما في ذلك السعودية والإمارات، وقد سمحت إريتريا للإمارات باستخدام ميناء عصب قاعدة عسكرية خلال الحرب مع اليمن".
ويخلص روندي إلى القول إن "لأمريكا دورا كبيرا في المنطقة، وهذه فرصة تاريخية، والشعب الإريتري يريد السلام، كما كان واضحا في الترحيب بقول الرئيس خلال خطابه في يوم الشهداء بأنه سيرسل وفد سلام إلى إثيوبيا، ويستحق أن تبذل أمريكا جهدا للمساعدة في عملية السلام".
فيسك: هل تخلت أمريكا والناتو عن فكرة الإطاحة بالأسد؟
كاتب أمريكي: حان الوقت لمحاسبة سفيرنا في إسرائيل
ناشونال ريفيو: لماذا لم يغير ترامب التحالف المخجل مع الرياض؟