تعددت
المبادرات الشخصية في الأشهر الماضية الداعية لإيجاد حل سياسي
للمعضلة
المصرية، كان آخرها نداء توجه به السفير معصوم مرزوق للسلطة والشعب، في محاولة
منه للإنقاذ وطن قبل يغرق.
ولست
هنا معنيا بتقييم المحتوى لهذا النداء وبنوده التسعة، والذي قد يقبله البعض أو
يرفضه البعض الآخر، ولكني معني بشكل جاد بالخطر الوجودي الذي يهدد بقاء مصر دولة
موحدة، حيث أصبح خطر السلطة الحالة يهدد هذا الوجود من الأساس حال استمرت هذه
السلطة لسنوات أُخر في سدة الحكم، حيث لم تنجح هذه السلطة الفاشلة الخائنة في
تحقيق الحد الأدنى مما وعدت به في صعيد من الأصعدة، رغم مرور أكثر من خمس سنوات
على وصولها للحكم إثر الانقلاب الذي قادة وزير الدفاع في 3 تموز/ يوليو 2013 بدعم
صهيوني ودولي وإقليمي، على أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، والذي تم انتخابه
عقب ثورة 25 يناير 2011.. ليطيح بأول تجربة ديمقراطية وليدة. وفي المقابل، نجد
بقايا معارضة قد فشلت في إسقاط هذا الانقلاب على مدار سنوات، رغم ما أتيح لها من
فرص وإمكانيات، ولكنها عجزت عن استثمارها بالشكل الأمثل، مما دفع العديدين من
أبناء الوطن لإطلاق نداءات وصيحات تحذيرية، أو ما يطلق عليها مجازا بالمبادرات،
ظنا منهم أن ذلك قد يساهم في إنقاذ وطن من ورطته، أو إيقاظ نائم من رقدته. ونحاول
من خلال هذا العرض الموجز استيضاح ذلك.
واقع
النظام:
لم
تهدأ الساحة المصرية منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو، حيث عمدت سلطة الانقلاب العسكري
لمواجهة الاحتجاجات الشعبية الكبرى الرافضة للانقلاب بالقوة العسكرية الغاشمة، راح
ضحيتها آلاف الأبرياء، كما عجت السجون بعشرات الآلاف تحت دعاوى زائفة وتهم ملفقة.
وصاحب
ذلك كله فشلا ذريعا من هذه السلطة في إدارة كافة الملفات السياسية والأمنية
والاقتصادية وغيرها.
ولعل
من أخطر ما في ذلك على الإطلاق، ملف الأمن القومي، حيث ارتكبت هذه السلطة جرائم
تصل لحد الخيانة العظمي، من أبرزها:
- التنازل
عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية ظاهرا، بينما المستفيد الأوحد هو الكيان
الصهيوني، حيث تحول المجرى الملاحي في خليج العقبة من ممر مصري خالص لممر ملاحة
دولي!!!
- ومن
ذلك أيضا إعادة ترسيم الحدود البحرية المصرية في شرق المتوسط، لتخسر مصر حقول غاز
هائلة لصالح الكيان الصهيوني، تقدر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات، ولتتحول
مصر من دولة مصدرة للغاز الطبيعي للكيان الصهيوني لدولة تستورده منه!!!
- ومن
ذلك أيضا اتفاقية السودان بخصوص نهر النيل، والتي فتحت الباب لاستكمال إثيوبيا
لبناء سد النهضة، والذي أصبح يشكل تهديدا كبيرا لمصر. وفتح الباب كذلك لابتزاز
الكيان الصهيوني لمصر، لكي يحصل على حصة من مياه نهر النيل والذي يحلم بها منذ زمن
بعيد.
- ويضاف
لذلك الحفر المزدوج لقناة السويس، والذي أصبح مانعا طبيعيا (خط بارليف جديد) يعمق
من عزلة سيناء عن باقي التراب المصري.
- وليس
ببعيد عمليات تفريغ سيناء من أهلها، تمهيدا لما يسمي بصفقة القرن.
- وكذلك
حصار غزة، ودعم حفتر في ليبيا.
- كما
يضاف لذلك أيضا التدمير الممنهج للمؤسسات، وفي القلب منها الجيش والشرطة والقضاء،
إضافة لجهازي المخابرات العامة والحربية.
- وكذلك
التوسع في استصدار القوانين والتشريعات التي تفتح الباب لتجنيس وتوظيف من قد يشكل
وجوده بهذه الصفة خطرا على الاستقلال الوطني.
- ويضاف
لذلك عمليات التوسع في الاقتراض الخارجي بشكل غير مسبوق، مما يرهن مستقبل الأجيال
الحالية والمستقبلية لخطر الاستعمار والوصاية المباشرة أو غير المباشرة.
- وليس
ببعيد تكريس الانقسام المجتمعي الحاد والذي يضع البلاد في أي لحظة علي حافة
الاحتراب الأهلي.
- وليس
ببعيد إقامة ما يشبه مستوطنة تدار منها البلاد (العاصمة الإدارية الجديدة)، وما
يمثله ذلك من خطر كبير على مستقبل واستقلال مصر.
- وغير
خاف الأوضاع الاقتصادية المزرية، وما تمثله من خطر قد يحرق المجتمع كله في أية
لحظة.
واقع
المعارضة:
وفي
المقابل، نجد قوى المعارضة المصرية (ثورية وشعبية وسياسية)، منذ الانقلاب وحتى
الآن، قد عصفت بها الفرقة والاختلاف، سواء بفعل عوامل داخلية أو تحت وقع السطوة
الأمنية للنظام، أو ربما بفعل اختراقات مباشرة أو غير مباشرة، نظرا لحالة السيولة
الكبيرة التي سمحت بهذه التسريبات، لتمكن خلايا سرطانية من الكمون داخل الكيانات
الثورية والسياسية، حيث عمد بعض أصحاب الأصوات العالية من مجهولي النسب السياسي
للتمترس داخل بعض مكونات تيار الشرعية، والتحصن ببعض مؤسساته، ليشن من داخلها حملة
شعواء، تشويها وتخوينا لغالب الرموز والكيانات الوطنية والسياسية المعروفة.
وشن
هؤلاء كذلك حملات منظمة لإفشال أي اصطفاف وطني، كما استخدموا مصلحات التنفير
والتكفير والتخوين وصيغ التعميم عند التحدث عن مؤسسات الدولة، في تحرك يصب في
الحقيقة باستعداء كل هذه المؤسسات بشكل مطلق، والتي يوجد بداخلها الفاسد والشريف،
كما هو شأن الوطن كله، وذلك لشحن هذه المؤسسات بشكل دائم ومستمر ضد أي تحرك شعبي
أو سياسي يسعي لاستنقاذ الوطن من العصابة التي تحكمه الآن. وقد صاحب ذلك تباطؤ من
البعض في كشف وعزل هذا الطابور الخامس الذي ينهش جسد المعارضة من داخلة. وقد يكون
هذا الموقف غير المسؤول في التصدي لمن يطلق عليهم البعض اسم "دواعش
الشرعية"، رغبة من البعض في توظيف بعض هؤلاء في صراع داخلي لصالح جماعة أو
تنظيم!!!
لا
شك أن قوة المعارضة قد انحسرت بشكل كبير، والسبب في ذلك بعض ما ذكرته آنفا وغيره.
ولكن رغم ذلك، لا تزال هناك بعض عوامل القوة التي لا تزال تقلق الانقلاب، كالمنصات
الإعلامية والانتشار الجغرافي الكبير لقوى المعارضة في الخارج، ولكنها رغم ذلك
تبقى عاجزة عن تغيير الواقع أو النظام بمفردها، مما يترتب عليه ضرورة الاستفادة من
حالة ما يشبه الإجماع الوطني، والمتفقة على ضرورة إنهاء مرحلة حكم
السيسي، والذي
يمثل ببقائه انسدادا كاملا في الحياة السياسية. وأكبر دليل على ذلك، ما قام به من
إجراءات تعسفية تجاه كل من أراد الترشح ضده في ما سمي بالانتخابات الرئاسية.
وقد
يدشن هذا التحرك لمرحلة انتقالية جديدة لن تحقق بالضرورة تطلعات كل فريق بشكل
كامل، ولكنها قد تكون ضرورية لإنهاء حالة انقسام وانهيار الوطن، وهي الحالة التي
ستستمر طالما استمرت السلطة الحالية لفترة أطول.
وبناء
على ما سبق تأتي أهمية هذه النداءات والمبادرات، والتي قد تحرك ماء راكدا، وتفتح
أفقا مسدودا، وتوفر مسارات جديدة قد تتسع للكل، مما يجعل من الضرورة والحكمة عدم
الاشتباك أو التشكيك في نوايا مطلقي هذه الصيحات وموجهي هذه النداءات، حيث ينبغي
أن تقرأ بأنها اجتهادات من أصحاب هذه المبادرات لإنقاذ وطن يرونه يضيع، فيصيبون
باجتهاداتهم أو يخطئون، فلا ننشغل بمن ينشد الحل ويصف العلاج ونشتبك معه، فنعطل
حركة التغيير، بينما ينجو لصوص الحكم الحاليين من غضبة الشعب، ويستمرون في تدمير
الوطن وسرقة الوطن، وعندها يندم الجميع حيث لا ينفع الندم.
فليكن
شعار المرحلة:
"أنقذوا الوطن قبل فوات الأوان".