صحافة دولية

فورين بوليسي: هل يستطيع الأردن مواصلة لعبته المزدوجة؟

فورين بوليسي: في الأردن لعبة مزدوجة بين الدعم الخارجي والذاتي- جيتي

يرى الصحافي والمعلق آرون ميغيد في مجلة "فورين بوليسي" أن هناك ازدواجية في دعوات المسؤولين الأردنيين للاعتماد على الذات، ومواصلة الطلب من الغرب تقديم العون الاقتصادي

 

ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى ما قاله ولي العهد الأردني الأمير حسين بن عبدالله الشهر الماضي، أمام تجمع من خريجي جامعة جورج تاون، حيث قدم الأمير الشاب (24 عاما) رسالة واضحة، قائلا: "نحن نعيش في عصر الاعتماد على الذات"، ما يعني أن الأردن لا يمكنه مواصلة الاعتماد على الدعم الخارجي. 

ويعلق ميغيد قائلا إن كلام الأمير لا يختلف عما قاله رئيس الوزراء المستقيل هاني الملقي في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عندما كان البلد يتجه نحو أزمة مالية: "يجب علينا الاعتماد على أنفسنا.. كانت الدول المانحة واضحة في كلامها، وهي أنها لن تساعدنا طالما أننا لم نتخذ الإجراءات لمساعدة أنفسنا".

ويلفت الكاتب إلى أن "إصلاحات الملقي كانت تتضمن قانون ضريبة جديدا، صادقت عليه الحكومة في 21 أيار/ مايو، وأرسل إلى البرلمان للمصادقة عليه، بشكل كان سيخفض الدخل السنوي للعائلة من 34 ألف دولار إلى 25 ألف دولار، وبناء على هذا فإن القانون سيستثني نسبة 90% من الأردنيين، لكنهم عبروا عن غضبهم، واندلعت التظاهرات ضد هذا القانون، وانتهت التظاهرات باستقالة رئيس الوزراء". 

 

ويجد ميغيد أن "تصريحات الأمير حسين فيها الكثير من الحساسية، لكنه، كغيره من المسؤولين الأردنيين، يلعب لعبة مزدوجة، وصارت معروفة في الخطاب الرسمي، أي ضرورة الاعتماد على الذات في حديثهم مع الأردنيين، ولعب دور الضحية على المستوى الدولي". 

ويفيد الكاتب بأنه "في الوقت الذي زادت فيه الحكومة من دعواتها للاعتماد على النفس في الداخل، إلا أن عمان صعدت من اعتمادها على الدعم الخارجي، حيث بحثت في زمن الأزمة عن دعم من الرياض وواشنطن، ومنحت هذه الازدواجية في الخطاب الناشطين الفرصة لاستغلال ما يرونه (نفاقا) في خطاب الحكومة، وتعميق الشك في سياساتها بين السكان، وهو ما يجعل الأمر أكثر صعوبة على الحكومة في تنفيذ سياساتها الداعية للاعتماد على الذات، فهذا النموذج لا يمكن الحفاظ عليه، ويسبب مشكلات لأهم حليف للولايات المتحدة في المنطقة". 

وينوه ميغيد إلى أن وزير الخارجية أيمن الصفدي أكد في مقابلة أجرتها معه شبكة "سي أن أن"، أن الأردن ليس ملاما على المشكلات التي يواجهها، وألقى باللائمة على النزاعات في فلسطين والعراق، وتدفق اللاجئين السوريين، وقال إن "الأردن يمر بمرحلة اقتصادية صعبة جدا جدا.. لا علاقة لهذا بفشل داخل البلد"، واكتفى الصفدي في الوقت الذي هاجم فيه المتظاهرون سوء الإدارة والفساد، بالقول إن الاقتصاد الأردني توقف بسبب "الوضع في المنطقة"، مشيرا إلى أنه لم يكن هناك حديث عن الاعتماد على الذات.

ويؤكد الكاتب أن "حديث الصفدي كان مناشدة للمساعدة، حيث طلب زيادة نسبية في الدعم الخارجي، قائلا: (لماذا لا نرى الدعم الضروري لمساعدتنا)، ولم تختلف رسالة الصفدي، الذي أصبح الممثل الرئيسي للأردن في الإعلام الغربي، عندما تحدث مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) قائلا: (على المجتمع الدولي القيام بواجبه)، وبعد تصريحات الصفدي إلى (سي أن أن) و(بي بي سي) بأيام، حصل الأردن على 2.5 مليار دولار من دول الخليج، وفي الوقت ذاته وصل الدين العام إلى نسبة 95% من الناتج المحلي العام، واضطرت عمان في الشهر ذاته القبول بقرض من صندوق النقد الدولي لمنع الاقتصاد من الانهيار، والتأكد من ثقة المستثمرين في الاستقرار المالي الأردني".

ويشير ميغيد إلى أن "هذه المكاسب جاءت في وقت قررت فيه الإدارة الأمريكية في آذار/ مارس زيادة المساعدات للأردن ولمستويات عالية، وبلا شك وحتى قبل حزمة المساعدات الخليجية وصندوق النقد الدولي كانت مجلة (إيكونوميست) قادرة على الحديث عن حصول الأردن على مساعدات للتنمية بمستوى الضعفين لما يحصل عليه الفرد في أفغانستان وهاييتي من مساعدات".

ويستدرك الكاتب بأن "المشكلة في الخطاب المزدوج من الاعتماد على الذات من جهة، وطلب الدعم الخارجي من جهة، هو أن القبول بالدعم الخارجي يأتي بثمن محلي، ففي حزيران/ يونيو هاجم المتظاهرون رئيس الوزراء الذي سيخرج من منصبه، لقبوله الدعم من صندوق النقد الدولي، بل إن بعض المتظاهرين شعروا بالجرأة لانتقاد الملك وقبوله الدعم من صندوق النقد الدولي أو حكمه، بحسب ما هتفوا في 6 حزيران/ يونيو".

ويعلق ميغيد قائلا إن "الأردنيين ليسوا مخطئين بأن الدعم الأجنبي يأتي بضغوط، فحزمة الدعم الخليجي جاءت بمطالب ضمنية، كما لاحظ المحلل السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه)، فبعد أيام من توقيع الصفقة أعلن الأردن في 15 أيار/ مايو أنه لن يعين سفيرا في طهران، وفي اليوم ذاته كتب الناشط الأردني محمد شما أن (السياسة الخارجية الأردنية هي سوق مفتوحة؛ أعطنا المال ونعطيك الولاء)".

ويذكر الكاتب أنه بعد ذلك طلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان دعم الأردن أثناء الخلاف مع كندا، التي انتقدت معاملة المملكة لناشطي حقوق الإنسان، ورغم عدم وجود علاقات للأردن بالنزاع، إلا أنه اتخذ جانب السعودية في بيان صدر في 7 آب/ أغسطس، وشعر الكثير من الأردنيين بالقلق من الموقف المتشدد الذي اتخذته الحكومة الأردنية، وأشاروا إلى الافتتاحية التي نشرتها صحيفة (جوردان تايمز) المقربة من الحكومة، وقال مدير إذاعة (بلد) في عمان داوود كتاب في تغريدة له: (من المؤسف بيع الأردن لنفسه ومعارضة أقوى حلفائه)". 

ويرى ميغيد أن "علاقة الأردن بالولايات المتحدة، وهي أكبر مانح له، معقدة أيضا، فرغم معارضة الملك عبدالله، مثل بقية الحكام العرب، قرار الرئيس دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إلا أنه اتخذ موقفا لينا من خطة السلام التي يعدها فريق ترامب، ودعا البقية لمنح الأمريكيين فرصة، وحتى أن الصفدي تجنب انتقاد ما يطلق عليها (الصفقة الكبرى)، مقارنة مع رفض رئيس السلطة الفلسطينية الحازم لمبادرة ترامب".

ويبين الكاتب أنه "على مستوى الرأي العام ونسبة الأردنيين من أصل فلسطيني العالية، فإن المعارضة للأمريكيين كبيرة، وخرج المواطنون للتظاهر بعد قرار نقل السفارة، وهتفوا (الموت لأمريكا)، وعلينا ألا نندهش من عدم رغبة عمان بمعارضة واشنطن، والسبب، كما قال مسؤول أردني بارز في حديث خاص، (هناك 1.6 مليارات دولار، وهي كافية لأن تكون صديقا للولايات)، وفشلت الحكومة في الالتزام بمبدأ الاعتماد على النفس، وزادت من جهودها للحصول على الدعم الخارجي، فيما يشعر الأردنيون بعدم الراحة؛ لأن المساعدات تأتي بشروط". 

ويعتقد ميغيد أن "الحكومة وضعت نفسها في الزاوية، فهي لم تعرض نفسها لاتهامات النفاق، بل عقدت من المهمة على الأردنيين للقيام بالعمل الذي يفضي للاعتماد على الذات، وحتى اليوم فإن نسبة الأردنيين الذين يدفعون الضريبة لا تتجاوز 4%، وكان قانون الضريبة الذي طرحه الملقي مهما لزيادة عوائد الحكومة، وتقليل الإدمان على الدعم الخارجي، والحد من الدين العام، الذي وصل إلى حوالي 40 مليار دولار، وبعد التظاهرات التي أطاحت بالملقي قام رئيس الحكومة الجديد عمر الرزاز بإلغاء مشروع القانون، حيث ظل الوضع الراهن قائما".

ويقول ميغيد إن "الأردنيين سينظرون في السنوات القادمة للحاضر بنوع من الحنين إلى الماضي، فمعظم الزيادة في الدعم الخارجي جاءت من أجل مساعدة الأردن على استيعاب موجات اللاجئين من سوريا، ومع توقف حمام الدم فلا يوجد ما يضمن من استمرار مستوى المساعدات الحالى على ما هو، ولو لم تزد فإن مشكلة الدين الأردني ستصبح سيئة، وحتى لو عاد اللاجئون السوريون إلى بلادهم فإن النفقات العالية على القطاع العام والدفاع ستظل أكثر من موارده، ومن أجل تخفيف الاعتماد على الدعم الخارجي فإن الأردن سيضطر لزيادة الضريبة بشكل سيدفع إلى تظاهرات جديدة". 

ويذهب الكاتب إلى أن "وجود أردن ضعيف لن يكون في مصلحة المنطقة، فقد ساهمت الحكومة في القتال ضد تنظيم الدولة، واستقبل الأردن أعدادا كبيرة من اللاجئين العراقيين والسوريين، وتبنى سياسة دينية متسامحة، حيث سمح لحركة الإخوان المسلمين بالمشاركة النيابية". 

ويختم ميغيد مقاله بالقول إن "الأردن يواصل في الوقت الحالي تخبطه، فبعد قرار الولايات المتحدة نقل السفارة إلى القدس هدد بقطع الدعم عن الدول التي صوتت لصالح قرار الأمم المتحدة ضد الخطوة الأمريكية، وحتى الآن فتهديداته مجرد كلام، ولو لم يكن ذلك فإن الأردن في مشكلة، وفي ضوء الطبيعة الغامضة لترامب فإن من الأفضل أن يغير الأردن طرقه الآن قبل فوات الأوان".