إذا سألت أي عينة عشوائية من المواطنين في الولايات المتحدة أو أوربا
أو استراليا عن ما الذي يعرفونه عن دولة اسمها مصر الآن، ستكون الإجابة: الأهرامات
ومحمد صلاح، لأن ما حققه هذا اللاعب الموهوب لمصر واسمها ومكانتها خلال سنوات
قليلة لا يدانيه أي شيء آخر في تاريخ هذا البلد الحديث كله، وهذا من المعلوم
بالضرورة من واقع الناس وسلوكياتهم والمشاهد المذهلة التي تراها، من أول جداريات
ضخمة في أمريكا تحمل صورته إلى رجال الشرطة الإيطالية وهم ينتظرونه تحت الطائرة
للحصول على توقيعه إلى الهوس الإعلامي الطاغي به في أي مكان يحل به إلى ترشحه
لجائزة الأفضل في أوربا ـ لأول مرة للاعب عربي وأفريقي ـ متجاوزا الأسطورة
الأرجنتينية ليونيل ميسي، ومزاحما للأسطورة البرتغالية رونالدو.
جوهرة
بهذه المواصفات، في بلد بوضعها الذي نعرف، وفقره الذي نعرف على جميع المستويات،
تدعو تلك الدولة ومؤسساتها من كبيرها لصغيرها لأن تعمل على حماية هذه
"الجوهرة" اليتيمة من نسمة الهواء، وتعمل بكل ما أوتيت من طاقة من أجل
توفير المناخ والظروف والدعم المعنوي الذي يتيح لها المزيد من التوهج، لأنه كلما
توهج كلما توهج اسم مصر ولهج به مئات الملايين من البشر حول العالم، وهذا النجاح
المذهل فضلا عن قيمته المعنوية والرمزية يمكن ترجمته بسهولة في دعم قطاعات عديدة
مثل السياحة وكل ما يتعلق بالقوة الناعمة لمصر، فضلا عن الرياضة نفسها، المجال
الأساس لنشاط تلك الموهبة أو الجوهرة.
ولكن
الذي يحدث منذ عامين وحتى اليوم هو عكس ذلك تماما، تشعر أن هناك في هذه
"الدولة" من يكره محمد صلاح، ومن يبلعه على مضض، وتشعر أن هناك من
يتعامل معه وكأنه مكره على ذلك بسبب رمزيته العالمية وصعوبة أن يحدث معه كما حدث
مع غيره من اللاعبين، وما فعله ويفعله اتحاد الكرة المصري مع اللاعب لا يمكن فصله
عن تلك الأجواء، ولا عن وجود "مناخ" كاره لمحمد صلاح في مستويات رسمية
رفيعة، وفي بلد مثل مصر يصعب أن تتحدث عن أن بعض الشخصيات الرياضية المتواضعة في
اتحاد الكرة والتي تتبادل الاتهامات بالفساد عند أي خلاف، يمكن أن تتصرف بمثل هذه
الغطرسة والاحتقار مع محمد صلاح دون أن يكون لها غطاء رسمي أعلى من قاماتها بكثير،
وفي بلد مثل مصر لو أمرت القيادة أو مجرد ألمحت إلماحا، إلى حل مشكلات محمد صلاح
وعدم التسبب في أي ضغوط نفسية تصرفه عن التركيز في مشواره الرياضي المبهر، فلن
يملك أحمد مجاهد ولا أبو ريده ولا مجدي عبد الغني أن يرفع أحدهم عينه في عين محمد
صلاح، وسيقول الجميع بلسان واحد خاشع: طلباتك أوامر يا باشا.
صلاح
مغضوب عليه في مصر، مع الأسف، لأن البعض لا يدرك أن معيار الولاء لا يصح ولا يمكن
سحبه على كل شيء، ومسألة أن يحب صلاح صديقه محمد أبو تريكة -المغضوب عليه والمصنف
إرهابيا بقرار رسمي- ويعتبره قدوته تثير حنق البعض هنا في مصر، وسبق أن لوحت بعض
الأذرع الإعلامية، في نشوة غشومية زائدة، بسحب الاتهامات نفسها على محمد صلاح،
لولا أن التنبيهات حذرت من الوصول إلى هذه النقطة الخطرة، كما أن أزمته مع محاولة
ابتزازه في إعلان طائرة المنتخب الشهير وحساسية وضع الشركة المعلنة فاقم من
المرارة، وبالتالي لنا أن نفهم أن مشكلة محمد صلاح الحقيقية ليست مع اتحاد الكرة،
مشكلته في مصر أعمق من ذلك وأعقد، واتحاد الكرة مجرد واجهة للأزمة وصورة.
الفيديو
الذي بثه محمد صلاح ردا على تصريحات اتحاد الكرة كان كاشفا ـ في بساطته وعفويته ـ
عن رغبة واضحة لدى بعض المسئولين في تشويهه، وهو يدرك ذلك، وإظهاره بصورة شخص غير
وطني، سجل عندك هذه النقطة، شخص غير وطني، رغم أن كل طلباته والتي قالها بلغة
خجولة وبالغة الحرج، هي احتياجات بديهية في "صناعة" كرة القدم العالمية
الآن، وكان صلاح مدركا، وقالها بوضوح، أن القصد هو تقديم صورة مزيفة عنه للجماهير
لكي تكرهه، ولكنه راهن على أن الجماهير أكثر ذكاء ووعيا من هذه اللعبة، والسؤال
البديهي هنا هو: لماذا يعمل اتحاد كرة القدم على تشويه صورة جوهرته العالمية
"اليتيمة" أمام الجماهير؟، ولحساب من؟، هذا ما يمكن أن يجري به القلم
الآن في تلك الواقعة المؤسفة.
عن صحيفة المصريون المصرية