كتب الزميل الأستاذ ياسر رزق مقالا مطولا ومهما في صحيفة الأخبار،
أمس الأربعاء، تحت عنوان "أحاديث المصالحة في رئاسة السيسي وما بعدها"،
وعرض فيه مجموعة من المعلومات التي لم يسبق أن نُشرت بهذا الوضوح في صحيفة قومية،
والأستاذ ياسر، فضلا عن مهنيته المشهود بها ونجاحه في أي موقع صحفي شغله، إلا أن
الأهم هو أنه أكثر صحفي يحظى بثقة القيادة السياسية والرئيس عبد الفتاح السيسي
شخصيا، وهو صاحب الحوار الشهير الذي تم تسريب بعض ما جرى فيه من خلال قنوات معارضة
في الخارج، وبالتالي، فما ذكره زميلنا العزيز -الذي نتمنى له تمام الشفاء والعافية-
يستوجب التأمل والمراجعة والحوار أيضا، خاصة أن المقال يبدو فيه وجه الاستعجال؛
لأن العادة جرت على أن ينشر رئيس مجلس الإدارة المقالات المهمة له في العدد
الأسبوعي أو عدد أخبار اليوم من كل سبت وليس يوم الأربعاء.
عرض
ياسر رزق، في مقاله، معلومات عن ثلاثة عروض إخوانية للمصالحة، أحدها كان عقب أحداث
3 يوليو مباشرة، والثاني ليلة فض رابعة، والثالث أثناء احتجاجات جامعة الأزهر،
وقال إن القيادة الجديدة لم تكن أغلقت الباب وقتها للحوار، ولكن الإخوان راوغوا
ولم يفوا بأي اتفاق، كما كشف عن أن الإخوان قدموا عرضا مكتوبا ـ وهذه معلومة جديدة
ـ من خلال أستاذ جامعي إخواني شهير حسب كلامه، وأن العرض تم رفضه، كما قال إن
الجماعة، عقب انتخاب السيسي رئيسا للجمهورية في المرة الأولى، التقت بأحد رجال
الدين الذين لهم احترام ـ حسب قوله ـ وأنه نصحهم بأن يوقفوا الاحتجاجات، وأن
الشرعية هي مع الحاكم الذي يحظى بدعم الجيش والشعب ونحو ذلك من كلام، وأعتقد أنه
يشير إلى الشيخ محمد حسان، لأن بعضا من هذا الحديث مشابه جدا لما حكاه الشيخ
وشقيقه، وقد استمعت إلى طرف منه شخصيا.
ثم
قال إن حديث المصالحات اختفى بعد ذلك، ولم يظهر إلا بعد انتخاب السيسي من جديد،
وتوقف عند مبادرة السفير معصوم مرزوق ليقول: (وفي مطلع أغسطس الحالي، خرج القيادي
بالتيار الشعبي، معصوم مرزوق، بمبادرة غريبة تشتم من صياغتها رائحة الإخوان
العطنة، تدعو إلى إجراء استفتاء على الرئيس السيسي، الذي ما لبثت الجماهير أن
اختارته في انتخابات حرة بأغلبية 97% من الأصوات! والخطير في الأمر هو أن
«المبادرة» اقترنت بدعوة الجماهير للتظاهر يوم 31 أغسطس).
ثم
عاد لكي يدافع عن السيسي بأنه كان يفتح صدره للجماعة حتى آخر لحظة، وأنه نصحهم
كثيرا، وأضاف: (الأكثر من ذلك أنه حين تقطعت السبل بين الشعب والنظام وخرجت
الجماهير تهتف برحيل الإخوان في ثورة 30 يونيو، حرص السيسي على أن يكون لحزب
«الحرية والعدالة» مقعد بين ممثلي القوى السياسية وفئات الشعب خلال مشهد بيان 3
يوليو، لكن مسئولي الحزب وعلى رأسهم الدكتور سعد الكتاتني رفضوا الحضور، برغم أنه
كان يعنى بقاء الإخوان في الحياة السياسية).
وفي
إشارة لافتة ومثيرة، قال في ختام مقاله: (رهان الإخوان هو على مرحلة ما بعد
السيسي، سواء انتهت فترته الثانية في 2022، أو امتدت بإرادة الشعب إلى 2024..
يتصور الإخوان أن السيسي حين تنتهي رئاسته في الموعد الدستوري الذي يرتضيه الشعب،
سيجلس في منزله يشاهد التليفزيون أو يدون مذكراته، وسيكتفي بأن ينزوي في الظلال
تاركا مصائر البلاد والعباد نهبا لأهواء أصحاب الهوى!.. كان السيسي محقا تماما وهو
يقول أن مشكلة الإخوان هي مع الشعب.. والحق أن المسألة أقرب إلى المعادلة الصفرية،
فإما الكتلة الوطنية لجموع الشعب وإما هم).
بعض
ما ذكره زميلنا العزيز نعرفه سابقا، وبعضه جديد بالفعل، كما أن إشارته الأخيرة إلى
أن "الإرادة الشعبية" قد تمتد ببقاء السيسي إلى العام 2024، تعني أن
التفكير جدي في تعديل الدستور بما يغير مدة الرئاسة من أربع سنوات إلى ست سنوات،
كما أن الباب مفتوح على تعديلات أخرى؛ لأن كلامه بأن السيسي لن يجلس في بيته يشاهد
التليفزيون ويكتب مذكراته ويترك البلد عرضة للضياع بعد انتهاء ولايته الدستورية،
يعني ـ ضمنا ـ أن السلطة ستظل بيده، كيف وبأي طريق، الله أعلم، وفي تقديري أنها
إشارة أخرى إلى أن التعديلات الدستورية ستشمل إلغاء النص على قصر مدة ولاية رئيس
الجمهورية على فترتين فقط.
لكن
الأهم في ما تقدم، أن الأستاذ ياسر، وأعتقد أن المناخ العام في الدولة الآن بحكم
قربه منه، ينظر إلى مشكلة مصر على أنها ـ حصريا ـ مشكلة الإخوان، هذا غير صحيح قطعا،
كما أنه خطر على توجيه صناعة القرار السياسي في مصر، والمبادرة التي قدمها السفير معصوم
مرزوق لا صلة لها بالإخوان، هي مبادرة تحدثت عن الطيف الوطني كله وعن انسداد الأفق
السياسي، وهو كلام صحيح، وإذا كان ياسر في ختام مقاله يقول: (إما الكتلة الوطنية
لجموع الشعب وإما هم) يعني الإخوان، فإن الكتلة الوطنية ليست هي الشريحة المؤيدة
للرئيس فقط، والتي يعترف الجميع بأنها تتآكل مع الوقت بسبب سوء الإدارة، ولكن
الكتلة الوطنية تشمل كل مصري مهموم بالشأن العام وبمستقبل بلده، معارضا أو مؤيدا،
من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وهنا لا بد أن يتفق معنا الأستاذ ياسر أن البلد
تعيش أزمة حقيقية، الإخوان جزء منها، وجزء أصبح محدودا أيضا، نظرا للإرهاق السياسي
والتنظيمي والمادي الذي أصاب الجماعة طوال السنوات الماضية، فضلا عن سوء أدائها
السياسي الذي عمق مشاعر الكراهية تجاهها، والخوف منها لدى جميع القوى الوطنية وضعف
القبول الشعبي لهم.
وضع
مبادرة السفير معصوم إلى جوار مبادرات الإخوان فيها تكلف بعيد عن المنطق، ومحاولة
للهرب من الاعتراف بأن مصر تعيش أزمة سياسية حقيقية، أزمة ديمقراطية، أزمة حريات
غائبة، أزمة حوار معطل، أزمة عنف مؤسسي متصاعدة، أزمة إقصاء وتهميش سياسي وإعلامي
لكل صوت مختلف، معصوم مرزوق ليس الإخوان، والمستشار هشام جنينة ليس الإخوان،
والفريق سامي عنان ليس الإخوان، وحازم عبد العظيم ليس الإخوان، وعبد المنعم أبو
الفتوح ليس الإخوان، وشادي الغزالي ليس الإخوان وصديقك عادل صبري ليس الإخوان،
ومئات الشباب من أبناء ائتلافات ثورة يناير مثل 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين وغيرهم
من المعتقلين الآن ليسوا الإخوان، ويحيى القزاز ليس الإخوان، والقائمة تطول.
هناك
أزمة سياسية في مصر، تتصل بالارتدادات المتتالية عن أهداف ثورة يناير ومبادئها،
رغم أنها الثورة التي منحت الشرعية لكل ما جاء بعدها، بما فيه النظام الحالي، ومع
ذلك تمضي السلطة على كل آثارها بأستيكة لمحوها حتى لا يكاد يبقى منها أثر حاليا،
الإخوان جزء من المشكلة، لكنهم ليسوا هم المشكلة، وبدون أن نعترف بتلك الحقيقة فإن
الأزمة ستزداد تفاقما وتعقيدا، لأننا فقط نؤجل الاعتراف بها وبذل الجهد الحقيقي
الضروري لحلها، تماما كأزمة الديون المتصاعدة والمتفاقمة، والتي نعرف جميعا
خطورتها، لكنا نرحلها لأجيال قادمة أو سلطة قادمة، وهذا فكر خاطئ وخطير، سواء في
الاقتصاد أو السياسة.
عن صحيفة المصريون المصرية