سبات "داعش" الحالي ليس مطمئنا البتة. صحيح أنه محاصر في جيوب صغيرة في أطراف
التقاطعات الجيوسياسية، وصحيح أنه في حالة حيرة، إذ أصبح عاجزا عن الوفاء
لاستراتيجيته الرئيسية، أي حيازة الأراضي وتفعيل دولة الخلافة، بما جعله نسخة
مكررة من القاعدة، إلا التنظيم ظاهرة خطيرة، وقدرته على البقاء رغم كل محاولات
المحق تستوجب أن نرى في سباته
فرصة فقط لفهمه مجددا. ولعل أهم الأسئلة التي نرى
التركيز عليها: كيف أصبح المكون
التونسي فيها بالأهمية التي أصبح عليها، رغم الثقل
الديمغرافي الضعيف لتونس مقارنة بسياقات عربية أخرى، أيضا رغم ابتعاد تونس عن
مفاصل الفعل
الداعشي من العراق إلى سوريا.
عاد
الطيف الداعشي أمامي وأنا اقرأ السيرة المعقدة
لسامي العيدودي، الملقب بـ"حارس ابن لادن"، والذي رحلته السلطات الألمانية إلى تونس؛ التي أطلقت
سراحه شرطيا السلطات الأمنية مع مواصلة التحقيق معه. تُسيس القضية في الجانب الألماني،
إذ تم استعمال العيدودي من مجموعات يمينية للتدليل على ارتباط الهجرة بالإرهاب،
مقابل رفض مجموعات أخرى ذلك، ما غطى بعض الشيء على أمر مهم، وهو مضمون الأفكار
التي يؤمن بها العيديودي، أو كما أصبح معروفا في الأوساط الجهادية، "الشيخ سامي أبو المجتبى"، والواضحة من فيديوهات
دعوية تم تصويرها خاصة في بداية الألفية الثانية.
سيرة
الرجل تشير إلى تحول من شاب هاجر إلى ألمانيا للتحصيل الدراسي، فمع فشله في الحصول
على شهادات جامعية، ومن ثم خسارة إقامته هناك، حدث تحول في شخصيته بين آخر
التسعينات وأول الألفية الثانية. نشأ داعية سلفيا جهاديا؛ ارتبط به بلا شك
تكفيريون، وكانت هناك خلية متهمة بالإرهاب كان عدد من أعضائها متأثرين به وبدروسه.
ينقل تقرير موقع "ألترا صوت" بعض المعطيات عن التقارير الألمانية التي
تربطه بالقاعدة: "أردني
يُدعى شادي محمد مصطفى عبد الله كشاهد، وقد اعترف بأنه
كان بصحبة سامي العيدودي في أفغانستان من سنة 1999 حتى سنة 2000، وبالتحديد في
مدينة قندهار، حيث التحقا سويا بمعسكر الفاروق، وأفاد بأن العيدودي تلقى تكوينا
عسكريا حتى أصبح أحد حراس ابن لادن الشخصيين".
ومثل آخرين كثيرين، انتقل على ما يبدو
ارتباطه مع القاعدة إلى تنسيق مع "داعش". وينقل ذات التقرير، نقلا عن
تقارير أمنية من الشرطة الألمانية، والتي نشرتها الصحف الألمانية، مثل صحيفة
"فوكس" وصحيفة "دير شبيغل"، أن "سامي العيدودي كان على
صلة بالعراقي أبو ولاء؛ الذي تم القبض عليه من قبل السلطات الألمانية في مدينة
هيلدسهايم سنة 2018. وتتهم ألمانيا العراقي بتجنيد شباب من الجاليات المسلمة من
أجل تسفيرهم إلى سوريا للانضمام إلى
تنظيم الدولة الإسلامية
الإرهابي".
في تقرير صدر على موقع "New
America"
في نيسان/ أبريل الماضي، بعنوان "كل الجهاد محلي"، نجد مراجعة لأهم ما
قيل في السياق التونسي عن ذلك. ويقول كاتبا التقرير، ديفيد سيرمان ونايت روزنبلاط:
"كان لدى شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية
أنماط مميزة لتعبئة داعش. كان المقاتلون من شمال أفريقيا من المحرومين اجتماعيا
واقتصاديا، وجاؤوا من مناطق تتميز بعدم الوصول إلى السلطة الاقتصادية والسياسية.
في هذه الأثناء، كان مقاتلو داعش من شبه الجزيرة العربية أفضل حالا، وجاؤوا من
مناطق ذات صلات أوثق بالنخب السياسية".
يواصل الكاتبان: "النظريات
الكبرى حول أسباب
التطرف لا تغيب عن الاختلافات المحلية الأساسية. وبينما توجد
أنماط إقليمية، يعتمد التجنيد الجهادي على ديناميات محلية محددة تتباين حتى داخل
المنطقتين اللتين تم فحصهما هنا. لا توجد طرق مختصرة لمحاربة جاذبية داعش
والمجموعات ذات الصلة. يجب فهم السياقات المحلية بشكل صحيح من أجل صياغة استجابات
فعالة لمكافحة الإرهاب والتطرف".
وهنا يقوم بتفصيل أكبر بخصوص أسباب تجند شباب من
شمال تفريقيا في معركة كسر عظام من هذه الناحية: "منح الربيع العربي الفرصة
من أجل تمرس الجهاديين على التنظيم والتعبئة على نطاق أوسع مما كان في السابق.
الجهاديون نُظموا بسرعة في أعقاب الربيع العربي عام 2011، وتم خلق الأسس لتعبئة ISIS والمقاتلين".
في ليبيا وتونس، حيث تراجعت الحكومات خلال الربيع العربي، يتم إنتاج المزيد من
المقاتلين، أكبر من نصيب الفرد في المغرب والجزائر، حيث نجت الحكومات المحلية من الاحتجاجات.
ثماني عشرة من أفضل 20 قطاعا من مقاتلي داعش جاؤوا من شمال أفريقيا إلى ليبيا أو
تونس. في تونس، داعش مبني على شبكات التجنيد المحلية السلفية الجهادية، مثل جماعة
أنصار الشريعة، التي استفادت من بيئة ما بعد زين العابدين بن علي من الانفتاح
السياسي لتعزيز الجهاد علنا. غالبا ما كان مقاتلو تنظيم الدولة التونسيون
يشيرون إلى قادة أنصار الشريعة على أنهم أوصوا بالانضمام إلى داعش".
هذه مقدمات أساسية لفكرة
مهمة: لا يوجد نظرية واحد تفسر كل شي. الواقع المعقد يفرض علينا توجها ومنهجية مرنين
تستبدل المقاربات كلما تغير الموضوع. والقاسم المشترك دائما أن الظاهرة منغرسة في
المحلي، رغم توقها نحو الأممية والتعاون الدولي. وهنا تونس قبل الثورة وبعدها كانت
تربة خصبة للجهاديين، لكن لأسباب مختلفة راديكاليا عما حصل في عدد من دول الخليج.