يكشف الحراك السياسي الذي يشهده الملف السوري سواء في مسار أستانة أو في المسار الأممي عن غياب كامل للدور العربي، وسط انتقادات حادة من ناشطين وسياسيين سوريين.
وباستثناء القلق الكويتي حيال الحشود العسكرية التي تتوافد إلى
إدلب، الذي عبرت عنه الدولة، الأربعاء، بدا لافتا غياب المواقف العربية المطالبة بتجنيب إدلب والشمال السوري عواقب التصعيد الذي تحضر له روسيا والنظام وإيران، ما يثير تساؤلات عن الأسباب وراء الصمت العربي.
وفي هذا الصدد، قال الكاتب الصحفي والإعلامي السوري، الدكتور أحمد الهواس، إنه من الخطأ أن نرى الموقف العربي واحدا من الثورة السورية، فلا بد من قسم الموقف العربي موضوعيا بين فئتين: الفئة الأولى، تتمثل بالشعوب الثائرة، وهي التي حرمت من نتائج ثوراتها أو عوقبت على ذلك بثورات مضادة، وإشاعة فوضى في بلادها، وهذه لا تختلف في المأساة عن الشعب السوري، والفئة الثانية، وهي الأنظمة التي رعت
الثورات المضادة وإن ادعت أنها مع التغيير، وعلى رأس تلك الأنظمة السعودية والإمارات، حيث مولتا الثورات المضادة.
وأضاف لـ"
عربي21": في الرؤية العامة للأنظمة العربية، كان هناك ثمة فارق بين موقف
قطر من الثورة السورية، وبقية دول الخليج، ولذلك تم الضغط على الموقف القطري، وشيطنة السياسة القطرية، حتى وصل الأمر لحصارها ومحاولة غزوها، وذلك لأنها تملك موقفا متقدما – قياسا – بالبقية في دعم الربيع العربي.
من جانب آخر رأى الهواس أنه "علينا أن ندرك أن التراجع في دعم الثورة كان منذ منتصف العام 2013،أي بعد الانقلاب الذي جرى في مصر، حيث وصل نظام أو أعيد إنتاجه، وهو نظام معاد للربيع العربي، وفي القلب منه الثورة السورية". وأضاف: "هذا النظام أعاد في أول أيامه العلاقات الدبلوماسية مع نظام القتل في سورية، ومنع السوريين من دخول مصر، وضيق عليهم، وبدأت آلته الإعلامية تعمل على تسويق أكاذيب النظام القاتل أنّه يحارب الإرهاب ومنع السوريين من التظاهر كما كان يحصل زمن الحكم المدني".
ولفت إلى أمر آخر اعتبره مهما وهو متعلق بالبناء الرسمي العربي وقال "لقد حرصت أمريكا عليه وعلى عدم زعزته، وأعادت له قوته بعد الثورات المضادة وكسر الثورات العربية، ولذلك حولت الأنظار عن ثورة سورية لمحاربة ما يسمى الإرهاب، وجعلت الشعوب العربية تقارن ما جرى للسوريين من مآس بحالهم قبل الثورة، فبات لسان كثير منهم أن الثورة أنتجت مصائب كان يمكن للسوريين تجنبها، وذلك بفعل الزخم الإعلامي الذي لم ركز على جرائم النظام الطائفي وحلفه من مليشيات طائفية جاءت من خلف الحدود، ولم يركز على الغزو الروسي ولا الغزو الإيراني، ولا على أحقية الشعب السوري بالتغيير والكرامة وحقه في ترسيخ مبدأ تداول السلطة".
من جانبه، ربط عضو "الهيئة الدستورية" عن المعارضة، والمحلل السياسي الدكتور إبراهيم الجباوي، بين تراجع وتقلص
الدور العربي في الملف السوري وبين إعلان إدارة
ترامب عن وقف الدعم للثورة السورية (العسكري والإغاثي والإنساني).
وأوضح لـ"
عربي21"، أنه "مع وقف دونالد ترامب لهذا الدعم، بدأت الدول العربية بالانسحاب تدريجيا من الملف وتحديدا الملف العسكري، لأن الدعم العسكري للجيش الحر لم يكن أمريكيا بحتا، وإنما من كل أصدقاء الشعب السوري الأعضاء في غرف الدعم العسكرية (الموك، الموم)".
وأكد الجباوي أن الدول العربية امتثلت للأوامر الأمريكية التي تقود الدعم، مبينا أن الدور العربي تلاشى تدريجيا ما بعد لقاء ترامب- بوتين على هامش قمة العشرين في هامبورغ صيف 2017، ليتم عهد الملف السوري إلى روسيا بشكل كامل.
وبالنباء على ذلك، اعتبر الجباوي أن الملف السوري أصبح بين فكي كماشة، جانبيها روسيا وأمريكا، الأمر الذي أقصى كل الأدوار الأخرى الإقليمية منها أو العربية، باستثناء الدور المحدود لتركيا، والدور الإيراني المكمل للدور الروسي.
وعن تداعيات ذلك، اعتبر الجباوي أن كل ذلك أدى إلى استعادة روسيا كافة المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة.