نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا لأحد عاملي الإغاثة الإسلامية في إدلب، يصف فيه الأوضاع الإنسانية في المدينة، والمشاعر التي يعيشها سكان المعقل الأخير للمعارضة السورية.
ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن "المدنيين مثلي العالقين في إدلب خائفون جدا، ويخشون أن الأمر مجرد وقت قبل أن يتحول هذا الجيب الشمالي إلى آخر وأعنف خط مواجهة في الأزمة. كل يوم يأتي بوابل جديد من القنابل، وتقارير جديدة تفيد بأن هجوم قوات النظام على المناطق المحيطة بمدينة إدلب أصبح وشيكا".
ويشير موظف هيئة الإغاثة إلى أنه "قبل أسابيع قليلة فقط قتلت امرأة كنت أعرفها هي وزوجها وأطفالها الخمسة في غارة جوية، وقتل في الوقت ذاته أكثر من 116 شخصا آخرين، وجرح سبعون آخرون، فيما كانت أسوأ فترة قصف شهدناها منذ مدة".
ويقول الكاتب: "كان الشعور بأن المجتمع كله يترنح، لكننا جميعا نعلم أن الأمور في الغالب ستصبح أسوأ، في وقت تجهز فيه الحكومة نفسها لاستعادة المنطقة، آخر معقل في يد الثوار، لا أستطيع التفكير في مدى سفك الدماء والمعاناة الذي سيتسبب به ذلك، وأظهرت التجربة أن المدنيين سيستهدفون أولا".
ويلفت الموظف إلى أن "هناك الآن ما لا يقل عن ثلاثة ملايين شخص في إدلب، نصفهم نازحون من مناطق أخرى في سوريا، وحوالي ربع مليون منهم نزحوا عن ديارهم هذا العام، ويعيش الناس في مخيمات مكتظة، دون كهرباء ولا ماء ولا نظام صرف صحي".
ويجد الكاتب أنه "من الصعب تخيل كم يستطيع الشعب السوري التحمل أكثر من هذا، فعلى مدى سبع سنوات قصفنا بالقنابل، وحوصرنا، واضطررنا لتحمل ظروف لا تناسب البشر، ولدت في حلب، وعشت فيها القصف الذي بدأ عام 2012، ورأيت مئات الناس يفجرون إلى أشلاء متناثرة أمام ناظري، أو يدفنون أحياء تحت ركام المنازل المهدمة، إنها ظروف يجب ألا يراها إنسان، كانت كأنها نهاية العالم، والآن أواجه احتمال عيش تلك التجربة ثانية، مدركا أني قد أخسر أصدقاء أو أفراد من العائلة، وربما حياتي أنا".
ويقول الموظف: "حتى عندما نحدق في وجه الموت بأعيننا، أخشى أن يفشل المجتمع الدولي ثانية في فعل شيء، ويسمح لإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في الذاكرة الإنسانية الحية بأن تمر دون أي تصد".
ويضيف الكاتب: "لسبع سنوات رأينا المستشفيات والأسواق والمدارس والمساجد وبيوت الناس تتحول إلى غبار، وأجساد الناس وعقولهم تحطم، لدرجة عدم قابليتها للإصلاح، وفي الوقت الذي ننزف فيه، فإن زعماء العالم يطلقون تصريحات فارغة، ويعربون عن (قلقهم)".
ويتساءل عامل الإغاثة قائلا: "أين كانوا عندما اختنقت عائلات بأكملها في هجمات كيماوية، وعندما قتلت البراميل المتفجرة الآلاف، وحولت مدنا تاريخية إلى دمار؟ وأين هم الآن عندما تتحول (منطقة خفض للتصعيد) واحدة تلو أخرى إلى ساحة معركة دامية؟".
ويرى الكاتب أن "هذا التراخي الجماعي، وعدم التمكن من جلب الأطراف المتقاتلة إلى طاولة المفاوضات بأي شكل جاد، سيطاردان الضمير العام لأجيال قادمة، وبالرغم من الجهود المتنامية لنسيان المأساة، والتصرف كأن الأمور تعود إلى طبيعتها، فإنه لا يمكن نسيان هذه الجرائم الوحشية أو محوها".
ويفيد الكاتب بأنه "خلال هذا الدمار واليأس كله فإن منظمات الإغاثة، مثل الإغاثة الإسلامية، قدمت بصيص أمل بالعمل مع المؤسسات الخيرية السورية المحلية؛ لتوفير المساعدات لأكثر الناس حاجة لها، لكن دون مساعدة من المجتمع الدولي فإن ما نستطيع القيام به يبقى محدودا في مواجهة هذا القدر من الحاجة".
ويقول عامل الإغاثة إنه "لذلك يجب أن يبقى المجال مفتوحا أمام المساعدات الإنسانية في المناطق جميعها، وأن يتم ضمان سلامة العاملين في الإغاثة، ويجب توفير الأموال اللازمة لتوفير الحاجات الأساسية، من طعام وماء ومأوى وعلاج، لمليون نازح داخل إدلب".
ويرى الكاتب أنه "في ظل غياب حل سياسي، وتزايد احتمال أن نرى هجوما وحشيا جديدا على إدلب، فإننا نحتاج لأن نتحدث بشكل جاد عن فشل الحكومات الغربية لاستيعاب العائلات التي فرت من القتال، وتلك التي لا تزال تعيش في حالة خوف على حياتها داخل سوريا".
ويقول عامل الإغاثة: "يجب الاعتراف بفضل دول الجوار، مثل تركيا، التي استقبلت لاجئين سوريين أكثر من أوروبا كلها، لكن هذه ليست مشكلة يستطيعون التعامل معها وحدهم، ففي عام 2015 وافقت المملكة المتحدة على استقبال 20 ألف سوري مع حلول عام 2020، لكنها إلى الآن لم تستقبل سوى نصف هذا العدد".
ويضيف الكاتب أن "معرفة أن الأبواب أوصدت أمام الكثير من الناس الفارين بحياتهم، وأن بعض الناس في أوروبا لا يهمهم إن عشنا أو متنا، ويصفوننا علنا بأننا (صراصير) و(تهديد للأمن القومي)، تؤلمني جدا، فللهروب من القنابل والرصاص لترى الأصدقاء والعائلة يغرقون في البحر الأبيض في محاولة للوصول إلى بر الأمان، ومن يصل فإنه يواجه بالعنصرية والشك، إنه أمر صعب الاحتمال، وحتى بالنسبة لأناس تحملوا الكثير".
ويتابع عامل الإغاثة قائلا: "زوجتي حامل في أول أطفالنا، ويجب أن أتطلع لمستقبلنا معا.. لكن لا أدري ماذا يحمل المستقبل، أنا أعيش الحاضر فقط، وأفعل ما بوسعي لأقوم بدور إيجابي في بلدي ولأبقى حيا".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "كلنا نريد فرصة للعيش في سلام، ولنعيد بناء وطننا، لكن لفعل ذلك فإننا نحتاج لرؤية نهاية للحرب والقتل المجنون للأبرياء، من النساء والأطفال والرجال، ولفعل ذلك فإن على المجتمع الدولي أن يتدخل؛ لأننا تركنا بلا مكان نذهب له ولا شيء نعود له".
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا
نيويورك تايمز: هل سينهي الهجوم على إدلب الحرب السورية؟
أوبزيرفر: هكذا تهيئ روسيا الغرب لمذبحة إدلب
تلغراف: لماذا تحشد روسيا بوارجها في المتوسط؟