بعد مرور 45 عاما على حرب أكتوبر عام 1973 ميلادية، العاشر من رمضان عام 1393 هجرية، مازال الإعلام المصري يركز حول قرارات القادة وبطولات الضباط الكبار، ولا يذكر أحد أبطال المعركة الحقيقيين، من الجنود أبناء الفلاحين والصعايدة.
وفي الوقت الذي مجدت فيه الصحف والكتب والإعلام عدة قادة وصنعت مقولة "بطل الحرب والسلام" لتمجيد الرئيس أنور السادات حتى وفاته بالذكرى التاسعة للحرب عام 1982؛ ثم استبدالها بمقولة "صاحب أول ضربة جوية" لتمجيد حسني مبارك، مدة 30 عاما، متجاهلين قادة عظاما كالفريق سعد الدين الشاذلي، والمشير أحمد إسماعيل، وعبدالغني الجمسي، وغيرهم العشرات، وفي ظل هذا التجاهل لأسماء ضباط كبار، تاهت آلاف الأسماء لضباط صغار وجنود اشتشهدوا وأصيبوا وآخرين قدموا زهرة شبابهم لمصر.
"نسيونا"
يقول توفيق، أحد أبطال حرب أكتوبر: "تم تجنيدي قبل الحرب بثلاث سنوات وأنهيت خدمتي بعدها بثلاث أخرى، وعشت السنوات الست أنتظر الشهادة كل لحظة ولكن أراد الله تعالى لي أن أعيش النصر وفرحته".
وأضاف لـ"عربي21": "كان عمري وقتها 21 عاما وأُلحقت بسلاح المدرعات، ورغم ما عشته من ظروف صعبة بين الملاجئ والمخابئ وقلة الإجازات إلا أنني كنت أقرأ القرآن فوق دبابتي وأدعو الله النصر لمصر، حتى جاء يوم المعركة وعبرت مع زملائي وحاربنا العدو".
وأكد توفيق المقيم بالشرقية أنه نجا من الموت بأعجوبة، موضحا أنه بينما ترك ظهر دبابته لينفذ أمر قائده وبينما ابتعد عنها بنحو 50 مترا سقطت دانة إسرائلية خطفت أرواح زملائه ليعود مسرعا ويجمع أشلاءهم غير مصدق أنهم أصبحوا شهداء بينما بقي هو يواجه العدو.
ويقول أنا من الذين خرجوا من الحرب ولم يحالفهم الحظ بعمل بالحكومة كباقي المحاربين، وامتهنت مهنة البناء وعمري الآن 66 عاما بلا معاش أو رعاية أو دعم من الدولة وكأني لم أحارب فداء لبلدي.
أفتخر رغم التجاهل
وحول ما تقدمه "جمعية المحاربين القدامى ومصابي العمليات الحربية"، لأبطال حرب أكتوبر الذين ما زالوا على قيد الحياة، قال سعيد، المقيم بالقاهرة: "لم نر منهم شيئا ولم نسمع عنهم شيئا، وأنا اليوم 68 عاما أحصل على معاش 1200 جنيه لا يكفي العلاج، موضحا أنه خدم بالجيش 5 سنوات عام 1975".
سعيد، قال لـ"عربي21"، إنه "رغم ذلك التجاهل من الدولة لأبطال هم يصنعون لهم الأغاني والأناشيد ويعلمونها للتلاميذ إلا أنني أفتخر بأنني كنت أحد أبطال تلك الحرب"، موضحا أنه كان بسلاح المشاة الميكانيكي، ولطالما نجح بإصلاح سيارات نقل الجنود والآلات وصيانة المعدات وكان يحصل من قادته على المكافأة وهي إجازة 24 ساعة، يرى فيها زوجته وابنته وعائلته.
أبطال الخنادق والفانتوم
وعن بطولات أبناء الغلابة يقول عبد الغفار، إنه انضم للقوات الجوية المصرية عبر مركز تدريب "كسفريت" بطريق الاسماعيلية (شرق)، وتم اختياره ضمن القوات الأساسية لـ"مطار طنطا" (وسط الدلتا)، وأصبح جنديا بكتيبة (90) للدفاع عن المطارات، موضحا أن مهمتهم كانت الدفاع عن المطار الذي يضم سرب طائرات "ميراج" يقوده أفضل الطيارين المصريين.
وأضاف لـ"عربي21"، أنه بقي بـ"مطار طنطا" حتى عام 1970، ثم ذهب مع سرية لتأمين مطار "قنا العسكري" تحت الإنشاء بين الغردقة وقنا لمدة 3 شهور ثم عاد لـ"طنطا" وظل بها حتى حرب أكتوبر، قبل أن ينتقل لـ"مطار الأقصر" ليظل به حتى عام 1975 حيث أنهى خدمة عسكرية امتدت لثماني سنوات.
وأشار أحد أبناء منيا القمح بالشرقية، إلى أن "مطار طنطا" تعرض للقصف من طيران العدو الإسرائيلي "الفانتوم" لأكثر من مرة، وذكر منها يومي 7 و16 أكتوبر، موضحا أن المدفعية "م/ ط" تصدت لها، وباليوم الأخير هاجم طيران العدو بارتفاع منخفض وضرب طائرات مصرية، ما أثار غضب الجنود بالخنادق فخرجوا يصوبون بنادقهم الآلية نحو الطيران المعادي في شجاعة نادرة.
عبدالغفار، المقيم بالقليوبية، أوضح أن الخروج من الخنادق جعل الأفراد هدفا سهلا للطائرات المقاتلة، وأنه أصيب بشظايا برأسه ومازال جرحها الغائر يترك بصمته فيها مؤكدا أنها "بصمة شرف"، معبرا عن اعتزازه بها، غير أن زميله بالخندق المجاور كانت إصابته مباشرة واستشهد على الفور.
ومن المواقف التي ذكرها أيضا، أنه عندما ذهب لـ"مطار قنا" قرب ساحل البحر الأحمر، كانت الكتيبة تعاني نقص الأكل ومياه الشرب، فاستغل الجنود زيارة رئيس الأركان الفريق سعد الدين الشاذلي واشتكوا له سوء الأحوال؛ ليفاجئ الفريق الجنود البسطاء بإرسال كميات كبيرة تكفي عدة أيام.
عودة من الموت
ويحكي محمد، الجندي المجند بقوات الصاعقة صاحبة المهام المستحيلة أنه "قبل حرب أكتوبر بشهور تم تكليف كتبيتنا بمهمة سد (الممرات) شرق السويس بوجه أي اختراق محتمل من العدو الصهيوني، وتم تقسيمنا بمجموعات كل منها مكلفة بهدف محدد، وكانت مهمة نسبة العودة منها حيا شبه معدومة".
وأكد لـ"عربي21"، أن "من الذكريات التي لا أنساها ذلك الخلاف الذي نشب قبل تنفيذ المهمة وكاد يعصف بها؛ حيث أصر قائد إحدى المجموعات رغم أنه مبتور اليد لإصابته بحرب الاستنزاف أن يتجه بمجموعته أولا لتأمين الممرات ويأخذ بثأره، علما بأن أصحاب المهمة الأولى سيكونون عرضة لكمية نيران رهيبة من العدو".
وأضاف محمد: "ومع تصميم الضابط على موقفه وتحول الأمر لخلاف حول الأسبقية نزلت القيادة على رأي الضابط البطل وتوجهت مجموعته أولا لتأمين (الممرات)؛ لكن الطيران الصهيوني أبادها بالكامل هي والمجموعة اللاحقة لها باستثناء فرد الإشارة"، موضحا أن "مجموعته كانت الثالثة ونجحت بمهمتها وعادت بسلام بعدما قطعت خط إمدادت العدو".
هكذا تصطدم رؤية ابن سلمان الاقتصادية بطموحات السيسي
لماذا يجري الإعداد لتغيير قانون نقابة الصحفيين في مصر؟
ما علاقة السيسي بزيارة تواضروس لأمريكا؟