نشر موقع "
ميدل إيست
آي" البريطاني تقريرا، تحدث فيه عن معاناة الفلسطينيين خلال رحلتهم المليئة بالمشقة
من
غزة إلى
مصر، حيث يضطرون إلى المرور بالعشرات من نقاط التفتيش، وتتعرض خصوصياتهم للانتهاك،
كما يُجبرون على دفع الرشاوى لمرور المعابر الحدودية نحو مصر.
وقال الموقع في تقريره، الذي
ترجمته "
عربي21"، إن الفلسطينيين يذوقون الأمرين خلال رحلتهم التي تنطلق
من قطاع غزة نحو مصر، إذ إنهم يضطرون لقضاء ساعات طويلة على الطريق، والانتظار في نقاط
التفتيش لعدة أيام دون مأوى وطعام.
ويشعر هؤلاء الفلسطينيون بالمهانة
والذل؛ بسبب طريقة معاملتهم، كما يتملّك الكثيرون منهم الشعور بالإحباط من المشاق التي
يواجهونها خلال هذه الرحلة. وقد لا ينجح العديدون في اجتياز
معبر رفح والدخول إلى الأراضي
المصرية؛ نظرا لأن الحدود غالبا ما تكون مغلقة، فضلا عن قوائم الانتظار الطويلة.
ونقل الموقع على لسان إبراهيم غنيم،
وهو مغني راب فلسطيني، أنه غادر قطاع غزة المحاصر ذات مرة لتنمية مواهبه الفنية في
مصر. لكنه لم يستطع العودة إلى مصر مجددا بعد زيارته لأهله في القطاع لتقديم عروضه
الفنية. وقال غنيم إن "الناس الذين يريدون مغادرة قطاع غزة تركوا الجحيم هناك
ليعيشوا في جحيم آخر في صحراء سيناء"، مضيفا أن الدخول إلى مصر "يجعلك تشعر كأنك تعبر أراضي العدو".
وأضاف الموقع أنه منذ انطلاق
"مسيرة العودة الكبرى" في آذار/ مارس الماضي، شهد عدد الفلسطينيين الذين
نجحوا في العبور للأراضي المصرية ارتفاعا ملحوظا، وذلك من 1500 شخص خلال آذار/ مارس
إلى 14 ألف شخص في آب/ أغسطس. كما أن الحدود بين البلدين بقيت مفتوحة في أغلب الأحيان،
بمجموع 133 يوما مقارنة بستة وثلاثين يوما فقط خلال سنة 2017.
تجدر الإشارة إلى أن
"مسيرة العودة الكبرى" نتج عنها مقتل 200 فلسطيني، وإصابة آلاف آخرين، خلال
هذه الاحتجاجات الأسبوعية؛ بسبب استخدام القناصة الإسرائيليين للرصاص الحي والرصاص المطاطي
والغاز المسيل للدموع. وقد انفجرت هذه المسيرة؛ بسبب الضغط الذي يشعر به الشباب الفلسطيني
في غزة، حيث بلغت نسبة البطالة أكثر من 50 بالمئة، بينما يتم قطع التيار الكهربائي
على الفلسطينيين لعشرين ساعة في اليوم.
وذكر الموقع أن الأسباب التي
تدفع الشباب الفلسطيني لمغادرة وطنه كثيرة ومتعددة، لكنها تصب في خانة واحدة، وهي
أنهم لا يملكون ما يقدمونه لوطنهم. وتغري الكثيرون منهم فكرة مغادرة الوطن للبحث عن
فرص حياة أفضل في الخارج، لكنهم يصطدمون بواقع مرير يمنعهم من المغادرة حتى في حال
حصولهم على تأشيرات تخول لهم الدراسة في جامعات أجنبية. ووصل الأمر بالبعض إلى وصف
وضعيتهم بأنهم "كالأموات الذين ما زالوا على قيد الحياة".
وأورد الموقع أن إعادة فتح
معبر رفح مؤخرا ونظام الدخول للأراضي المصرية، الذي يرتكز أساسا على
الرشوة، يتناسب مع
تطلعات العديد من الفلسطينيين الذين يطمحون لمغادرة وطنهم بأي ثمن. في الواقع، تضع
وزارة الداخلية في قطاع غزة أسماء الأشخاص الذين يحظون بالأولوية القصوى ضمن قائمة
انتظار رسمية، وتأخذ بعين الاعتبار الحالات الطبية الحرجة، ما يصعب مهمة الخروج أمام
العديد من الفلسطينيين الآخرين، بما في ذلك بعض المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة.
في المقابل، يظهر خيار آخر
أمام الفلسطينيين للعبور إلى مصر عبر معبر بيت حانون الذي يخضع لإدارة السلطات الإسرائيلية
بشكل رسمي. ويظل هذا المعبر مفتوحا بشكل منتظم أكثر مقارنة بمعبر رفح الحدودي. لكن،
ليس الجميع مخولا لعبوره، إذ تصدر تصاريح العبور في الغالب لأسباب صحية، أو في بعض
الحالات لرجال الأعمال أو الفلسطينيين الذين يعملون لصالح الوكالات الدولية.
وفي الآونة الأخيرة، انخفض
عدد التصاريح الممنوحة، حيث تم رفض منح تصاريح العبور لعدد من الفلسطينيين؛ للاشتباه
بارتباطهم بحركة حماس. كما تم اعتقال عدد من المسؤولين رفيعي المستوى بعد منحهم تصاريح
العبور، على غرار موظفين سامين تابعين لمنظمات إغاثة دولية.
وكشف الموقع أن الوسيلة التي
يعتبرها الكثير من الفلسطينيين بمثابة طوق النجاة لتجاوز معاناتهم في وطنهم هي تقديم
الرشوة للمسؤولين المصريين، حيث يحظى دافعو الرشاوى بالأولوية لعبور معبر رفح، في حين
يمضي الذين يعجزون عن تدبر أمورهم أياما وأسابيع في العراء داخل الصحراء.
في هذا الشأن، يروي بعض الفلسطينيين
تفاصيل تتعلق بنظام الدفع لعبور معبر رفح، الذي يشيرون إليه على أنه عملية "تنسيق"
تتم بين الأطراف المتدخلة في عملية عبورهم. وفي البداية، يجمع وسيط في غزة الأموال
منهم. ويكون هذا الوسيط عادة وكيل سفر مجهولا يعمل بالقرب من معبر رفح، ثم ينقلها إلى
ضباط مصريين يكون على اتصال مسبق بهم. وتبلغ قيمة الرشوة 1500 دولار أمريكي. وقد أفاد
البعض بأنهم اضطروا لدفع ضعف ذلك المبلغ، خاصة في الأيام الأولى لإعادة فتح معبر رفح.
كما أكدوا أنهم في بعض الأحيان يلجؤون لاقتراض هذا المبلغ؛ حتى يتمكنوا من ضمان فرصهم
في العبور نحو الجانب المصري.
ونوه الموقع بأن معاناة الفلسطينيين
لا تتوقف عند هذا الحد، بل إن التعامل مع مصالح الهجرة لا يقل تعقيدا وإرهاقا من الرحلة
الشاقة التي قطعوها سابقا. وقد تكون ظروف عودتهم إلى وطنهم أسوأ من رحلة مغادرته. ووفقا
للعديد من شهادات المسافرين، فقد اضطروا للبقاء في غرفة الانتظار في مطار القاهرة لساعات
طويلة بعد عودتهم من وجهاتهم في الخارج. كما تم نقلهم إثر ذلك إلى معبر رفح على متن
حافلة. ولكن استغرق ملء الحافلة بضعة أيام، خاصة خلال عطلة نهاية الأسبوع أو في حالة
غلق معبر رفح.
للاطلاع على نص التقرير الأصلي اضغط (
هنا)