تعالت أصوات كثيرة وخاصة في الآونة الأخيرة، تستنكر وتُدين الأجور المرتفعة التي يطلبها الممثلون لقاء أعمالهم. والبعض يعد أن هذه الأجور الضخمة مُبالغ بها، وأنها تُدفع بتبذير وإسراف لقاء مجرد أعمال "مُشخصاتية" لا نفع منها ولا ما يحزنون.
الأصوات المضادة تدافع طبعا عن حق الفنان، الذي يستحق مثل تلك الأجور، كونه يكسب أمواله من عرق جبينه، وهذه الأموال الضخمة هي مقابل عمل يستحقه الممثل، ليستطيع العيش عيشة تليق بمكانته الفنية.
أجد نفسي بين هذين الرأيين، مُستحضرا في ذاكرتي ممثلين عظاما رحلوا عن حياتنا، وقد أذلتهم الحاجة وكسرهم المرض، ولم يجدوا من يمد لهم يد العون ولا المساندة أو يقف بجانبهم أحد. رحلوا مودعين عالمنا تعساء بؤساء.
تحضرني مقولة عمر الشريف (مع حفظ الألقاب)، حيث وُجه له نقد كبير، عندما وقف أمام كاميرا الإعلانات، ليصور دعاية لسجائر مالبورو. وقتها قيل: كيف يقبل فنان بوزنه أن يتجه إلى درك التصوير الإعلاني؟ فكان رد عمر الشريف على هؤلاء بالسؤال التالي:
ترى هل إذا أفلست سيتطوع أحدكم لتسليفي المال؟ وكيف أكون عمر الشريف وأطلب من أحدكم أن يسلفني المال؟
في الحقيقة، تُلخص إجابة عمر الشريف المأساة المضاعفة للفنانين في حال العوز. فضريبة الشهرة تفترض أن يبقى الفنان بصورة مثالية في أذهان الناس، وعلى الأقل صورته عن نفسه يجب ألا تهتز وتقع تحت طائلة الهوان والذل. فبالإضافة إلى كارثة الفقر التي يصل إليها الكثير من
الفنانين في مراحل معينة من حياتهم بسبب المرض أم قلة الطلب عليهم عندما يكبرون في العمر، هناك مصيبة مذلة؛ كسر النفس بطلب المساعدة التي تجرح كرامة الفنان وتضعه بمكانة لا تليق به.
بالطبع أنا لا أدافع عن مسألة طلب المبالغ الخيالية. ولكن في المقابل أطالب الأصوات المُستنكرة للأجور العالية، أن تطلب من الدولة (التي تغسل يدها دوما من الالتزامات المستحقة للفنانين) بإنصاف المبدعين العاملين في مجال الفن والفكر والأدب.
لا بد أن توفر الدولة نظاما ماليا وصحيا يضمن لهم حياة كريمة تعوضهم عما يحل بهم من نكبات تدهور الصحة وغدر الزمان.
أرجوكم لا تتكلموا عن أجور الفنانين قبل أن تتكلموا عن مأساة الفنانين.