التكافل الاجتماعي
من أعلى القيم الإنسانية، التي تعدّ مقياسا لحضارة المجتمع. ويقصد به تضامن
أفراد المجتمع بعضهم مع بعض لتحقيق حياة كريمة للجميع، بغض النظر عن دينهم أو
عرقهم. هذه الحياة الكريمة لها أبعاد مادية وأخري معنوية، وهي من أنبل الخصائص
الإنسانية التي عني الإسلام بتأصيلها شرعيا.
فمن الناحية المالية،
فرض الله الزكاة كأحد أركان الإسلام الخمسة، وجعل الصدقة من أقرب القربات إلى الله.
وكانت الحكمة الإلهية في هذا الصدد غاية في الروعة والدقة، "كي لا يكون دولة
بين الأغنياء منكم"، أي ألا يبقي المال محصورا ومتداولا بين الأغنياء وحدهم.
ومثل الرسول علاقة المؤمنين بعضهم ببعض كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكي منه عضو
تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمي. وتمتد هذه العلاقة - كما أسلفنا - إلى غير
المسلم، لما صح من إجازة النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر بأن تبر
أمها وكانت مشركة، وقال لها: "صِلِي أمَّكِ". ويؤيد هذا قوله تعالى: "وَيُطْعِمُونَ
الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينا وَيَتِيما وَأَسِيرا". فالآية مطلقة،
والأسير خاصة قد يبقى على دينه ولا يسلم. قالوا: ومنه إعطاء عمر صدقة لليهودي
الذي وجده يسأل.
لذلك، كان أفضل الناس
أولئك الذين ينفعون الغير، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس
إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم".
في ديننا العظيم
يقول رسولنا الكريم: "ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع وهو يعلم"،
فنفى صفة الإيمان عن هذا الشخص الذي وصفه الحديث بأنه "شبعان"، ولم يقل
غنيا ولم يقل عنده فضل زاد، بل مجرد "شبعان"، وكأنه يريد منه أن يقتسم
لقمته مع جاره الجائع.
وكيف لا يعرف حال
جاره وقد أمرنا في حديث آخر: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى
جاره". ولاحظ في هذه الأحاديث تعميم الجار كونه مسلما أو غير مسلم، وقد كان
الجيران غير المسلمين كثر في عهد النبوة.
والآيات والأحاديث
الواردة في هذا الباب أكثر من أن تعد أو أن تحصص، بدءا من حق الوالدين والأبناء
والزوجة والزوج والأقارب و.. سلسلة عظيمة من الأوامر والتشريعات توصي بكل الناس
خيرا.
الأروع ليست في
رعاية الغني للضعيف من دخله، ولا مساعدة الصحيح للمريض من عافيته، بل أن يحدث هذا
بلذة وسعادة، مصداق قول الله: "إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا
شكورا".
وكما تكون هناك
احتياجات مادية يستطيعها كثير منا، فهناك حاجات معنوية يستطيعها كلنا. فزيارة مريض،
ومواساة مكلوم، ومؤانسة وحيد، ومسح على رأس يتيم، وتبسم في وجه الناس، كل هذه من
أصول التكافل الاجتماعي.
إن الاعتماد على
السلطة والحكام في تحقيق التكافل، سيؤدي إلى ضياع الكثير من الضعفاء والمساكين،
وأولئك الذين لا يسألون الناس إلحافا. إضافة إلى أنهم - أي أولي الأمر ولا نعفيهم
من مسؤولياتهم - لا يستطيعون سد الاحتياجات المعنوية. هل تعرف مثلا أن هناك سبعة
ملايين ونصف مليون شخص يعيشون وحدهم في بريطانيا، وكل احتياجهم إلى من يؤنس وحدتهم
ولو لساعات معدودة في اليوم؟!
إذا أردت التعرف على
مدى تقدم دولة أو أمة، فانظر إلى حال ذوي الاحتياجات الخاصة، بدءا من احتياجاتهم
الأساسية من طعام وشراب ومسكن ورعاية وعلاج، مرورا بالاهتمام بحالتهم النفسية،
وصولا إلى بذل الجهد في إدخال السرور عليهم وتمهيد سبل العيش لهم، وتذليل الصعاب
لمن يريد العمل منهم، وتمهيد الطرقات والخدمات ليتمكنوا من الحياة الكريمة
الهانئة.
طبق هذا النموذج في
أوروبا على سبيل المثال؛ وستعرف لماذا تتقدم فنلندا على فرنسا، ومن ثم فرنسا على
إيطاليا، ثم إيطاليا على بولندا فالمجر فرومانيا فبلغاريا.
التكافل الاجتماعي
هو إذن، عماد كل مجتمع ناجح، ومن أجله يجب أن تسن القوانين وتقام الجمعيات ويجتمع
الناس على اختلاف مشاربهم.