هذا هو
اليوم الرابع من المشاورات اليمنية التي تنعقد في ضاحية رينبو الواقعة في شمال العاصمة السويدة استكهولم. لكن بعد أكثر من نصف المدة المقررة من زمن هذه المشاورات، لا شيء يدل على أن ثمة تقدم سيحدث باتجاه السلام عبر الحوار والحل السلمي.
فالحرب لم تتوقف في كل الجبهات تقريباً، بما في ذلك مدينة الحديدة الساحلية الواقعة على ساحل البحر الأحمر، حيث يوجد ثاني أكبر موانئ البلاد، إذ لا تزال هذه المدينة تشهد اشتباكات وعمليات قصف متبادلة، وإن لم تكن تصل إلى مرحلة الحرب الشاملة.
كشف رئيس وفد
الحوثيين محمد عبد السلام مبكراً عن خيارات الجماعة في ما يتصل بالسقف النهائي لمشاورات استكهولم غير المباشرة، فقد عبر عن رغبة جماعته في القفز فوراً إلى حل سياسي شامل يتجاوز خطوات بناء الثقة.
لا شيء يدعو للقلق أكثر من هذا التوجه الذي يندرج في إطار المراوغة السياسية، ولا يزال يكشف عن الخطة التي عمل لأجل تمريرها سفراء غربيون منذ أول جولة مشاورات يعقدها طرفا الأزمة والحرب، في جنيف في نيسان/ ابريل 2015.
فقد كان أولئك السفراء حريصون على أن تقبل السلطة الشرعية مقترحاً
بتشكيل حكومة وفاق وطني، تُنقل إليها صلاحيات الرئيس ويكون الحوثيون جزء منها، وهو ما تجلى في خطة وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري، التي أعلنها في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، في الوقت الذي كان فيه الحوثيون يسيطرون على معظم الأراضي، ويهيمنون على المؤسسة العسكرية والأمنية وعلى البنك المركزي
اليمني، في نية واضحة لتمكينهم بشكل نهائي من انتزاع آخر ما تبقى من عنصر قوة لدى خصومهم في معسكر الشرعية.
كان مشروع القرار البريطاني الداعي إلى وقف إطلاق النار، الذي جرى إجهاضه بواسطة الولايات المتحدة قبل نحو أسبوعين من انطلاق هذه المشاورات، يهدف في الأساس إلى ضمان أن يذهب الجميع إلى استكهولم على أساس من المرجعية الجديدة التي كان سيوفرها قرارٌ كهذا في حال تم صدوره؛ لأنه سيجعل من حرب الجميع على الجميع عملاً غير مشروع من الأساس، في حين أن الحرب التي تخوضها الحكومة حالياً، مدعومة من التحالف العسكري السعودي الإماراتي، ضد الحوثيين تأتي ضمن تغطية أممية يوفرها القرار رقم 2216.
لقد تأجل صدور القرار، لكن لا ضمانة يمكن أن يوفرها أي طرف لعدم ذهاب بريطانيا أو غيرها إلى محاولة جديدة لاستصدار قرار مشابه، خصوصاً وأن المواجهة العسكرية في اليمن تبدو في نظر المجتمع الدولي، مغامرة سعودية إماراتية في سياق إقليمي يضج بالصراعات والمشاريع الجيوسياسية.
إن نقطة ضعف الحوثيين على الدوام هو أنهم ليسوا جزءا من السلطة الشرعية المعترف بها دولياً، على الرغم من أن خصومهم لا يستفيدون كثيراً من كونهم في الطرف الذي توجد فيه هذه الحكومة، التي جرت مصادرتها من جانب التحالف بشكل كامل، وجرى تقويض سلطتها الفعلية على الأرض.
يستفيد الحوثيون - لا شك - من حاجة
غريفيث إلى تحقيق نجاح ملموس في أول جولة مشاورات يتمكن من عقدها، بعد إخفاق جولة السادس من أيلول/ سبتمبر الماضي، والتي جعلته أكثر يقظة هذه المرة حيال اختبار إرادة التحالف بقيادة
السعودية في تمكين طرفي الأزمة من الذهاب إلى جولة مشاورات، لذا نجحوا في فرض إملاءاتهم كاملة.
لم يكتف غريفيث بذلك، بل إنه أبقى هذه المشاورات غير رسمية، بل مرحلة تهدف إلى إقرار إطار للمفاوضات المقبلة التي ستناقش القضيتين الاساسيتين للحل النهائي، والمتمثلتين في قضية الانسحاب وتسليم الأسلحة من الجماعات المسلحة، وفي مقدمتها جماعة الحوثي، وتشكيل حكومة وفاق وطني تدير مرحلة انتقالية محددة المدة.
لقد أغرق غريفيث هذه الجولة من المشاورات في تفاصيل بناء الثقة، والتي تشمل تنفيذ الاتفاق المبرم بين الطرفين لإطلاق الأسرى والمعتقلين، وإعادة فتح صنعاء، وانسحاب الحوثيين من مدينة الحديدة ومينائها، ورفع الحصار عن محافظة تعز، وتوحيد البنك المركزي وتسليم الرواتب.
لكن مهلاً، فثمة خطورة تكمن في هذه التفاصيل، وخطوات بناء الثقة هنا ليست كافية للانتقال نحو خطوات الحل النهائي، إن لم تكن فرصة للحوثيين لتثبيت سلطة الأمر الواقع التي أسسوها في صنعاء، خصوصاً إذا تمكنوا من تحييد مدينة الحديدة، وضمان وصول المرتبات لمئات الآلاف من الموظفين الذين يعملون في المؤسسات الخاضعة لهم، وهو أمر من شأنه أن يخفف النقمة عليهم ويوقف من تآكل نفوذهم ويحمي مشروعهم من الانهيار.
ما اراه هو أن غريفيث يخوض معركته الخاصة، وهو الوسيط الدولي الذي يدخل على خط الأزمة والحرب في اليمن بثقل بريطانيا الدبلوماسي، وهو الاختبار الذي دفع بلندن إلى الذهاب حد المس بالمرجعيات الضامنة، في سياق مسعاها لإنجاح مهمة مواطنها في معركة دبلوماسية عبثية كما هي الحرب عبثية كذلك.